آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

بين الورثة والمُوصَى لهم، قال الكسائي: لأنّ أصلح لا يكون على واحد، لا تقول: أصلحت بينَه، ولكن بينهما، أو بينهم.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ إنما قال للمتوسط للإصلاح: ليس عليه إثم، ولم يقل فله الأجر؛ لأنه ذكر إثم التبديل، ونفى الإثم عن المصلح، ليبين أنه ليس بمبدل (١).
١٨٣ - قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ الآية، الصيام: مصدر صام كالقيام، وأصله في اللغة: الإمساكُ عن الشيء والتركُ له، ومنه: قيل للصمت: صوم، لأنه إمساك عن الكلام، قال الله تعالى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦]، وصام النهار: إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة، قال امرؤ القيس:

فَدَعْها وسَلِّ الهَمَّ عنكَ بجَسْرةٍ ذَمُولٍ إذا صامَ النهارُ وهَجَّرا (٢)
وقال آخر:
حتى إذا صَام النهارُ واعتدَلْ (٣)
(١) "التفسير الكبير" ٥/ ٦٧، وذكر أربعة أوجه.
(٢) البيت لامرئ القيس في "ديوانه" ٦٣، "الكامل" للمبرد ٣/ ٨٩، "أساس البلاغة" (مادة: كنز). "لسان العرب" ٤/ ٢٥٣٠ (صوم) والجسرة: الناقة النشيطة، والذمول: هو "السير" السريع، وهجرا: من الهاجرة، وهي شدة الحر. ينظر: "الديوان" ص ٦٣.
(٣) ورد هذا الرجز بلا نسبة في "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٢٦، بعده عنده:
وسال للشمس لعابٌ فنزل
وكذا في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٨١، وفي "لسان العرب" ٣/ ١٥٢٤، ٣/ ١٩٠١ (ذوب، زيق)، بالرواية التالية:
وقام ميزان النهار فاعتدل

صفحة رقم 554

وصامت الريح: إذا ركدت، وصام الفرس: إذا قام على غير اعتلاف، ومنه قول النابغة:
خيل صيامٌ وخيلٌ غير صائمة (١)
ويقال: بكرة صائمة: إذا قامتْ فلم تَدُر، وقال الراجز:
والبكراتُ شَرُّهن الصائمه (٢)
ومَصَام الشمس: حيث تَستَوى في مُنتصف النهار، وكذلك مَصَام النجم، وروي في شعر امرئ القيس:

كَأنَّ نُجومًا عُلِّقَتْ في مَصَامِها بأَمْراسِ كَتّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ (٣)
هذا هو الأصلُ في اللغة (٤).
وفي الشريعة: هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع مع اقتران النية به (٥).
(١) عجزالبيت:
تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
في ملحق "ديوانه" ص ٢٤٠، "الكامل" للمبرد ٣/ ٨٩، "لسان العرب" ٥/ ٣٠٧٧ (مادة: علك)، ٤/ ٣٥٢٩ (مادة: صوم).
(٢) ذكره في "البحر" ٢/ ٢٦، ولم ينسبه، وذكره في "اللسان" ٢/ ٣٣. وقوله: الصائمة: أي التي لا تدور.
(٣) ينظر: "ديوانه" ص ١٩، "اللسان" ٤/ ٢٥٣٠ (مادة: صوم).
(٤) ينظر في (مادة: صوم): "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٨، "الثعلبي" ٢/ ٢٢٥، "المفردات" ص ٢٩٣، "البحر المحيط" ٢/ ٢٦، "اللسان" ٤/ ٢٥٣٠، "أساس البلاغة" ٢/ ٣٣.
(٥) ينظر في تعريفه: "المغني" ٤/ ٣٢٣ - ٣٢٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩٩ - ١٠٢.

صفحة رقم 555

وإجماعُ المفسرين على أن المراد بهذا الصيام صيام شهر رمضان (١)، وقد كان الفرض في ابتداء الإسلام صومَ يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، فنسخ ذلك بصيام رمضان قبل قتال بدر بشهرين (٢).

(١) حكى الواحدي هذا الإجماع في "الوسيط" ١/ ٢٧٢، ولا يسلم له؛ لورود الخلاف؛ حيث يرى جماعة أن المراد صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيامها وصيام عاشوراء، على خلاف بين القائلين بذلك، وبه قال قتادة وعطاء، وروي عن ابن عباس.
وقد بيَّن الحافظ في "الفتح" ٨/ ١٧٨ أن الناس اختلفوا في التشبيه الذي دلت عليه الكاف، هل هو على الحقيقة، فيكون صيام رمضان قد كتب على الذين من قبلنا؟ أو المراد: مطلق الصيام دون وقته وقدره؟ قولان، والثاني قول الجمهور. وينظر في ذكر الخلاف: "تفسير الطبري" ٢/ ١٣٠، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩٩ - ١٠٢، "النكت والعيون" ١/ ٢٣٠، "الإجماع في التفسير" ص ١٩٩ - ٢٠٠.
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٩ - ١٣٠، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠٤ - ٣٠٥، "الدر المنثور" ١/ ٣٢٢.
قال البغوي ١/ ١٩٦: قيل: كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ثم نسخ بصوم رمضان، ويقال. نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام، قال محمد بن إسحاق: كانت غزوة بدر يوم الجمعة، لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهرًا من الهجرة، ثم ذكر حديث عائشة في الصحيحين، قالت: كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم رسول الله - ﷺ - المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه. البخاري (٢٠٠٢) كتاب الصوم، باب: صوم عاشوراء، ومسلم (١١٢٥) كتاب الصوم، باب: صوم عاشوراء.

صفحة رقم 556

وقوله تعالى: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ قال بعضهم: التشبيه عائد إلى الإيجاب، فنحن متعبدون بالصيام كما تعبد الله من قبلنا من الأمم وأهل الكتابين (١).
وقيل: إن التشبيه يعود إلى وقت الصوم، وقدر الصوم (٢)، وذلك أن الله تعالى فرض صيام رمضان على اليهود والنصارى، فأما اليهود فإنها تركت الشهر وصامت يومًا من السنة تزعم (٣) أنه يوم غَرَق فِرعون، وكذبت في ذلك أيضًا؛ لأن ذلك اليوم يوم عاشوراء على لسان رسول الله - ﷺ -.
فأما النصارى فإنهم حَوَّلوا صيامهم إلى فصل اعتدال الهواء؛ لأنهم ربما صاموه في القيظ، فكان يشتدُّ عليهم، فاستدعوا أحبارهم أن ينقلوا الصوم إلى وقت اعتدال الهواء، ويزيدوا عليه زيادة، ففعلوا، وزادوا عشرة أيام، ثم إن حبرًا لهم اشتكى فمه، فنذر إن (٤) شُفي أن يزيد في صومهم عشرة أيام، فبَرَأ فزاد، فصومهم اليوم خمسون يومًا. وهذا معنى قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١] (٥).

(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٩، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٠١.
(٢) روي عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٩، ١٣٠، "ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠٥، "الثعلبي" ٢/ ٢٣٢، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٠١.
(٣) في (ش): (بزعم).
(٤) في (ش): (لأن).
(٥) رواه الطبري ٢/ ١٢٩ عن السدي، وذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١١٢، والثعلبي ٢/ ٢٣٣، والبغوي ١/ ١٩٥، وعند الثعلبي أن الذي اشتكى ملك وليس حبرًا، وقد روي نحوه مرفوعا إلى النبي - ﷺ -، فقد روى البخاري في "التاريخ الكبير" ٣/ ٢٥٤، والطبراني في "الكبير" ٤/ ٢٢٦، "الأوسط" ٩/ ٩٠، والنحاس=

صفحة رقم 557

وقال الشعبي: إنهم أخذوا بالوثيقة فصاموا قبل الثلاثين يومًا، وبعدهَا يومًا ثم لم يزل الآخر يَسْتَنّ بسُنَّة القرن (١) الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يومًا، ولهذا كره صوم يوم الشك (٢).
قال أبو إسحاق: وموضع ﴿كَمَا﴾ نصب على المصدر، المعنى: فرض عليكم فرضًا كالذي فرض على الذين من قبلكم (٣).
وقال ابن الأنبارى: يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من الصيام، يراد بها: كتب عليكم الصيام مشبهًا ومماثلًا ما كتب على الذين من قبلكم (٤).
وقال أبو علي الفارسي: هو صفة لمصدر محذوف، تقديره: كتابة كما كتب يعني: مثل ما كتب عليهم، فحذف المصدر، وأقيم نعته مقامه، قال: ومثله في الاتساع والحذف قولهم في صريح الطلاق: أنتِ واحدة،

= في "الناسخ والمنسوخ" ١/ ٤٩٢ عن دغفل بن حنظلة، والطبراني في الكبير وقفه عليه، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ١٤٢: رواه الطبراني في "الأوسط" مرفوعا، ورواه الطبراني في الكبير موقوفًا على دغفل، ورجال إسنادهما رجال الصحيح، وقال الدكتور المنيع في تحقيق "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٣٤: الحديث مرسل، دغفل بن حنظلة مخضرم، ولم يصح أن له صحبة.
(١) في (ش): (القران).
(٢) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١١١، ورواه الطبري عنه ٢/ ١٢٩، والثعلبي ٢/ ٢٣٤، وقد ورد النهي عن صيام يوم الشك في أحاديث، منها: حديث أبي هريرة، رواه البخاري (١٩١٤) كتاب الصوم، باب: لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين، ومسلم (١٠٨٢) كتاب الصوم، باب: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين.
(٣) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥١، وليس فيه الجملة الأولى.
(٤) ينظر: "التبيان" ١/ ١٤٨، "المحرر الوجيز" ١/ ٢٥٠.

صفحة رقم 558
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية