
{قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك
صفحة رقم 201
شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون} قوله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَآءِ﴾ هذه الآية متقدمة في النزول على قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِن النَّاسِ﴾. وفي قوله: ﴿تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ﴾ تأويلان: أحدهما: معناه: تحول وجهك نحو السماء، وهذا قول الطبري. والثاني: معناه: تقلب عينيك في النظر إلى السماء، وهذا قول الزجاج. ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلةً تَرضاها﴾ يعني الكعبة كان رسول الله ﷺ يرضاها ويختارها ويسأل [ربه] أن يُحوَّل إليها. واختُلِفَ في سبب اختياره لذلك على قولين: أحدهما: مخالفة اليهود وكراهة لموافقتهم، لأنهم قالوا: تتبع قبلتنا وتخالفنا في ديننا؟ وبه قال مجاهد، وابن زيد. والثاني: أنه اختارها، لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم، وبه قال ابن عباس. فإن قيل: أكان رسول الله ﷺ غير راض ببيت المقدس أن يكون له قبلة، حتى قال تعالى له في الكعبة ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكْ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾؟ قيل: لا يجوز أن يكون رسول الله غير راض ببيت المقدس، لَمَّا أمره الله تعالى به، لأن الأنبياء يجب عليهم الرضا بأوامر الله تعالى، لكن معنى ترضاها: أي تحبها وتهواها، وإنما أحبها مع ما ذكرنا من القولين الأولين، لما فيها من تآلف قومه وإسراعهم إلى إجابته، ويحتمل أن يكون قوله: ﴿تَرْضَاهَا﴾ محمولاً على الحقيقة بمعنى: ترضى ما يحدث عنها من التأليف، وسرعة الإجابة، ثم قال تعالى مجيباً لرغبته وآمراً بطَلِبَتِه: ﴿فَولِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أي حَوِّلْ وجهك في الصلاة، شطر المسجد الحرام أي: نحو المسجد الحرام، كما قال الهذلي:
صفحة رقم 202
(إنَّ العسير بها دَاءٌ يُخَامِرُها | فشطرُهَا نظَرُ العَيْنَيْنِ مَحْسُورُ) |