آيات من القرآن الكريم

أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَوَصَّى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ﴾ ؛ قرأ أهلُ المدينةِ وأهلُ الشَّام :(وَأوْصَى) بالألفِ. وقرأ الباقون بالتشديد. وهما لُغتان ؛ يقال : أوْصَيْتُهُ وَوَصَّيْتُهُ ؛ إذا أمرتُهُ مثلَ إِنْزِلْ ونَزِّلْ. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بِهَآ ﴾ يعني بكلمةِ الإخلاص : لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ. وقال أبو عُبيدةَ :(إنْ شِئْتَ رَدَدْتَ الْكِنَايَةَ إلَى الْمِلًَّةِ ؛ لأَنَّهُ ذكَرَ مِلَّةَ إبْرَاهِيْمَ ؛ وَإنْ شِئْتَ رَدَدْتَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ). وقال المفضَّلُ :(بالطَّاعَةِ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ). وكنايةُ الْمِلَّةِ هنا أصحُّ ؛ لأن ردَّها إلى المذكور أولَى من ردِّها إلى المدلولِ، وكلمةُ الإخلاصِ مدلولٌ عليها في ضِمْنِ قولهِ تعالى :﴿ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
وبَنُو إبراهيمَ أربعةٌ : إسْمَاعِيْلُ ؛ وَإسْحَقُ ؛ وَمَدْيَنُ ؛ وَمَدَائِنُ. قوله تعالى :﴿ وَيَعْقُوبُ ﴾ قيل : سُمي بيعقوبَ ؛ لأنه خرجَ على إثْرِ العيصِ ؛ وقد مَضَتْ قصتُهما. وقيل : سُمي بيعقوبَ لكثرة عَقِبهِ، قال رسولُ اللهِ ﷺ :" بُعِثْتُ عَلَى إثْرِ ثَمَانِيَةِ آلاَفِ نَبيٍّ : أرْبَعَةُ آلاَفٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيْلَ " ومعنى الآية : وصَّى بها أيضاً يعقوبُ بَنِيْهِ الاثنَي عَشَرَ. وحُكي عن مجاهدٍ أنه حكى عن بعضِهم :(وَيَعْقُوبَ) بالنصب عطفاً على بَنِيْهِ داخلاً في جُملتها الموصِّيين.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ ؛ أي الإسلامَ، ﴿ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ ؛ أي مؤمنون. وقيل : مُخلصون. وقيل : مُحسنون بربكم الظنَّ. وقيل : مُفَوِّضُونَ.
روي أنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْيَهُودُ لِلنَّبيِّ ﷺ : ألَسْتَ تَعْلَمُ أنَّ يَعْقُوبَ يَوْمَ مَاتَ أوْصَى بَنِيْهِ بدِيْنِ الْيَهُودِيَّةِ ؟ فأنزلَ اللهُ تعالى قولَهُ :﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ﴾ ؛ أي أكنتم أيُّها اليهودُ حضوراً حين حضرَ يعقوبَ الموتُ، ﴿ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـاهَكَ وَإِلَـاهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ ؛ الصادِقَ، ﴿ وَإِسْحَاقَ ﴾ ؛ الْحَلِيْمَ.
والمراد بحضور الموت : حضورُ أسبابهِ ؛ لأن مَن حضرَهُ الموتُ لا يتمكَّن من القولِ، وقد سُمي سببُ الشيء باسْمِه. كما قالَ تعالى :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾[الشورى : ٤٠].
وقال الكلبيُّ :(مَعْنَى الآيَةِ : أنَّ يَعْقُوبَ لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ رَأى أهْلَهَا يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ وَالنِّيْرَانَ ؛ فَجَمَعَ أوْلاَدَهُ وَخَافَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. وَقَالَ لَهُمْ : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي). وقال عطاءُ :(إنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبضْ نَبيّاً حَتَّى يُخَيِّرَهُ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، فَلَمَّا خَيَّرَ يَعْقُوبَ قَالَ : أنْظِرْنِي حَتَّى أَسْأَلَ أوْلاَدِي وَأُوْصِيَهُمْ ؛ فَجَمَعَ أوْلاَدَهُ وَأَوْلاَدَ أوْلاَدِهِ وَقَالَ لَهُمْ : قَدْ حَضَرَ أجَلِي، فَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ؟ أيْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِي. (قَالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وَإلَهَ آبَائِكَ). ﴿ إِلَـاهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾.
قرأ يحيى بن مُعَمَّر :(إلَهَ أبيْكَ) على التوحيدِ ؛ قال : لأنَّ إسماعيلَ عمُّ يعقوبَ لا أبوهُ. وقرأ العامَّة :(وَإلَهَ آبَائِكَ) على الجمعِ. وقالوا : عمُّ الرجل صِنْوُ أبيهِ. وقال النبيُّ ﷺ للعباسِ :" هَذَا بَقِيَّةُ آبَائِي " والعربُ تُسمي العمَّ أباً كما تُسمِّي الْخَالَةَ أُمّاً. قال اللهُ تعالى :﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ﴾[يوسف : ١٠٠] يعني يعقوب وليان ؛ وهي خالةُ يوسف عليه السلام.

صفحة رقم 125
كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو بكر الحداد اليمني
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية