آيات من القرآن الكريم

أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ۚ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

وقال بعضهم: الوصية واجبة على كل مسلم، لأن الله تعالى قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ، أي فرض عليكم الوصية. وروي عن ابن عمر، عن رسول الله ﷺ أنه قال: «مَا حَقُّ امرئ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَةً وَعِنْدَهُ مَالٌ يُوَصِي بِهِ، إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَه» وقال بعضهم: هي مباحة وليست بواجبة. وقد روي عن الشعبي أنه قال: الوصية ليست بواجبة فمن شاء أوصى ومن شاء لم يوص. وقال إبراهيم النخعي: مات رسول الله ﷺ ولم يوص، وقد أوصى أبو بكر- رضي الله عنه- فإن أوصى فحسن، وإن لم يوص فليس عليه شيء. وقال بعضهم: إن كان عليه حج أو كفارة أي شيء من الكفارات فالوصية واجبة، وإن لم يكن عليه شيء من الواجبات فهو بالخيار إن شاء أوصى وإن شاء لم يوص. وبهذا القول نأخذ.
ثم بيّن مواضع الوصية فقال تعالى: الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ. قال مجاهد: كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين، فصارت الوصية للوالدين منسوخة.
وروى جويبر، عن الضحاك أنه قال: نسخت الوصية للوالدين والأقربين ممن يرث، وثبتت الوصية لمن لا يرث من القرابة. ويقال: في الآية تقديم وتأخير، معناه كتب عليكم الوصية للوالدين والأقربين إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت وكانوا يوصون للأجنبيين ولم يوصوا للقرابة شيئاً، فأمرهم الله تعالى بالوصية للوالدين والأقربين. ثم نسخت الوصية للوالدين بآية الميراث في قوله: بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ، أي واجباً عليهم.
وقوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ، أي غيّره بعد ما سمع الوصية فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ، أي وزره على الذين يبدلونه ويغيرونه لا على الموصي، لأن الموصي قد فعل ما عليه. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بالوصية عَلِيمٌ بثوابها وبجزاء من غيّر الوصية. فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً، أي علم من الموصي الجنف وهو الميل عن الحق فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، إذا غيّر وصيَّته فردها إلى الحق، لأن تبديله كان للإصلاح ولم يكن للجور. وقال الكلبي: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً، أي علم من الميت الخطأ في الوصية، أَوْ إِثْماً، يعني تعمداً للجور في وصيته فزاد على الثلث فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، أي رد ما زاد على الثلث فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. هكذا قال مقاتل: وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الإضرار في الوصية من الكبائر.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر: «فَمَنْ خَافَ مِنْ موَصّ» بنصب الواو وتشديد الصاد، وقرأ الباقون: بسكون الواو وتخفيف الصاد فمن قرأ بالنصب والتشديد، فهو من وصّى يوصي ومن قرأ بالتخفيف، فهو من أوصى يوصي. وهما لغتان ومعناهما واحد ف إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، معناه غفور لمن جنف رحيم لمن أصلح.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٣ الى ١٨٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥) وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)

صفحة رقم 120

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، يعني فرض عليكم صيام رمضان، كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أي فرض على الذين من قبلكم من أهل الملل كلها. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأكل والشرب والجماع بعد صلاة العشاء الآخرة وبعد النوم. ويقال:
كما كتب في الذين من قبلكم في الفرض. ويقال: كما كتب على الذين من قبلكم في العدد أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، أي معلومات وإنما صارت الأيام نصباً لنزع الخافض، ومعناه في أيام معدودات. وقال مقاتل: كل شيء في القرآن معدودة أو معدودات فهو دون الأربعين، وما زاد على ذلك لا يقال معدودة.
ثم قال تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً، فلم يقدر على الصوم أَوْ عَلى سَفَرٍ، فلم يصم. فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، أي فعليه أن يقضيها بعد مضي الشهر مثل عدد الأيام التي فاتته.
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ، أي يطيقون الصوم فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، أي يدفع لكل مسكين

صفحة رقم 121

مقدار نصف صاع من حنطة ويفطر ذلك اليوم. فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً، أي تصدق على مسكينين مكان كل يوم أفطره، فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ من أن يطعم مسكيناً واحداً. والصيام خير له من الإفطار وهو قوله: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ من أن تفطروا وتطعموا. قال الكلبي:
كان هذا في أول الإسلام ثم نسخت هذه الآية بالآية التي بعدها، وهكذا قال القتبي، وهكذا روي، عن سلمة بن الأكوع أنه قال: لما نزلت هذه الآية: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، كان من أراد أن يفطر ويفدي فعل، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها وهو قوله:
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. وقال الشعبي: لما نزلت هذه الآية: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، كان الأغنياء يطعمون ويفطرون ويفتدون ولا يصومون، فصار الصوم على الفقراء، فنسختها هذه الآية فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، فوجب الصوم على الغني والفقير، وقال بعضهم: ليست بمنسوخة، وإنما نزلت في الشيخ الكبير. وروي عن عائشة أنها كانت تقرأ: «وَعَلَى الَّذِينَ يَطُوقُونَهُ»، يعني يكلفونه فلا يطيقونه. وروي عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال: ليست بمنسوخة وإنما هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اللذين لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان كل يوم مسكيناً. قرأ نافع وابن عامر «فِدْيَةُ طَعَامِ مِسْكِينٍ» بضم الهاء وكسر الميم بالألف على الإضافة. وقرأ الباقون بتنوين الهاء فِدْيَةٌ طَعامُ بضم الميم مّسْكِينٌ بغير ألف.
قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ، قرأ عاصم في رواية حفص: شَهْرُ بفتح الراء والباقون: بالضم. وإنما صار رفعاً لمعنيين: أحدهما أنه مفعول ما لم يسم فاعله، يقول: كتب عليكم شهر رمضان ومعنى آخر: أنه خبر مبتدأ يعني هذا شهر رمضان. ومن قرأ بالنصب احتمل أنه صار نصباً لوقوع الفعل عليه، أي صوموا شهر رمضان ويقال: صار نصباً لنزع الخافض، أي: في شهر رمضان. ويحتمل: عليكم شهر رمضان. كقوله: صِبْغَةَ اللَّهِ [البقرة: ١٣٨] يعني الزموا.
قوله: الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، قرأ ابن كثير الْقُرْآنُ بالتخفيف وقرأ الباقون: بالهمز.
وقال ابن عباس في معنى قوله: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، يعني أنزل فيه القرآن من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكتبة في السماء الدنيا، ثم أنزل به جبريل على رسول الله ﷺ نجوماً نجوماً، أي الآية والآيتين في أوقات مختلفة أنزل عليه في إحدى وعشرين سنة. وقال مقاتل: أنزل فيه القرآن من اللوح المحفوظ كل عام في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، نزل إلى السفرة من اللوح المحفوظ في عشرين سنة.
حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا فارس بن مردويه قال: حدثنا محمد بن الفضيل العابد قال: حدثنا الفضل بن دكين، عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة قال:

صفحة رقم 122

أنزلت التوراة في ثنتي عشرة ليلة مضت من رمضان، والإنجيل في ثمانية عشرة ليلة، والقرآن في أربعة وعشرين ليلة. قال الفقيه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم القطان قال: حدثنا محمد بن صالح الترمذي قال: حدثنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن جريح قال: قال ابن عباس في قوله: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ قال: أنزل القرآن جملة واحدة على جبريل في ليلة القدر. قال ابن جريج: كان ينزل من القرآن في ليلة القدر كل شيء ينزل في تلك السنة. فينزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا، ولا ينزل جبريل من ذلك على محمد ﷺ إلا كلما أمر به تعالى.
قوله عز وجل: هُدىً لِلنَّاسِ أي القرآن هدى للناس من الضلالة وبياناً لهم. وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى، يعني بيان الحلال والحرام وَالْفُرْقانِ، أي المخرج من الشبهات فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، أي من كان منكم شاهداً ولم يكن مريضاً ولا مسافراً فليصم الشهر.
وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فأفطر، فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يقضيه بعد ذلك. روي عن عبد الله بن عمر: أنه كان يكره قضاء رمضان متفرقاً. وعن علي بن أبي طالب مثله. وقال معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وجماعة من الصحابة: أحصِ العدد وصم كيف شئت.
واختلفوا في حدّ المريض الذي يجوز له الإفطار. قال بعضهم: إذا كان بحال يخاف على نفسه التلف. وقال بعضهم: إذا استحق اسم المريض جاز له أن يفطر. وقال بعضهم: إذا كان بحال يخاف أن يزيد الصوم في مرضه جاز له أن يفطر. وهو قول أصحابنا.
ثم قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ في الإفطار في حال المرض والسفر، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ بالصوم في المرض والسفر. وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، قال الكلبي: يعني لتتموا عدة ما أفطرتم من الصوم في السفر أو في المرض. وقال الضحاك: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، يعني إذا غمّ عليكم هلال شوال فأكملوا الشهر ثلاثين يوماً. قرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو في رواية هارون: «وَلِتُكَمِّلُوا» بنصب الكاف وتشديد الميم، وقرأ الباقون بالتخفيف وسكون الكاف وهما لغتان يقال: كملت الشيء وأكملته مثل وصَّيت وأوصيت ثم قال: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ، أي لتعظموا الله على مَا هداكم لشرائعه وسننه وأمر دينه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، أي لتشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث رخص لكم الفطر في المرض والسفر. وقال مقاتل: لعلكم تشكرون في هذه النعم أن هداكم لأمر دينه.
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي وذلك أنه لما نزلت هذه الآية: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: ٦٠]، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله في أي وقت ندعو الله حتى يستجاب دعاؤنا؟ فنزلت هذه الآية: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ، يعني أجيبكم في أي وقت تدعونني. وقال بعضهم: سأله بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله،

صفحة رقم 123

أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت هذه الآية: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.
وقال مقاتل: إن عمر واقع امرأته بعد ما صلى العشاء، فندم على ذلك وبكى إلى رسول الله ﷺ فأخبره بذلك ورجع من عنده مغتماً، وكان ذلك قبل الرخصة، فنزلت هذه الآية: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.
قرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في إحدى الروايتين: «دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي» بالياء والباقون كلهم بحذف الياء. وأصله بالياء إلا أن الكسر يقوم مقام الياء. ويقال فإني قريب في الإجابة، أجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بالطاعة، وَلْيُؤْمِنُوا بِي وليصدقوا بوعدي. قال ابن عباس في رواية الكلبي: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي الاستجابة أن تقولوا بعد صلاتكم: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وَلْيُؤْمِنُوا بِي والإيمان أن تقول: آمنت بالله وكفرت بالطاغوت، وأن وعدك حق وأن لقاءك حق، وأشهد أنك أحد فرد صمد، لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفواً أحد، وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنك باعث من في القبور. وروي عن ابن عباس أنه قال: ما تَرَكْتُ هذه الكلمات دبر كل صلاة منذ نزلت هذه الآية. وروي عن الكلبي أنه قال: ما تركتها منذ أربعين سنة. ويقال: معناه أجيبوا لي بالطاعة إذا دعاكم رسول الله- وَلْيُؤْمِنُوا بِي، أي ليصدقوا بتوحيدي. لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ، أي يهتدون من الضلالة.
قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، يعني الجماع. وروى بكر، عن عبد الله المزني، عن ابن عباس أنه قال: الغشيان واللمس والإفضاء والمباشرة والرفث هو الجماع، ولكن الله حيي كريم يكني بما شاء. وسبب نزول هذه الآية أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- واقع امرأته بعد صلاة العشاء في شهر رمضان بعد النوم، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا كُنْتَ جَدِيراً بذلك». فرجع مغتماً فنزلت هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، أي رخص لكم الجماع مع نسائكم. هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ، أي هن سكن لكم وأنتم سكن لهن. ويقال: هن ستر لكم من النار وأنتم ستر لهن من النار. عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ، أي تظلمون أنفسكم.
قال القتبي: أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه. وقد سمى الله تعالى هذا الفعل خيانة، لأن الإنسان قد اؤتمن على دينه فإذا فعل بخلاف ما أمر الله به ولم يؤد الأمانة فيه، فقد خانه بمعصيته. فَتابَ عَلَيْكُمْ، أي فتجاوز عنكم وَعَفا عَنْكُمْ ولم يعاقبكم بما فعلتم.
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ، أي جامعوهن وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، يعني اطلبوا ما قضى الله لكم من الولد الصالح. وقال الزجاج: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، أي اتبعوا القرآن فيما أبيح

صفحة رقم 124
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية