آيات من القرآن الكريم

۞ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

أي: إبراهيم ومن ذكر معه من الأنبياء صلوات الله عليهم أمة قد مضت بعملها. لها ما عملت، ولكم ما عملتم.
﴿وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾: أي: لا يسأل أحد عن ذنب أحد.
قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس﴾ إلى قوله: ﴿لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
أي: سيقول الجهّال / من الناس وهم اليهود والمنافقون: ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، أي: ما حملهم على [ترك التوجه إلى بيت المقدس وما صرفهم] عن ذلك، وذلك حين ترك النبي عليه السلام التوجه نحو بيت المقدس وتوجه إلى الكعبة.
وقيل: هم كفار أهل مكة أعلم الله تعالى نبيه ﷺ ما هم قائلون عند تحويل القبلة إلى الكعبة، وأعلمه ما يقول لهم وما يجاوبهم به، فقال: قل يا محمد [إذا قالوا ذلك]: ﴿للَّهِ المشرق والمغرب يَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، وذلك أن النبي ﷺ صلّى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهراً، وكان يتمنى أن يصرف إلى الكعبة ثم أراد الله

صفحة رقم 474

جل ذكره صرف قبلته إلى نحو المسجد الحرام فأخبره عما سيقول المنافقون واليهود وأخبره [ما الذي] ينبغي أن يرد عليهم من الجواب. فلما رده الله تعالى إليها، أتاه نفر من اليهود فقالوا: " يا محمد، ما ولاّك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك / على ملّة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك ونصدقك " يريدون فتنته عن دينه.
وقيل: إنه صلّى إلى بيت / المقدس ستة عشر شهراً، ثم صرف إلى الكعبة قبل بدر بشهرين. قاله ابن المسيب.
وكان أول صلاة صرف فيها إلى الكعبة العصر، فلما صلاها إلى الكعبة خرج من عنده رجل، فمرّ بقوم يصلون فقال: أشهد، لقد صليت مع رسول الله ﷺ قِِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت.
وروى أنس بن مالك " أن النبي [عليه السلام] صلّى نحو بيت المقدس تسعة أشهر وعشرة أيام بعد هجرته. قال: فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى

صفحة رقم 475

ركعتين نحو بيت المقدس، اُنصرف بوجهه إلى الكعبة فقال السفهاء: ﴿مَا ولاهم عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾.
وقال معاذ بن جبل: " صلّى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهراً ".
وروي / عن الحسن وعكرمة أنهما قالا: " صلّى النبي ﷺ بعد هجرته نحو بيت المقدس اختياراً منه من غير أن يفرض ذلك عليه طمعاً من أن يستميل اليهود إذ هي قبلتهم، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَللَّهِ المشرق والمغرب فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله﴾ [البقرة: ١١٥].
وقال أبو العالية: " ان [نبي الله عليه السلام] خُيِّر أن يُوجِّه وجهه حيث يشاء، فاختار بيت المقدس لكي يتألف أهل الكتابيين [وهو في ذلك يقلب وجهه في السماء، ثم وجّهه الله تعالى إلى البيت] الحرام ".
وروي أنه صرف في رجب بعد مقدمه المدينة لسبعة عشر شهراً وكان بمكة والمدينة يصلي نحو بيت المقدس.
فلما رجع سأله اليهود أن يرجع إلى قبلتهم يريدون فتنته، وقال كفار مكة: قد برد / أمر محمد وهو راجع إلى دينكم عاجلاً. فأنزل الله في

صفحة رقم 476

الجميع: ﴿سَيَقُولُ السفهآء﴾، الآيات إلى قوله: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. وروي " أن الأنصار صلّت قبل قدوم النبي عليه السلام إلى المدينة نحو بيت المقدس حولين. فلما قدم النبي ﷺ المدينة صلّى معهم نحو بيت المقدس بضعة عشر شهراً، ثم نقله الله تعالى إلى الكعبة.
وقال ابن عباس: " لما هاجر [النبي عليه السلام إلى المدينة وكان أكثر أهلها] اليهود، أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها بضعة عشر شهراً. وكان ﷺ يحب قبلة إبراهيم ﷺ، وكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله جلّ ذكره: ﴿قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء﴾ الآية. ورجع النبي ﷺ يصلي إلى الكعبة فارتاب [من ذلك اليهود]. وقالوا: ﴿مَا ولاهم عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾، فأنزل الله تعالى: ﴿ قُل للَّهِ المشرق والمغرب يَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ الآية.
وقال ابن جريج: / كان النبي عليه السلام يصلي إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس، وصلّت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه المدينة بثلاث سنين، وصلّى

صفحة رقم 477

بعد قدومه ستة عشر شهراً، ثم صرف إلى الكعبة.
ثم قال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾. أي: عدلاً.
أي: كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد ﷺ وبما جاءكم به من الحق وفضلناكم بذلك، كذلك خصصناكم فجعلناكم أمة عدلاً خياراً. والأمة القرن من الناس.
﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس﴾.
أي: تشهدون / للأنبياء الذين أخبر الله بخبرهم محمداً ﷺ. فهو عام معناه الخصوص، إذ لم يطلع الله تعالى نبيه ﷺ على [جميع النبيين وأخبارهم] بدلالة قوله: ﴿مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر: ٧٨] فإنما تشهد أمة محمد ﷺ على الأمم الذين أخبر الله نبيه بهم وبكفرهم وجحودهم دون من لم يطلع الله نبيه على خبرهم من أمم الأنبياء صلوات الله عليهم الذين لم يطلع الله نبيه عنهم، ولا أخبره

صفحة رقم 478

بهم. فأمة محمد ﷺ تشهد للأنبياء الذين أخبر الله بهم النبي ﷺ على أممها أنها قد بلَّغت ما أرسلت به إلى الأمم.
﴿وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.
بإيمانكم وبما جاءكم به من عند الله.
وقيل: " عليكم " بمعنى " لكم " مثل قوله: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب﴾ [المائدة: ٣] أي: للنصب.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال:
" يُدْعَى بِنُوحٍ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لِقَوْمِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيُقالُ لَهُ: مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ؟ فَيَقولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس﴾ ".
وفي حديث آخر رواه أبو هريرة: " فَيَقولُ قَوْمُ نُوحٍ ﷺ: كَيْفَ يَشْهَدُونَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَوَّلُ الأُمَمِ وَهُمْ آخِرُ الأُمَمِ؟ فَيَقولونَ: نَشْهَدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولاً وَأَنْزَلَ عَلَينَا كِتَاباً وَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْنَا خَبَرَكُمْ ".

صفحة رقم 479

وهذا المعنى: أيضاً / مروي عن زيد بن أسلم.
وروي أن أمة محمد [عليه السلام] تقول لهم: " كان فيما أنزل علينا: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ / المرسلين﴾ [الشعراء: ١٠٥] إلى قوله: ﴿العالمين﴾ [الشعراء: ١٠٩]، فكذلك نشهد أنكم كذبتم الرسل. فتشهد للرسل أمة محمد ﷺ بالتبليغ.
وروي عن النبي [عليه السلام] أنه قال: " إِذَا جَمَعَ اللهُ عِبَادَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، كَانَ أَوّلُ مَنْ يُدْعَى إسْرَافِيلُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا فَعَلْتَ فِي عَهْدِي؟، هَلْ بَلَّغْتَ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبّ، قَدْ بَلَّغْتُ جِبْرِيلُ، فَيُدْعَى / جِبْريلُ فَيَقُولُ: قَدْ بَلَّغْتُ الرَّسُلَ. فَتُدْعَى الرُّسلُ، فَيَقُولونَ: قَدْ بَلَّغْنَا الأُمَمَ، فَتُدْعَى الأُمَمْ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُكَذِّبُ الرُّسُلَ، فَيَشْهَدُ لِلّرُّسُلِ أمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ / بِالتَّبْلِيغ ".
وروى أشهب عن مالك أنه قال: " ينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله تعالى. فإن عُصِيَ كان شهيداً على من عصاه ".
قال الله تعالى: ﴿ لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.
وروى أبو عامر " أن أول مَنْ يسأل يوم القيامة من الرسل عن البلاغ

صفحة رقم 480

نوح ﷺ، فيقال له: هل بلغت قومك الرسالة؟ فيقول: نعم. فيقال لقومه: هل بلّغكم نوح الرسالة؟ فيجحدون؛ فيقولون: لم يبلغنا الرسالة. فيتنحى نوح من بين يدي الله تعالى. فيكون بفناء العرش كئيباً حزيناً، وأمة محمد ﷺ غرّ محجلون من أثر الوضوء، فيأتون نوحاً عليه السلام فيقولون: ما لك يا شيخ، من أنت؟ فيقول: أنا نوح. فيقولون: ما لَكَ كئيباً حزيناً؟ فيقول: كذبني قومي، فيقولون له: ارجع إلى ربك فنحن نشهد لك بأنك قد بلّغت الرسالة، فيقول لهم: ومن أنتم؟ فيقولون: نحن أمة محمد ﷺ. فيقول: كيف تشهدون لي وأنتم آخر الأمم؟ فيقولون: إن نبيّنا أتانا بذلك فيقرأون عليه: ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ﴾ [نوح: ١] إلى آخرها، فيرجع نوح إلى الله، فيقول: رب، إن أمة محمد يشهدون لي بالبلاغ. ثم يسأل نبياً نبياً فتجحده أمته فتشهد له أمة محمد ﷺ بالبلاغ، فماذا سئل محمد عن البلاغ شهدوا بأن محمداً قد بلّغ الرسالة ".
ثم قال: ﴿وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ﴾.

صفحة رقم 481

قال ابن عباس: " إلا ليتميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة ". والتقدير: وما جعلنا صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة إلاّ لنعلم علم عيان تجب عليه المجازاة، من يتّبع الرسول على قبلته ممن يرجع عن إيمانه فيخالف الرسول.
وقيل: المعنى: إلا لنُعْلِم / رسولي وأوليائي ذلك.
ومن شأن العرب إضافة ما فعله أتباع الرئيس وحزبه إليه، يقولون: " جبى الأمير الخراج وهزم العدو، وإنما فعله حزبه وأنصاره.
ومثله في المعنى قول النبي ﷺ عن الله تعالى: " مَرِضْتُ فَلَمْ يَعُدْنِي عَبْدِي، وَاسْتَقْرَضْتُهُ فَلَمْ يُقْرِضْنِي " يريد به عباده.
وقيل: " علم " هنا بمعنى " رأى "، فالمعنى: إلا لنرى من يتبع.
وقيل: إنهم خوطبوا على ما كانوا يسرون؛ كان اليهود والمنافقون والكفار ينكرون أن يعلم الله تعالى الشيء قبل كونه، فيكون المعنى /: إلا لنبين لكم أنّا نعلم

صفحة رقم 482

الأشياء قبل كونها.
وقيل: إنما قال: " لنعلم " على طريق الرفق بعباده، واستمالتهم إلى الطاعة كما قال: ﴿وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى﴾ [سبأ: ٢٤]. وقد علم أن محمداً ﷺ على هدى /، وأن الكفار على ضلال.
فالمعنى: إلا لتعلموا أنتم إذ أنتم جهال به، فأضاف الفعل إلى نفسه، والمراد خلافه رفقاً به.
وقال الضحاك: " قالت اليهود للنبي [عليه السلام]: إن كنت نبياً كما تزعم، فإن الأنبياء والرسل كانت قبلتهم نحو بيت المقدس، فإن صلّيت إلى بيت المقدس، اتبعناك، فابتلاهم الله بذلك. وأمره أن يصلي إلى بيت المقدس فصلى إليه سبعة عشر شهراً، فلم يتّبعوه، ثم صرفه الله تعالى إلى البيت الحرام فذلك قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ﴾ يعني بيت المقدس. ﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول﴾: إلى أي ناحية شاء. ﴿مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ﴾: أي: لنعلم من يؤمن بالرسول من اليهود ومن لا يؤمن.
وقيل: المعنى: وما جعلنا القبلة التي أنت عليها الآن، وهي الكعبة، إلا لنعلم من يتبع الرسول عليها. فكُنْتَ " بمعنى " أنت "، مثل ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ [آل عمران: ١١٠] أي: أنتم خير

صفحة رقم 483

أمة. فروي أنه لما استقبل الكعبة أظهر المنافقون نفاقهم [و] قالوا: ما بال محمد يحوّلنا مرة إلى ها هنا ومرة إلى ها هنا، وقال المسلمون في أنفسهم وفيمن مضى من إخوانهم المسلمين: بَطَل أعمالنا وأعمالهم، / فأنزل الله تعالى ذكره: ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أي: صلاتكم نحو بيت المقدس. وقالت اليهود: ﴿مَا ولاهم عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾، وكذلك قال المنافقون، فأنزل الله تعالى، ﴿ قُل للَّهِ المشرق والمغرب﴾ الآية.
وقيل: إن اليهود قالت للنبي [عليه السلام: إن كنت في القبلة] على هدى، فقد حوّلت عنه، وإن كنت على ضلالة، فقد مات أصحابك على ذلك.
فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أي: صلاة من مات منكم وهو يصلي إلى بيت المقدس. وقال المشركون من أهل مكة؛ تحيّر محمد في دينه. فكان ذلك فتنة للناس واختباراً وتمحيصاً للمؤمنين.
قال قتادة: " صلّت الأنصار حولين نحو بيت المقدس قبل هجرة النبي عليه السلام، ثم هاجر النبي ﷺ فصلّى نحوها ستة عشر شهراً. ثم وجّهه الله / نحو الكعبة، فقال قائلون من الناس: ﴿مَا ولاهم عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾، وقالوا: لقد اشتاق الرجل إلى

صفحة رقم 484

مولده. فابتلى الله تعالى عباده بما شاء من أمره فأنزل الله تعالى في اليهود والمنافقين /: ﴿سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس مَا ولاهم عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾ إلى قوله: ﴿مُّسْتَقِيمٍ﴾، وأنزل في المؤمنين: ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ إلى ﴿رَّحِيمٌ﴾.
قال ابن جريج: " بلغني أن ناساً ممن أسلم رجعوا عن الإسلام حين استقبل النبي الكعبة، وقالوا مرة ها هنا ومرة ها هنا. فأظهر الله لخلقه من يرتد فينافق ويخالف الرسول في القبلة ممن اتبعه وآمن بما جاء به "
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الذين هَدَى الله﴾ أي وإن كانت التولية لكبيرة.
وقيل: المعنى: وإن كانت القبلة لكبيرة: وإن كانت التحويلة لكبيرة.
وقيل: المعنى: وإن كانت الصلاة إلى بيت المقدس لكبيرة، أي: لعظيمة في صدور الناس حين قالوا: ما لهم صلّوا إلى هاهنا ستة عشر / شهراً ثم انحرفوا،

صفحة رقم 485

فعظم على قوم ذلك حتى نافقوا وارتدوا وحتى أظهر أهل النفاق نفاقهم.
وقوله: ﴿إِلاَّ عَلَى الذين هَدَى الله﴾.
أي الذين وفق الله إلى الحق، فإنهم ثبتوا على إيمانهم، وقبلوا ما جاءهم به الرسول ﷺ.
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾.
قال ابن عباس: " لما توجّه النبي ﷺ إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وهم يصلون نحو بيت المقدس؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾. وهذا معنى قول قتادة وغيره.
وإنما أتى الجواب على الخطاب لهم دون الأموات، لأن الأموات غُيَّبٌ والسائلون عن ذلك مخاطبون. والعرب تغلب المخاطب على الغائب، فلذلك قال: ﴿لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾. ولم يقل إيمانهم.
وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أنه قال في قول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾: " هي الصلاة إلى بيت المقدس قبل أن تصرف القبلة إلى

صفحة رقم 486

الكعبة ".
ثم قال: ﴿إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
أي: إن الله بجميع عباده لذو رأفة ورحمة، فكيف يضيع أعمالهم التي عملوها فلا يثيبهم عليها وكيف يؤاخذهم على ما لم يفترض عليهم.
والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة. وتسمية الله [جل ذكره الصلاة إيماناً في هذه الآية] ردّ على المرجئة الذين يقولون إن الصلاة ليست من الإيمان.
وقال أشهب: " وإني لأذكر بهذه الآية الرد على المرجئة وعلى أن الإيمان في هذه الآية يراد به الصلاة نحو بيت المقدس ". وقاله البراء بن عازب، رفعه إلى

صفحة رقم 487
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية