
وابن الماجشون «١». انتهى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٦]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ... الآية.
قال ابن عَبَّاس وغيره: المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمْر محمّد صلّى الله عليه وسلم، والْكِتابِ: التوراة والإِنجيل «٢».
ع «٣» : وهذه الآية وإِن كانَتْ نزلَتْ في الأحبار، فإِنها تتناوَلُ من علماء المسلمين مَنْ كتم الحقَّ مختاراً لذلك بسبب دُنْيَا يصيبُهَا، وفي ذكر البَطْنِ تنبيهٌ على مذمَّتهم بأنهم باعوا آخرتهم بحظِّهم من المطعم الذي لا خَطَرَ له، وعلى هُجْنَتِهمْ «٤» بطاعة بُطُونهم، قال الرَّبِيع وغيره: سمى مأكولهم ناراً لأنه يؤول بهم إِلى النار «٥»، وقيل: يأكلون النار في جَهَنَّمَ حقيقةً.
ت: وينبغي لأهل العلْمِ التنزُّه عن أخْذ شيء من المتعلِّمين على تعليم العلْم، بل يلتمسُونَ الأجر من اللَّه عزَّ وجلَّ «٦»، وقد قال تعالى لنبيِّه- عليه السلام-:
(١) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، كنيته أبو مروان، والماجشون هو أبو سلمة، والماجشون: المورد بالفارسية، سمي بذلك لحمرة في وجهه.
كان عبد الملك فقيها فصيحا، دارت عليه الفتوى في أيامه إلى أن مات، كما دارت على أبيه قبله، فهو فقيه تفقه بأبيه وبمالك، وغيرهما، وتفقه به خلق كأحمد بن المعذل، وابن حبيب، توفي عبد الملك سنة اثنتي عشرة، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: أربع عشرة ومائتين هجرية.
ينظر: «الديباج المذهب» (٢/ ٦)، و «ترتيب المدارك» (٢/ ٣٦٠)، و «وفيات الأعيان» (٢/ ٣٤٠)، و «شجرة النور الزكية» (١/ ٥٦).
(٢) أخرجه الطبري (٢/ ٩٤) برقم (٢٥٠٢- ٢٥٠٣- ٢٥٠٤) عن قتادة، والربيع، والسدي. وذكره ابن عطية في التفسير (١/ ٢٤١).
(٣) «المحرر الوجيز» (١/ ٢٤١).
(٤) الهجنة من الكلام: ما يعيبك، وتقول: لا تفعل كذا فيكون عليك هجنة. ينظر: «لسان العرب» (٤٦٢٥- ٤٦٢٦).
(٥) ينظر: «المحرر» (١/ ٢٤١).
(٦) «تفسير الطبري» (٣/ ٣٣٠).

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً... [الأنعام: ٩٠] الآية، وفي سنن أبي دَاوُدَ، عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «١»، قال: «عَلَّمْتُ نَاساً مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الكِتَابَ، وَالقُرْآنَ، وأهدى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْساً، فَقُلْتُ:
لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لآتِيَنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلم، فَلأسْأَلَنَّهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ أهدى إِلَيَّ قَوْساً مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقاً مِنْ نَارٍ، فاقبلها»، وَفِي روايةٍ: «فَقُلْتُ مَا ترى فِيهَا، يَا رَسُولَ اللَّهُ؟ قَالَ: جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا أَوْ تَعَلَّقْتَهَا» «٢».
انتهى.
وقوله تعالى: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ: قيل: هي عبارةٌ عن الغضب عليهم، وإِزالة الرضَا عنهم إِذ في غير موضعٍ من القُرآن ما ظاهره أن اللَّه تعالى يكلِّم الكافرين، وقال الطبريُّ وغيره: المعنى: لا يكلِّمهم بما يحبُّونَهُ.
وَلا يُزَكِّيهِمْ، أي: لا يطهِّرهم من موجباتِ العذابِ، وقيل: المعنى: لا يسمِّيهم أزكياء.
وقوله تعالى: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ: قال جمهور المفسِّرين: «ما» تعجُّب، وهو في حيِّز المخاطبين، أي: هم أهلٌ أن تَعْجَبُوا منْهم، وممَّا يطول مُكْثُهم في النَّار، وفي التنزيل: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ [عبس: ١٧] وأَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ [مريم: ٣٨].
من مناقبه: نزل فيه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ [سورة المائدة:
الآية ٥١] لما تبرأ من حلفه مع بني قينقاع لما خانوا المسلمين في غزوة الخندق.
توفي سنة ٣٤ بالرملة. وقيل: ببيت المقدس. وقيل: عاش إلى سنة «٤٥».
ينظر ترجمته في: «الثقات» (٣/ ٣٠٢)، «أسد الغابة» (٣/ ١٦٠)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٣٩٤)، «أصحاب بدر» (١٨٤)، «الإصابة» (٤/ ٢٧)، «الطبقات» (٩٩، ٣٠٢)، «المصباح المضيء» (١/ ٨٥)، «الجرح والتعديل» (٦/ ٩٥)، «تقريب التهذيب» (١/ ٣٩٥)، «الاستيعاب» (٢/ ٨٠٧)، «تهذيب التهذيب» (٥/ ١١١)، «التاريخ الصغير» (١/ ٤١، ٤٢، ٦٥، ٦٦)، «التاريخ الكبير» (٦/ ٩٢)، «الوافي بالوفيات» (١٦/ ٦١٨)، «الطبقات الكبرى» (٩/ ١٠٧)، «تهذيب الكمال» (٢/ ٦٥٥)، «طبقات الحفاظ» (٤٥)، «الأعلام» (٣/ ٢٥٨)، «الرياض المستطاب» (٢٠٧).
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٢٨٥) كتاب «الإجارة»، باب في كسب المعلم، حديث (٣٤١٦)، وابن ماجة (٢/ ٧٢٩- ٧٣٠) كتاب «التجارات»، باب الأجر على تعليم القرآن، حديث (٢١٥٧)، وأحمد (٥/ ٣١٥)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (١٨٣) من طريق المغيرة بن زياد الموصلي عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت به.