آيات من القرآن الكريم

فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ

راجعة إليه. والمعنى: فمن بدله بعد الذي سمعه، أي: من تغليظ الإثم في التبديل، والعادة في الوصايا أن يُذْكَر فيها تغليظٌ على من بدَّلَها، وهذا فيه بعد؛ لأن التغليظَ ذُكِر بعد قوله: ﴿بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾ وهو قوله تعالى: ﴿فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ فيبعد أن تجعل ما بمعنى الذي (١).
وقوله: ﴿فَإِنَّمَا إِثْمُهُ﴾ أي: إثم التبديل على الذين يبدلونه (٢)، أي: على من بدل الوصية، وبرئ الميت (٣).
﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ قد سمع ما قاله الموصي ﴿عَلِيمٌ﴾ بنيته وما أراد، وعليم بما يفعله الوصي (٤). ويحتمل أن يكون المنهي عن التبديل المُوصي، نهي عن تغيير الوصية عن المواضع التي بين الله سبحانه، وأمر أن يوصي على الوجه الذي أمر الله، وعلى هذا قوله: ﴿بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾ أي: عن (٥) الله تعالى (٦).
١٨٢ - قال الكلبي: كان الأولياءُ والأوصياءُ يمضون وصية الميت بعد نزول هذه الآية وإن كانت مستغرقة للمال، فأنزل الله قوله تعالى: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا﴾ (٧) أي: خشي، وقيل: علم.

(١) ينظر في هذه الأقوال: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٢، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠٠، "التبيان" للعكبري ص ١١٤، "التفسير الكبير" ٥/ ٦٤، "البحر المحيط" ٢/ ٢٢.
(٢) من قوله: (فيبعد) ساقط من (ش).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٢، ١٢٣، "الثعلبي" ٢/ ٢٠٨، "البغوي" ١/ ١٩٤.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٣، "الثعلبي" ٢/ ٢٠٨، "البغوي" ١/ ١٩٤.
(٥) في (م): (من).
(٦) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ٦٤.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٢١٧، لكنه قال: ثم نسختها هذه الآية: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا﴾. وذكره البغوي ١/ ١٩٤، وروى عبد الرزاق في "المصنف" ٩/ ٨٩ عن سفيان الثوري نحوه.

صفحة رقم 551

والخوف (١) والخشية يستعملان بمعنى العلم؛ لأن في الخشية والمخافة طرفًا من العلم؛ لأن القائل إذا قال: أخاف أن يقع أمر كذا، كأنه يقول (٢): أعلم، وإنما يخاف لعلمه بوقوعه، فاستعمل الخوف في العلم، قال الله تعالى: ﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٠] أي: علمنا، ومنه ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٥١] وقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا﴾ [البقرة: ٢٢٩] (٣).
وقوله: ﴿جَنَفًا﴾ أي: ميلًا، يقال: جَنِفَ يَجْنَفُ جَنَفًا: إذا مال، وكذلك تجانف، ومنه قوله: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣]، (٤).
قال ابن عباس: يريد: خطأ من غير تعمدٍ (٥).
قال عطاء: هو أن يُعطي عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض (٦).
وقال طاوس: جنفُه: توليجه، وهو أن يوصي لولد ولده، يريدُ ولدَه (٧).
وقوله تعالى: ﴿أَوْ إِثْمًا﴾ أي: قصدًا للميل، قال السُدّي (٨) والربيع (٩)

(١) في (ش): (فالحوف).
(٢) في (م): (قال).
(٣) ينظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٦٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠١، "الثعلبي" ٢/ ٢٠٨، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩٨، "البغوي" ١/ ١٩٤، "التفسير الكبير" ٥/ ٦٦.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٣، "المفردات" ص١٠٨، "التفسير الكبير" ٥/ ٦٥.
(٥) رواه الطبري ٢/ ١٢٤، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠٢، وقال: وروي عن أبي العالية ومجاهد والضحاك والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك.
(٦) رواه عنه الطبري بنحوه ٢/ ١٢٤، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠١.
(٧) رواه عنه الطبري بنحوه ٢/ ١٢٥، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠١.
(٨) رواه عنه الطبري ٢/ ١٢٥.
(٩) رواه عنه الطبري٢/ ١٢٧.

صفحة رقم 552

وعطية (١): الجنف: الخطأ، والإثم: العمد.
فمن قال: (خاف) معناه: خشي قال: تأويل الآية: من حَضَر مَرِيضًا وهو يُوصي، فخاف أن يخطئ في وصيته فيفعل ما ليس له، أو يتعمد جورًا فيها فيأمر بما ليس له، فلا حَرَجَ عليه أن يُصلح بينه وبين ورثته، بأن يأمره بالعدل وهذا قول مجاهد (٢).
ومن قال خاف: معناه علم، قال: الميت إذا أخطأ في وصيته، أو حاف فيها متعمدًا، فلا حَرَجَ على من علم ذلك أن يُغَيِّرَه، ويصلح بعد موتِه بين ورثته وبين المُوصَى لهم، من وليّ أو وصيّ أو والي أمر المسلمين، ويردَّ الوصيَة إلى العدل. وهذا معنى قول ابن عباس (٣) وقتادة (٤) والربيع (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾ يريد: بين الورثة والمختلفين في الوصية، وهم المُوصَى لهم. وسياق الآية وذكر الوصية يدل عليهم، فكنى عنهم (٦).
وقال الكسائي والفراء (٧): قوله: (أصلح) يدل على أن الصلح يكون

(١) رواه عنه الطبري ٢/ ١٢٧.
(٢) "تفسير مجاهد" ١/ ٩٦، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٣، وعزاه في "الدر" ١/ ٣٢٠ إلى عبد بن حميد، وهذا اختيار الطبري.
(٣) رواه عنه الطبري ٢/ ١٢٤، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠٣، وروي عن أبي العالية وطاوس والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس ومقاتل نحو ذلك.
(٤) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٦٩، والطبري ٢/ ١٢٤، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ١٧١.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٢٤، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٣٠٣.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢١٦، "التفسير الكبير" ٥/ ٦٧، "البحر المحيط" ١/ ٢٤.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١١.

صفحة رقم 553
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية