آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

- السؤال الثالث: هلا استغنى على إعادة الظاهر فيقال: فإنما إثمه عليه؟
والجواب عن ذلك! أنه تنبيه على العلة التي لأجلها كان مأثوما وهي التبديل.
قوله تعالى: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ... ﴾.
كرر النداء لبعد النداء المتقدم وكثرة ما بين النداءيْن من الفصل فكرره تطرئة.
ابن عطية: الصيام مجمل لأنه لم يعين مقداره ولا زمنه.
قال ابن العربي: بل هو معين في الآية لقوله ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ﴾.
(قال ابن عرفة: إنما هو تشبيه حكم بحكم والحكم لا يتبدل ولا يتفاوت فهو تشبيه وجوب بوجوب).
ابن عرفة: وهذا التشبيه وإن رجع إلى الأحكام فهو تسلية لنا لأن الإعلام بفرضيته على من مضى يوجب خفته عل النفوس وقبولها إياه، وإن رجع إلى الثواب فهو تنظير نعمة بنعمة، أي: أنعم عليكم بالصوم المحصل للثواب الأخروي، كما أنعم على من قبلكم من أن ثوابكم أعظم. وحذف الفاعل للعلّم به وزيادة «مِنْ» تنبيه على عموم ذلك في كل أمة من الأمم السالفة إلى حين: تزول هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ... ﴾.
زيادة/ (في التسلية) والتخفيف، أي هو أيام قلائل تعد عدا.
قلت: كما في قوله تعالى ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ قاله الزمخشري.
قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً... ﴾.
ابن عطية: قال قوم: متى صدق على المكلف أنه مريض صحّ له (الفطر)، وقاله ابن سيرين فيمن وجعته أصبعه (فأفطر)
وحكاه عنه ابن رشد في مقدماته والجمهور: المراد المرض الذي يشق معه الصوم.
قال ابن عرفة: سبب الخلاف ما يحكيه المازري وابن بشير من الاختلاف في الأخذ بأوائل الأسماء أو بأواخرها فظاهر الآية عندي حجة للجمهور لقول الله ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً﴾ ولم يقل: فمن مرض فظاهره، أنه لا يفطر بمطلق المرض بل مرض محقق ثابت يصدق أن يقال في صاحبه كان مريضا لأن «كان» تقتضي الدوام.
قوله تعالى: ﴿أَوْ على سَفَرٍ... ﴾.
ولم يقل: مسافرا.

صفحة رقم 218

قال ابن عرفة: يؤخذ منه في الحاضر إذا عزم على السفر (أن له أن يبيت على الفطر ويفطر، ولا يلزمه كفارة لأنهم قالوا في الحاضر إذا عزم على السفر وبيت) على الصوم ثم أفطر فالمشهور عندنا أنه لا كفارة عليه.
وقال المغيرة المخزومي: تلزمه الكفارة فإذا كان لا يكفر إذا أفطر بعد أن يبيت على الصوم فأحرى أن لا يكفر إذا أفطر بعد أن يبيت على الفطر. تقول: هذا الحائظ على سقوط وهو لم يسقط أي على حالة السفر.
فقوله: ﴿أَوْ على سَفَرٍ﴾ مما يصحح ما قلناه بخلاف المرض، فإنه لايباح الفطر إلا لمن وقع به المرض وهما في المدونة مسألتان متعاكستان.
قال: في الحاضر يفطر مريدا للسفر يقضي فقط.
فقال المخزومي وابن كنانة: يقضي ولا يكفر.
قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ... ﴾.
ولم يقل فعدة أيام أخر، إشارة إلى ما أجاب به الزمخشري في قوله تعالى ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت﴾ وذكر «أَيَّامٍ» إشارة إلى أنه يجزي فيها الصوم في النهار القصير قضاء عنه في النهّار الطويل وإنما المطلوب عدة أيام (كعدد) الأيام الأول لا كقدرها وصفتها.
قال أبو حيان: أجازُوا نَصب ﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ﴾ على الظرف والعامل فيه «كُتِب» أو يكون مفعولا على السعة والعامل فيه كتب ورد بأن الظرف محل الفعل وليست الكتابة واقعة في الأيام وإنما الواقع فيها متعلقها وكذا النصب على المفعول مبني على وقوعه ظرفا انتهى.
قال المختصر: في هذا الأخير نظر. قلت: يريد أنه لا يلزم من منع جعله ظرفا ل «كتب» ان لا يكون مفعولا كما قيل: إن يوم الجمعة مبارك (فجعلوه) اسم يوم مع امتناع كونه ظرفا فليس (هو) مبنيا عليه.
قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ... ﴾.
حكى أبو حيان في «يُطِقُونَه» خمسة أقوال.
الأول: أنه على تقدير: لايطيقونه، مثل قولهم:
فخالف خلا والله تهبط تلعة... من الأرض إلا أنت للذل عارف
وضعفه بأنّه لا دليل عليه.
قال ابن عرفة: والجواب بأن السياق هنا يدل عليه كما قالوا في ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ أن «لا» زائدة وفي ﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب﴾ أنها زائدة أيضا.
وأيضا، فيجاب بقوله قبله، ويحتمل قراءة التشديد أنها بمعنى يتكلفونه أو يكلفونه ويكون من تصويب قول بقول.
ونقل ابن عطية في تأويل الآية خلافا. ثم قال: والآية

صفحة رقم 219
تفسير ابن عرفة
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونسي المالكي
تحقيق
جلال الأسيوطي
الناشر
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة
الأولى، 2008 م
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية