
يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٥٤)}.
[١٥٤] ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ﴾ يا معشرَ المسلمينَ.
﴿مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً﴾ أي: أَمْنًا ﴿نُعَاسًا يَغْشَى﴾ أي: النعاسُ.
﴿طَائِفَةً مِنْكُمْ﴾ وهم المؤمنون. قرأ حمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ (تُغَشِّي) بالتاء رَدًّا إلى الـ (أَمَنَةِ)، والباقون: بالياء ردًّا إلى (النعاس) (١).
قال ابن عباسٍ: "أَمَّنَهُمْ يومئذٍ بنعاسٍ يغشاهُمِ، إِنَّما ينعسُ مَنْ يأمنُ" (٢) والخائفُ لا ينامُ، فأرادَ الله تمييزَ المؤمنين من المنافقين، فأوقعَ النعاسَ على المؤمنينَ حتى أَمِنوا، ولم يوقعْ على المنافقين، فَبَقُوا في الخوف.
﴿وَطَائِفَةٌ﴾ مبتدأٌ، خبرُه:
﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ وهم المنافقون، لم يكن لهم هَمٌّ بأُحُدٍ سوى أنفسِهم دونَ النبيِّ - ﷺ - وأصحابِه.
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ﴾ الظَّنِّ.
(٢) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (٤/ ١٤٠).

﴿الْحَقِّ ظَنَّ﴾ أي: ظنًّا مثلَ ظَنِّ ﴿الْجَاهِلِيَّةِ﴾ والذي ظنوه أن محمدًا قُتل، أو أن اللهَ لا ينصرُه.
﴿يَقُولُونَ﴾ للنبيِّ - ﷺ -.
﴿هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ﴾ أي: من أمرِ النصرةِ.
﴿مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ قرأ أبو عمرٍو، ويعقوبُ: (كُلُّهُ) برفع اللام على الابتداءُ وخبرُه في (لله)، والباقون: بالنصب على البدل (١).
﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾ وذلك أن المنافقين قالوا بينهم مسارِّين: لو كان لنا عقولٌ وتُرِكْنا، ما خرجْنا مع محمدٍ، ولا قُتل رؤساؤنا، فقال تعالى لنبيه - ﷺ - تكذيبًا لهم:
﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ مصارِعِهم. المعنى: لو قعدتُم في بيوتكم، وفيكُم من علمَ الله أنه يُقتل، لخرجَ الشخصُ المعلوم إلى مصرعِه فَقُتل؛ لأن معلومَ الله كائنٌ حتمًا.
﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ﴾ أي: ليختبرَ.
﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ﴾ يُخْرِجَ ويُظْهِرَ.
﴿مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بما في القلوب من خيرٍ وشرٍّ، وقد اجتمع حروف المعجم كلها التسعةُ والعشرون في هذه الآية من