آيات من القرآن الكريم

أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ۚ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ

(إِنْ تَرَكَ خَيْراً) والخير هو المال، وليس لك مال. والوصية فاعل كتب، وذكر فعلها للفاصل، ولأنها بمعنى أن يوصى، ولذلك ذكر الراجع في قوله: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) والوصية للوارث كانت في بدء الإسلام فنسخت بآية المواريث، وبقوله عليه السلام «إنّ اللَّه أعطى كلّ ذى حق حقه ألا لا وصية لوارث «١» » وبتلقى الأمّة إياه بالقبول حتى لحق بالمتواتر وإن كان من الآحاد، لأنهم لا يتلقون بالقبول إلا الثبت الذي صحت روايته. وقيل: لم تنسخ، والوارث يجمع له بين الوصية والميراث بحكم الآيتين. وقيل: ما هي بمخالفة لآية المواريث.
ومعناها: كتب عليكم ما أوصى به اللَّه من توريث الوالدين والأقربين «٢» من قوله تعالى:
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) أو كتب على المحتضر أن يوصى للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به اللَّه لهم عليهم، وأن لا ينقص من أنصبائهم بِالْمَعْرُوفِ بالعدل، وهو أن لا يوصى للغنى ويدع الفقير ولا يتجاوز الثلث حَقًّا مصدر مؤكد، أى حق ذلك حقاً فَمَنْ بَدَّلَهُ فمن غير الإيصاء عن وجهه إن كان موافقاً للشرع من الأوصياء والشهود بَعْدَ ما سَمِعَهُ وتحققه فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ فما إثم الإيصاء المغير أو التبديل إلا على مبدّليه دون غيرهم من الموصى والموصى له، لأنهما بريان من الحيف إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وعيد المبدّل فَمَنْ خافَ فمن توقع وعلم، وهذا في كلامهم شائع يقولون: أخاف أن ترسل السماء، يريدون التوقع والظنّ الغالب الجاري مجرى العلم جَنَفاً ميلا عن الحق بالخطإ في الوصية أَوْ إِثْماً أو تعمداً للحيف فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ بين الموصى لهم وهم الوالدان والأقربون بإجرائهم على طريق الشرع فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ حينئذ، لأنّ تبديله تبديل باطل إلى حق ذكر من يبدّل بالباطل ثم من يبدّل بالحق ليعلم أنّ كل تبديل لا يؤثم «٣».
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٣ الى ١٨٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)

(١). أخرجه أبو داود والترمذي: وحسنه، وابن ماجة من حديث أبى أمامة، والترمذي أيضا وصححه، والنسائي وابن ماجة من حديث عمرو بن خارجة، وابن ماجة من رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبى سعيد أنه حدثه عن أنس بن مالك به.
(٢). قوله «من توريث الوالدين والأقربين من» لعله في. (ع)
(٣). قوله «أن كل تبديل لا يؤثم» لعل المعنى أن ليس كل تبديل يؤثم (ع)

صفحة رقم 224

كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ على الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم. قال علىّ رضى اللَّه عنه: أوّلهم آدم، يعنى أنّ الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى اللَّه أمّة من افتراضها عليهم، لم يفرضها عليكم وحدكم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ بالمحافظة عليها وتعظيمها لأصالتها وقدمها، أو لعلكم تتقون المعاصي، لأنّ الصائم أظلف لنفسه «١» وأردع لها من مواقعة السوء. قال عليه السلام: «فعليه بالصوم «٢» فإنّ الصوم له وجاء «٣» » أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين، لأنّ الصوم شعارهم. وقيل معناه: أنه كصومهم في عدد الأيام وهو شهر رمضان، كتب على أهل الإنجيل فأصابهم موتان، فزادوا عشراً قبله وعشراً بعده. فجعلوه خمسين يوماً. وقيل:
كان وقوعه في البرد الشديد والحرّ الشديد، فشقّ عليهم في أسفارهم ومعايشهم فجعلوه بين الشتاء والربيع، وزادوا عشرين يوما كفارة لتحويله عن وقته. وقيل: الأيام المعدودات:
عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر. كتب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صيامها حين هاجر. ثم نسخت بشهر رمضان. وقيل: كتب عليكم كما كتب عليهم أن يتقوا المفطر بعد أن يصلوا العشاء وبعد أن يناموا، ثم نسخ ذلك بقوله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ)... الآية. ومعنى مَعْدُوداتٍ موقتات بعدد معلوم. أو قلائل، كقوله: (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) وأصله أنّ المال القليل يقدّر بالعدد ويتحكر فيه. والكثير يهال هيلا ويحثى حثيا. وانتصاب أياماً بالصيام، كقولك: نويت الخروج يوم الجمعة أَوْ عَلى سَفَرٍ أو راكب سفر فَعِدَّةٌ فعليه عدّة. وقرئ بالنصب بمعنى: فليصم عدّة وهذا على سبيل الرخصة. وقيل: مكتوب عليهما أن يفطرا ويصوما عدّة مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ واختلف في المرض المبيح للإفطار، فمن قائل: كل مرض، لأنّ اللَّه تعالى لم يخص مرضا دون مرض كما لم يخص سفراً دون سفر، فكما أنّ لكل مسافر أن يفطر، فكذلك كل مريض. وعن ابن سيرين أنه دخل عليه في رمضان وهو يأكل فاعتلّ بوجع أصبعه. وسئل مالك عن الرجل يصيبه الرمد الشديد أو الصداع المضر وليس به مرض يضجعه، فقال: إنه في سعة من الإفطار. وقائل: هو المرض الذي يعسر معه الصوم ويزيد فيه، لقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وعن الشافعي: لا يفطر حتى يجهده الجهد غير المحتمل. واختلف أيضاً في القضاء فعامّة العلماء على التخيير. وعن أبى عبيدة بن الجرّاح رضى اللَّه عنه: «إنّ اللَّه لم يرخص لكم في

(١). قوله «لأن الصائم أظلف لنفسه» في الصحاح: ظلف نفسه عن الشيء منعه عنه. وظلفت نفسي عن كذا- بالكسر-: كلست (ع)
(٢). قوله «قال عليه السلام فعليه بالصوم» صدره: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم الخ. (ع)
(٣). متفق عليه من حديث ابن مسعود

صفحة رقم 225
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية