آيات من القرآن الكريم

قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ

حضر ومن مات، لأن الحاضر يغلب، كما تقول العرب: ألم نقتلكم في موطن كذا؟، ومن خوطب لم يقتل ولكنه غلب لحضوره، وقرأ الضحاك لِيُضِيعَ بفتح الضاد وشد الياء، وقال ابن عباس والبراء بن عازب وقتادة والسدي والربيع وغيرهم: الإيمان هنا الصلاة. وسمى الصلاة إيمانا لما كانت صادرة عن الإيمان والتصديق في وقت بيت المقدس وفي وقت التحويل، ولما كان الإيمان قطبا عليه تدور الأعمال وكان ثابتا في حال التوجه هنا وهنا ذكره، إذ هو الأصل الذي به يرجع في الصلاة وغيرها إلى الأمر والنهي، ولئلا تندرج في اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس فذكر المعنى الذي هو ملاك الأمر، وأيضا فسميت إيمانا إذ هي من شعب الإيمان، والرأفة أعلى منازل الرحمة، وقرأ قوم لَرَؤُفٌ على وزن فعل، ومنه قول الوليد بن عقبة: [الطالبان] :[الوافر]

وشرّ الطالبين فلا تكنه بقاتل عمّه الرّؤوف الرحيم
تقول العرب: رؤف ورؤوف ورئف كحذر ورأف وقرأ أبو جعفر ابن القعقاع لرووف بغير همز، وكذلك سهل كل همزة في كتاب الله تعالى ساكنة كانت أو متحركة.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٥]
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥)
المقصد تقلب البصر، وذكر الوجه لأنه أعم وأشرف، وهو المستعمل في طلب الرغائب، تقول:
بذلت وجهي في كذا، وفعلت لوجه فلان، ومنه قول الشاعر: [الطويل] رجعت بما أبغي ووجهي بمائه وأيضا فالوجه يتقلب بتقلب البصر، وقال قتادة والسدي وغيرهما: كان رسول الله ﷺ يقلب وجهه في الدعاء إلى الله تعالى أن يحوله إلى قبلة مكة، وقيل كان يقلب ليؤذن له في الدعاء، ومعنى التقلب نحو السماء أن السماء جهة قد تعود العالم منها الرحمة كالمطر والأنوار والوحي فهم يجعلون رغبتهم حيث توالت النعم، وتَرْضاها معناه تحبها وتقر بها عينك.
وكان رسول الله ﷺ يحب الكعبة والتحول عن بيت المقدس لوجوه ثلاثة رويت، فقال مجاهد: لقول اليهود ما علم محمد دينه حتى اتبعنا، وقال ابن عباس: وليصيب قبلة إبراهيم عليه السلام، وقال الربيع والسدي: وليستألف العرب لمحبتها في الكعبة، وقال عبد الله بن عمر: إنما وجه

صفحة رقم 221

رسول الله ﷺ وأمته حيال ميزاب الكعبة، وقال ابن عباس وغيره: بل وجه إلى البيت كله.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: والميزاب هو قبلة المدينة والشام، وهنالك قبلة أهل الأندلس بلا ريب، ولا خلاف أن الكعبة قبلة من كل أفق، وقوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الآية، أمر بالتحول ونسخ لقبلة الشام، وقيل: نزل ذلك على النبي ﷺ وهو في صلاة الظهر بعد ركعتين منها فتحول في الصلاة، وذكر أبو الفرج أن عباد بن نهيك كان مع رسول الله ﷺ في هذه الصلاة، وقيل: إنما نزلت هذه الآية في غير صلاة وكانت أول صلاة إلى الكعبة العصر، وشَطْرَ نصب على الظرف ويشبه المفعول به لوقوع الفعل عليه ومعناه نحو وتلقاء، قال ابن أحمر: [البسيط]

تعدو بنا شطر نجد وهي عاقدة قد كارب العقد من إيفادها الحقبا
وقال غيره: [الوافر]
أقول لأمّ زنباع أقيمي صدور العيس شطر بني تميم
وقال لقيط: [البسيط]
وقد أظلّكم من شطر ثغركم هول له ظلم تغشاكم قطعا
وقال غيره [خفاف بن عمير] :[الوافر]
ألا من مبلغ عمرا رسولا وما تغني الرّسالة شطر عمرو
وحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا أمر للأمة ناسخ، وقال داود بن أبي هند: إن في حرف ابن مسعود: فول وجهك تلقاء المسجد الحرام، وقال محمد بن طلحة: إن فيه: فولوا وجوهكم قبله، وقرأ ابن أبي عبلة:
«فولوا وجوهكم تلقاءه»، والَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ: اليهود والنصارى، وقال السدي: المراد اليهود.
قال القاضي أبو محمد: والأول أظهر، والمعنى أن اليهود والنصارى يعلمون أن الكعبة هي قبلة إبراهيم إمام الأمم، وأن استقبالها هو الحق الواجب على الجميع اتباعا لمحمد ﷺ الذي يجدونه في كتبهم، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «عما تعملون» بتاء على المخاطبة، فإما على إرادة أهل الكتاب أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الوجهين فهو إعلام بأن الله تعالى لا يهمل العباد ولا يغفل عنها، وضمنه الوعيد، وقرأ الباقون بالياء من تحت.
وقوله تعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الآية، أعلم الله تعالى نبيه حين قالت له اليهود: راجع بيت المقدس ونؤمن بك مخادعة منهم أنهم لا يتبعون له قبلة، يعني جملتهم لأن البعض قد اتبع كعبد الله بن سلام وغيره وأنهم لا يدينون بدينه، أي فلا تصغ إليهم، والآية هنا: العلامة، وجاء جواب لَئِنْ كجواب «لو» وهي ضدها في أن «لو» تطلب المضي والوقوع و «إن» تطلب الاستقبال لأنهما جميعا يترتب قبلهما معنى القسم، فالجواب إنما هو للقسم، لا أن أحد الحرفين يقع موقع الآخر، هذا قول سيبويه.

صفحة رقم 222
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية