الذنب بعن فاذا تعدى الى الذنب بعن كما في قوله تعالى عَفَا اللَّهُ عَنْكَ عدى الى الجاني باللام يقال عفوت لفلان إذ جنى وعليه ما في الآية وعفو الجاني عبارة عن إسقاط موجب الجناية عنه وموجبها هاهنا القصاص فكأنه قيل القاتل الذي عفى له عن جناية من جهة أخيه الذي هو ولى المقتول سواء كان العفو الواقع تاما بان اصطلح القاتل مع جميع اولياء القتيل على مال او بعض العفو بان وقع الصلح بينه وبين بعض الأولياء فانه على التقديرين يجب المال ويسقط القصاص فانه قد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان هذه الآية نزلت في الصلح عن القصاص على مال وسمى الله تعالى ولى الجناية أخا للقاتل استعطافا له عليه وتنبيها على ان اخوة الإسلام قائمة بينهما وان القاتل لم يخرج من الايمان بقتله فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ خبر مبتدأ محذوف اى وإذا حصل شىء من العفو وبطل الدم بعفو البعض فالامر اتباع بالمعروف اى على ولى المقتول ان يطالب القاتل ببدل الصلح بالمعروف بترك التشديد والتضييق في طلبه وإذا أخذ الدية لا يطلب الأكثر مما وجب عليه وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ حث العفو عنه وهو القاتل على تأدية المال بالإحسان اى وعلى القاتل ان يؤدى المال الى العافي بإحسان في الأداء بترك المطل والبخس والأذى ذلِكَ اى الحكم المذكور من العفو والدية تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ اى تيسير وتوسعة لكم وَرَحْمَةٌ منه حيث لم يجزم بالعفو وأخذ الدية بل خيركم بين الثلاث القصاص والدية والعفو وذلك لان في شرع موسى عليه السلام القصاص وهو العدل فقط وفي دين عيسى عليه السلام العفو وهو الفضل فحسب وفي ملتنا للتشفى القصاص وللترفه الدية وللتكرم العفو فَمَنِ اعْتَدى اى تجاوز ما شرع له بَعْدَ ذلِكَ التخفيف بان قتل غير القاتل او قتل القاتل بعد العفو او أخذ الدية فقد كان الولي في الجاهلية يؤمن القاتل بقبول الدية ثم يظفر فيقتله وينبذ ماله الى أوليائه فَلَهُ باعتدائه عَذابٌ أَلِيمٌ نوع من العذاب شديد الألم اما في الدنيا فبالاقتصاص بما قتله بغير حق واما فى الآخرة فبالنار وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ اى في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة لانهم كانوا يقتلون بالواحد الجماعة كما قتل مهلهل بن ربيعة بأخيه كليب حتى كاد يفنى بكر بن وائل وكان يقتل بالمقتول غير قاتله فتثور الفتنة ويقع فيما بينهم التشاجر والهرج والمرج وارتفاع الا من فلما جاء الإسلام بشرع القصاص كانت فيه أي حياة لانه إذا علم القاتل انه يقتل إذا قتل لا يقدم على القتل وإذا قتل فقتل ارتدع غيره فكان القصاص سبب حياة نفسين او اكثر وهو كلام في غاية الفصاحة والبلاغة من حيث جعل الشيء محل ضده فان ضدية شىء لآخر تستلزم ان يكون تحقق أحدهما رافعا للاخر والقصاص لاستلزامه ارتفاع الحياة ضد لها وقد جعل ظرفا لها تشبيها له بالظرف الحقيقي من حيث ان المظروف إذا حواه الظرف لا يصيبه ما يخل به ويفسده ولا هو يتفرق ويتلاشى بنفسه كذلك القصاص يحمى الحياة من الآفات فكان من هذا الوجه بمنزلة الظرف لها ولا شك فيه إذ جعل الضد حاميا لضده اعتبار لطيف في غاية الحسن والغرابة التي هي من نكات البلاغة وطرقها يا أُولِي الْأَلْبابِ اى ذى العقول الخالصة من شوب الأوهام ناداهم للتأمل في
صفحة رقم 285
النكاح والتزوج وهو المباءة في المنزل لان من تزوج امرأة بوأها منزلا والوجاء نوع من الاخصاء وهو ان يرض عروق الأنثيين ويترك الخصيتين كما هما والمعنى على التشبيه اى الصوم يقطع شهوة الجماع ويدفع شر المنى كالخصاء والأمر في الحديث للوجوب لانه محمول على حالة التوقان باشارة قوله يا معشر الشباب فانهم ذووا التوقان على الجبلة السليمة قال العلماء تسكين الشهوة يحصل بالصيام بالنهار والقيام بالليل وحذف الشهوات والتغافل عنها وترك محادثة النفس بذكرها فان قلت ان الرجل يصوم ويقوم ولا يأكل ويجد من نفسه حركة واضطرابا قلت ذلك من فرط فضل شهوة مقيمة فيه من الاول فليقطع ذلك عن نفسه بالهموم والأحزان الدائمة وذكر الموت وتقريب الاجل وقصر الأمل والمداومة على المراقبة والمحافظة على الطاعة أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ اى موقتات ومقدرات بعدد معلوم او قلائل فان القليل من المال يعد عدا والكثير يهال هيلا اى يصب صبا من غير كيل وعد فالله تعالى لم يفرض علينا صيام الدهر ولا صيام أكثره تخفيفا ورحمة وتسهيلا لامر التكليف على جميع الأمم وانتصاب أياما بمضمر دل هواى الصيام عليه اعنى صوموا اما على الظرفية او المفعولية اتساعا فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً اى مرضا يضره الصوم او يضر معه أَوْ عَلى سَفَرٍ او راكب سفر وفيه ايماء بان من سافر في أثناء اليوم لم يفطر لعدم استعلائه السفر استعلاء الراكب المركوب بل هو ملابس شيأ من السفر والرخصة انما أثبتت لمن كان على سفر وكلمة على فيها استعارة تبعية شبه تلبسه بالسفر باستعلاء الراكب واستيلائه على المركوب ينصرف فيه كيف يشاء وللدلالة على هذا المعنى عدل عن اسم الفاعل فلم يقل او مسافرا إذ ليس فيه اشارة بالاستيلاء على السفر فَعِدَّةٌ اى فعليه صوم عدة ايام المرض والسفر فعدة من العد بمعنى المعدود ومنه يقال للجماعة المعدودة من الناس عدة مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ غير ايام مرضه وسفره ان أفطر متتابعا او غير متتابع والمقصود من الآية بيان ان فرض الصوم في الأيام المعدودات انما يلزم الأصحاء المعتبرين واما من كان مريضا او مسافرا فله تأخير الصوم عن هذه الأيام الى ايام اخر وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ذهب اكثر المفسرين الى ان المراد بالذين يطيقونه الأصحاء المقيمون خيرهم في ابتداء الإسلام بين أمرين بين ان يصوموا وبين ان يفطروا ويفدوا لئلا يشق عليهم لانهم كانوا لم يتعودوا الصوم ثم نسخ التخيير ونزلت العزيمة بقوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فالمعنى اى وعلى المطيقين للصيام القادرين عليه ان أفطروا فِدْيَةٌ اى إعطاء فدية وهى طَعامُ مِسْكِينٍ وهي نصف صاع من بر او صاع من غيره والفدية في معنى الجزاء وهو عبارة عن البدل القائم عن الشيء وفي تفسير الشيخ يطيق من أطاق فلان إذا زالت طاقته والهمزة للسلب اى لا يقدرون على الصوم وهم الذين قدروا عليه في حال الشباب ثم عجزوا عنه في حال الكبر فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً اى من تبرع بخير فزاد في الفدية او تطوع تطوعا خيرا فَهُوَ اى التطوع خَيْرٌ لَهُ وذكر في الخير المتطوع ثلاثة أوجه. أحدها ان يزيد على مسكين واحد فيطعم مكان كل يوم مسكينين او اكثر. وثانيها ان يطعم المسكين الواحد اكثر من القدر الواجب. وثالثها ان يصوم مع الفدية فهو خير كله وَأَنْ تَصُومُوا فى تأويل المصدر مرفوع بالابتداء اى صومكم ايها المرضى والمسافرون
صفحة رقم 290
والذين يطيقونه خَيْرٌ لَكُمْ من الفدية إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ما في الصوم من الفضيلة وبراءة الذمة والجواب محذوف ثقة بظهوره اى اخترتموه وفي الأشباه الصوم في السفر أفضل الا إذا خاف على نفسه او كان له رفقة اشتركوا معه في الزاد واختاروا الفطر انتهى وانما فضل الصوم للمسافر لان الصوم عزيمة له والتأخير رخصة والاخذ بالعزيمة أفضل واما ما روى ان النبي عليه السلام (قال ليس من البر الصيام في السفر) فمحمول على ما إذا كان الصوم يضعفه حتى يخاف عليه الهلاك كذا في شرح المجمع لابن الملك والسفر المبيح للفطر مسيرة ثلاثة ايام ولياليها عند ابى حنيفة رحمه الله واعلم ان الله تعالى أمرنا بصيام شهر كامل ليوافق عدد السنة فى الاجر الموعود بقوله مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فالشهر الكامل ثلاثمائة وستة ايام شوال ستون يوما فان نقص يوم من عدد الشهر لم
ينقص من الثواب روى ان رسول الله عليه السلام صام ثمانية رمضانات خمسة منها كانت تسعة وعشرين يوما والباقي ثلاثين يوما وافترض الصيام بعد خمس عشرة سنة من النبوة بعد الهجرة بثلاث سنين وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعث الله نبيه عليه السلام بشهادة ان لا اله الا الله فلما صدق زاد الصلاة فلما صدق زاد الزكاة فلما صدق زاد الصيام فلما صدق زاد الحج ثم الجهاد ثم أكمل لهم الدين وأول ما فرض الصوم على الأغنياء لاجل الفقراء في زمن الملك طهمورث ثالث ملوك بنى آدم وقع القحط في زمانه فامر الأغنياء بطعام واحد بعد غروب الشمس وبامساكهم بالنهار شفقة على الفقراء وإيثارا عليهم بطعام النهار وتعبدا وتواضعا لله تعالى والصوم سبب للولوج في ملكوت السموات وواسطة الخروج عن رحم مضايق الجسمانيات المعبر عنه بالنشأة الثانية كما أشير اليه بقول عيسى عليه السلام [لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين] بل مجاهدة الصوم رابطة مشاهدة اللقاء واليه يشير الحديث القدسي (الصوم لى وانا اجزى) يعنى انا جزاؤه لا حورى ولا قصورى ولهذا علق سبحانه نيل سعادة الرؤية بالجوع حيث قال في مخاطبة عيسى عليه السلام (تجوع ترانى) : قال السعدي
| ندارند تن پروران آگهى | كه پر معده باشد ز حكمت تهى |
| هر كرا دارد هوسها جان پاك | زود بيند حضرت وايوان پاك |