آيات من القرآن الكريم

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ

قَوْله تَعَالَى ﴿أَو كصيب من السَّمَاء فِيهِ ظلمات ورعد وبرق﴾ الْآيَة. فالصيب: الْمَطَر، وكل مَا نزل من الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل فَهُوَ صيب، من قَوْلهم: صاب يصوب، إِذا نزل.
وَقيل: الْأَهْل مُضْمر فِيهِ، أَي: كَأَهل الصيب؛ كَقَوْلِه ﴿واسأل الْقرْيَة﴾ أَي: أهل الْقرْيَة.
﴿من السَّمَاء﴾ كل مَا علا فَهُوَ سَمَاء. فالسقف سَمَاء، والسحاب سَمَاء، وَمَا فَوْقه سَمَاء، وَأَرَادَ بِهِ السَّحَاب هَهُنَا.
﴿فِيهِ ظلمات﴾ يعْنى: فِي السَّحَاب؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن ظلمَة، أَلا ترَاهُ يغشى وَجه

صفحة رقم 53

﴿وبرق يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق حذر الْمَوْت وَالله مُحِيط بالكافرين (١٩) ﴾ الشَّمْس ﴿ورعد وبرق﴾ قَالَ عَليّ وَابْن عَبَّاس وَأكْثر الْمُفَسّرين: إِن الرَّعْد صَوت ملك يزْجر السَّحَاب، والبرق لمعان سَوط فِي يَد ملك يضْرب بِهِ السَّحَاب يَسُوقهُ إِلَى حَيْثُ قدره الله تَعَالَى.
وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ: " إِذا سَمِعْتُمْ صَوت الرَّعْد فاذكروا الله فَإِنَّهُ لَا يُصِيب ذَاكِرًا ". وَكَانَ إِذا سمع صَوت الرَّعْد يَقُول: " اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلنَا بِغَضَبِك، وَلَا تُهْلِكنَا بِعَذَابِك، وَعَافنَا قبل ذَلِك ".
وَقيل: الرَّعْد اسْم الْملك. وَقيل: صَوت [اختناق] الرّيح إِلَى السَّحَاب. وَالْأول أصح.
﴿يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق﴾ يَعْنِي: من الصَّوْت الْعَذَاب، حذر الْمَوْت. وَقيل: الصاعقة قِطْعَة من الْعَذَاب ينزلها الله تَعَالَى على من يَشَاء وَعَلِيهِ دلّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء﴾ ﴿وَالله مُحِيط بالكافرين﴾ أَي جامعهم. قَالَ مُجَاهِد: يجمعهُمْ فيعذبهم. والإحاطة بالشَّيْء جمعه بِحَيْثُ لَا يشذ مِنْهُ شئ، والإحاطة من الله تَعَالَى تكون بالقهر والاقتدار وَالْعلم.
وَمعنى الْمثل فِي هَذَا: أما قَوْله: ﴿أَو كصيب من السَّمَاء﴾ يَعْنِي: إِن شِئْت مثلهم بالمستوقد وَإِن شِئْت مثلهم بالصيب، أَي بِأَهْل الصيب. ضرب الصيب مثلا لما أظهرُوا

صفحة رقم 54

﴿يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم كلما أَضَاء لَهُم مَشوا فِيهِ وَإِذا أظلم عَلَيْهِم قَامُوا وَلَو شَاءَ لله لذهب بسمعهم وأبصارهم إِن الله على كل شَيْء قدير (٢٠) ﴾ بِاللِّسَانِ من الْإِسْلَام.
﴿فِيهِ ظلمات﴾ مثل لما فِي الْإِسْلَام من البلايا والمحن والشدائد ﴿ورعد﴾ مثل لما فِيهِ من المخاوف فِي الْآخِرَة.
(وبرق) لما فِيهِ من الْوَعْد والوعيد.
وَقيل: ضرب الصيب مثلا لِلْقُرْآنِ الَّذِي كَانُوا يقرءونه بِاللِّسَانِ؛ لِأَن فِي الْقُرْآن حَيَاة الْبَاطِن كَمَا فِي المَاء حَيَاة الظَّاهِر. ﴿فِيهِ ظلمات﴾ مثل لما ذكرنَا فِي الْقُرْآن من أَنْوَاع الْكفْر والنفاق، ﴿ورعد﴾ مثل لما ذكرنَا فِيهِ من الْوَعيد ﴿وبرق﴾ مثل لما فِيهِ من الْبَيَان.
﴿يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم﴾ يعْنى: أَن الْمُنَافِقين إِذا رَأَوْا فِي الْإِسْلَام بلَاء وَشدَّة هربوا وتأخروا؛ حذرا من الْهَلَاك.
﴿وَالله مُحِيط بالكافرين﴾ يعْنى: لَا يَنْفَعهُمْ حذرهم؛ لِأَن الله تَعَالَى من ورائهم يجمعهُمْ فيعذبهم.

صفحة رقم 55
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية