آيات من القرآن الكريم

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭ

بتوحيدي، وتصديقه ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ برحمتي ومغفرتي والثناء عليكم (١).
قال ابن عباس: قوله: ﴿وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ﴾ قال: هذا كله للمهاجرين والأنصار، فأوّل الآية الخطابُ عامٌّ؛ لأن الإرسال عام، وباقي الآية خاص؛ لأن تلاوته وتعليمه وتزكيته مما خص الله به أقوامًا دون (٢).
ومعنى قوله: ﴿وَيُزَكِّيكُمْ﴾ أي: يعرضكم لما تكونون به أزكياء، من الأمر بطاعة الله، واتباع مرضاته (٣)، ويحتمل أن يكون المعنى: ينسبكم إلى أنكم أزكياء بشهادته لكم؛ ليعرفكم الناس به، وقد ذكرنا معنى التزكية فيما تقدم (٤).
١٥٢ - قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ أصل الذكر في اللغة: التنبيه على الشيء، ومن ذكّرك شيئا فقد نبهك عليه، وإذا ذكرته فقد تنبهت عليه، والذَّكرُ أَنْبَهُ من الأنثى. وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] أي: شرف لك، من النباهة. ومعنى الذكر: حضور المعنى للنفس، ثم يكون تارة بالقلب، وتارة بالقول، وليس موجبه أن يكون بعد النسيان؛ لأنه يستعمل كثيرًا دون أن يتقدمه نسيان (٥).

(١) من كلام الزجاج ١/ ٢٢٨، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٧، والثعلبي ١/ ١٢٦٢ - ١٢٦٥، والبغوي ١/ ١٦٧.
(٢) سقط في نسختي: (أ)، (م). وأما في (ش) فبياض بمقدار كلمة ولعلها (أقوام).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٦ - ٣٧.
(٤) ينظر ما تقدم في قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٩].
(٥) ينظر في الذكر: "البحر المحيط" ١/ ٤٤٥ - ٤٤٦، "لسان العرب" ٣/ ١٥٠٧ - ١٥٠٩ (ذكر)، وقال الراغب في "المفردات" ص ١٨٤: الذكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان، ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقال له ذكر.

صفحة رقم 419

قال سعيد بن جُبير: (اذكروني) بطا عتي ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ بمغفرتي (١). وقيل: اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَاشْكُرُوا لِي﴾ تقول العرب: شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له، في أحرف تسمع ولا تقاس. فمن قال: شكرتك، أوقع اسم المنعم موقع النعمة، فعدّى الفعل بغير وسيطة، والأجود: شكرت لك؛ لأنه الأصل في الكلام، والأكثر في الاستعمال (٣). والنعمة محذوفة من الآية؛ لأن معنى الكلام: واشكروا لي نعمتي؛ لأن حقيقة الشكر إنما هو إظهار النعمة، لا إظهار المنعم. وكذلك ﴿وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ أي: لا تكفروا نعمتي (٤)؛ لأن أصل الكفر إنما هو ستر النعمة (٥) لا ستر

(١) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧، وأبو نعيم في "الحلية" ٤/ ٣١٤، وذكره الثعلبي ١/ ١٢٦٣، وعزاه في "الدر" ١/ ٢٧٣ إلى عبد بن حميد، وأخرجه أبو الشيخ والديلمي من طريق جويبر عن ابن عباس مرفوعًا.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٦٧.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٧ - ٣٨، "المفردات" ص ٢٦٨، "لسان العرب" ٤/ ٢٣٠٥ (شكر)، قال: يقال: شكرته، وشكرت له، وباللام أفصح، وقال الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٩٢: العرب لا تكاد تقول شكرتك، إنما تقول: شكرت لك، ونصحت لك، ولا يقولون: نصحتك، وربما قيلتا. وقال في "البحر المحيط" ١/ ٤٤٧: وهو من الأفعال التي ذكر أنها تارة تتعدى بحرف الجر، وتارة تتعدى بنفسها وقالوا: إذا قلت شكرت لزيد، فالتقدير: شكرت لزيد صنيعه، فجعلوه مما يتعدى لواحد بحرف جر ولآخر بنفسه، ولذلك فسر الزمخشري هذا الموضع بقوله. واشكروا لي ما أنعمت به عليكم.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٦٩، "البحر المحيط" ١/ ٤٤٧.
(٥) ينظر في الكفر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٧ - ٣٨، وقال في "المفردات" ص ٤٣٥: وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالاً، والكفر في الدين أكثر، والكفور فيهما جميعًا.

صفحة رقم 420

المنعم. والأصل: لا تكفروني (١) بالياء، إلا أن أكثر ما جاء في القرآن حذف الياءات مع النون (٢) (٣)، وقد حذفت مع غير النون، كقوله: ﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ﴾ (٤) [ق: ٤١].
قال الفراء: وليست تتهيّب العرب حذف الياء من آخر الكلام (٥)، إذا كان ما قبلها مكسورًا، من ذلك ﴿أَكْرَمَنِ﴾ ﴿أَهَانَنِ﴾ [الفجر: ١٥ - ١٦] و ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ [النمل: ٣٦]، ومن غير النون ﴿الْمُنَادِ﴾ [ق: ٤١] و ﴿الدَّاعِ﴾ [القمر: ٨]، (٦) يكتفي من الياء بكسر ما قبلها، ومن الواو بضمة ما قبلها، مثل: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)﴾ [العلق: ١٨]، و ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (١١)﴾ [الإسراء: ١١]. وقد تُسقط العرب الواو، وهي واو جِمَاع (٧)، اكتفاءً بالضمة قبلها، فيقال في ﴿ضَرَبُوا﴾: ضَرَبُ، وفي ﴿قالوا﴾: قالُ، وهي في هوازن وعُليا قيس. قال بعضهم:

إذا ما شاءُ ضرّوا من أرادوا ولا يألوهم أحدٌ ضرارا (٨) (٩)
(١) في (ش)، (م): (لا تكفرون).
(٢) (النون) سقطت من (م).
(٣) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ١٨٦، "المقتضب" ٤/ ٢٤٦.
(٤) في (م): (ينادى المنادي).
(٥) في (م): (النون).
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٨، وقال فيه: الأكثر الذي أتى به القراء حذف الياءات مع النون.
(٧) في (ش): (اجماع).
(٨) (ما) ساقطة من (أ)، (م). وفيهما: "ضرار". وفي (م)، (ش): (ضربوا)، وهو تحريف.
(٩) البيت بلا نسبة في "الإنصاف" ص ٤٣٠، "همع الهوامع" ١/ ٥٨، وأورده البغدادي في "شرح شواهد المغني" ٢/ ٨٥٩، وقال: هذا البيت مشهور في تصانيف =

صفحة رقم 421
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية