آيات من القرآن الكريم

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

ووصفهم بهذه الصفات إذ أعمالهم من الخطأ وقلة الإجابة كأعمال من هذه صفته، وصم رفع على خبر ابتداء فإما أن يكون ذلك على تقدير تكرار أولئك، وإما على إضمار هم.
وقرأ عبد الله بن مسعود وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنهما. «صما، بكما، عميا» بالنصب، ونصبه على الحال من الضمير في مُهْتَدِينَ، وقيل هو نصب على الذم، وفيه ضعف، وأما من جعل الضمير في «نورهم» للمنافقين لا للمستوقدين فنصب هذه الصفات على قوله على الحال من الضمير في تَرَكَهُمْ.
قال بعض المفسرين قوله تعالى فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون بوجه.
قال القاضي أبو محمد: وإنما كان يصح هذا إن لو كانت الآية في معينين، وقال غيره: معناه فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ما داموا على الحال التي وصفهم بها، وهذا هو الصحيح، لأن الآية لم تعين، وكلهم معرض للرجوع مدعو إليه.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
أَوْ للتخيير، معناه مثلوهم بهذا أو بهذا، لا على الاقتصار على أحد الأمرين، وقوله: أَوْ كَصَيِّبٍ معطوف على كَمَثَلِ الَّذِي. وقال الطبري: أَوْ بمعنى الواو.
قال القاضي أبو محمد: وهذه عجمة، والصيب المطر من صاب يصوب إذا انحط من علو إلى سفل، ومنه قول علقمة بن عبدة: [الطويل]
كأنهم: صابت عليهم سحابة... صواعقها لطيرهنّ دبيب
وقول الآخر: [الطويل]
فلست لإنسيّ ولكن لملأك... تنّزل من جوّ السماء يصوب
وأصل صيّب صيوب اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت، كما فعل في سيّد وميّت.
وقال بعض الكوفيين: أصل صيّب صويب على مثال فعيل وكان يلزمه أن لا يعل كما لم يعل طويل، فبهذا يضعف هذا القول.
وقوله تعالى: ظُلُماتٌ بالجمع، إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت، وكون الدجن مظلما هول وغم للنفس، بخلاف السحاب والمطر إذا انجلى دجنه، فإنه سارّ جميل، ومنه قول قيس بن الخطيم: [المتقارب]

صفحة رقم 101

فما روضة من رياض القطا... كأنّ المصابيح حوذانها
بأحسن منها ولا مزنة... دلوح تكشّف أدجانها
واختلف العلماء في الرعد: فقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب وغيرهم: هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفت سحابة صاح بها، فإذا اشتد غضبه طار النار من فيه، فهي الصَّواعِقِ، واسم هذا الملك الرعد، وقيل الرعد ملك، وهذا الصوت تسبيحه، وقيل الرعد اسم الصوت المسموع، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا هو المعلوم في لغة العرب، وقد قال لبيد في جاهليته: [المنسرح]
فجعني الرعد والصواعق بال... فارس يوم الكريهة النجد
وروي عن ابن عباس أنه قال: «الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت». وقيل:
«الرعد اصطكاك أجرام السحاب». وأكثر العلماء على أن الرعد ملك، وذلك صوته يسبح ويزجر السحاب.
واختلفوا في البرق:
فقال علي بن أبي طالب: «هو مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب».
وقال ابن عباس: «هو سوط نور بيد الملك يزجي به السحاب».
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن البرق ملك يتراءى، وقال قوم: «البرق ماء»، وهذا قول ضعيف.
والصاعقة: قال الخليل: «هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحيانا نار، يقال إنها من المخراق الذي بيد الملك، وقيل في قطعة النار إنها ماء يخرج من فم الملك عند غضبه».
وحكى الخليل عن قوم من العرب «الساعقة» بالسين.
وقال النقاش: «يقال صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنى واحد».
وقرأ الحسن بن أبي الحسن «من الصواقع» بتقديم القاف. قال أبو عمرو: «وهي لغة تميم».
وقرأ الضحاك بن مزاحم «حذار الموت» بكسر الحاء وبألف. واختلف المتأولون في المقصد بهذا المثل وكيف تترتب أحوال المنافقين الموازنة لما في المثل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق.
فقال جمهور المفسرين: «مثل الله تعالى القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال عليهم. والعمى: هو الظلمات، وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أن تبهرهم هو البرق وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعل أصابعهم في آذانهم، وفضح نفاقهم، واشتهار كفرهم، وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوه هي الصواعق».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا كله صحيح بين.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: «إن رجلين من المنافقين هربا من النبي ﷺ إلى

صفحة رقم 102

المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله وأيقنا بالهلاك، فقالا: ليتنا أصبحنا فنأتي محمدا ونضع أيدينا في يده، فأصبحا وأتياه وحسن إسلامهما، فضرب الله ما نزل بهما مثلا للمنافقين».
وقال أيضا ابن مسعود: «إن المنافقين في مجلس رسول الله ﷺ كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن، فضرب الله المثل لهم».
قال القاضي أبو محمد: وهذا وفاق لقول الجمهور الذي ذكرناه.
وقال قوم: «الرعد والبرق هما بمثابة زجر القرآن ووعيده».
ومُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ معناه بعقابه وأخذه، يقال أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذا حاصرا من كل جهة، ومنه قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ [الكهف: ٤٢] ففي الكلام حذف مضاف، ويكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي، فهنا لم يخطف البرق الأبصار، والخطف الانتزاع بسرعة.
واختلفت القراءة في هذه اللفظة فقرأ جمهور الناس: «يخطف أبصارهم» بفتح الياء والطاء وسكون الخاء، على قولهم في الماضي خطف بكسر الطاء وهي أفصح لغات العرب، وهي القرشية.
وقرأ علي بن الحسين ويحيى بن وثاب: «يخطف» بفتح الياء وسكون الخاء وكسر الطاء على قول بعض العرب في الماضي «خطف» بفتح الطاء، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى الحسن وأبي رجاء، وذلك وهم.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وعاصم الجحدري وقتادة: «يخطّف» بفتح الياء وكسر الخاء والطاء وتشديد الطاء، وهذه أصلها «يختطف» أدغمت التاء في الطاء وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين.
وحكى ابن مجاهد قراءة لم ينسبها إلى أحد «يخطّف» بفتح الياء والخاء وتشديد الطاء المكسورة.
قال أبو الفتح: «أصلها يختطف نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت التاء في الطاء».
وحكى أبو عمرو الداني عن الحسن أيضا، أنه قرأ «يخطّف» بفتح الياء والخاء والطاء وشدها.
وروي أيضا عن الحسن والأعمش «يخطّف» بكسر الثلاثة وشد الطاء منها. وهذه أيضا أصلها يختطف أدغم وكسرت الخاء للالتقاء وكسرت الياء اتباعا.
وقال عبد الوارث: «رأيتها في مصحف أبي بن كعب «يتخطّف» بالتاء بين الياء والخاء».
وقال الفراء: «قرأ بعض أهل المدينة بفتح الياء وسكون الخاء وشد الطاء مكسورة».
قال أبو الفتح: «إنما هو اختلاس وإخفاء فيلطف عندهم فيرون أنه إدغام، وذلك لا يجوز».
قال القاضي أبو محمد: لأنه جمع بين ساكنين دون عذر.
وحكى الفراء قراءة عن بعض الناس بضم الياء وفتح الخاء وشد الطاء مكسورة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأنه تشديد مبالغة لا تشديد تعدية.

صفحة رقم 103
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية