آيات من القرآن الكريم

۞ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

قوله - عز وجل -:
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾
الآيتان (١٢٢، ١٢٣) - سورة البقرة.
قد تقدم الكلام في مضمون الآيتين، ويسأل عن فائدة تكريرها، وأنه قال في هذه الآية: ﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌوفي الآية المتقدمة قال: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾، والجواب: أما التكرير فعلى سبيل الإنذار، فالواعظ إذا وعظ لأمر ما قد يكرر الذي يعظ لأجله تعظيماً لأمره، وأما تغيير النظم، فلما كان قبول العدل وأخذه وقبول الشفاعة ونفعها متلازمة، لم يكن بين اتفاق هذه العبارات واختلافها فرق في المعنى..
قوله- عز وجل:
﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾
الآية (١٢٤) - سورة البقرة.
الابتلاء كالاختبار، لكن الابتلاء طلب إظهار الفعل، والاختبار طلب الخبر، وهما متلازمان، والتام والكامل والوافي والوافر متقاربة، لكن التام يقال للمعدود الممسوح جميعاً، نحو عدد تام، وليل تام، ورجل تام الخلقة، والكمال أكثر ما يقال في الممسوح والمشبه به، وقوله: ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾، فالمراد كمال الحكم لإكمال العدد، كما قدره بعض الملاحدة، فاعترض عليه بالإزراء.

صفحة رقم 308

والوافي ما أشرف على الشيء، ومنه وفاء العهد، وأوفى على كدا، أي أشرف عليه، والوافر: ما لم ينقص منه شيء، ومنه الوفر، وسقاء أوفر لم ينقص من أديمه شيء والذرية: الأولاد الصغار والكبار، وقيل هي للصغار، وقيل أصله من الذر، وقالت الفراء: أصله من ذريت وذروت، وقال أبو عبيدة: أصله الهمز من ذرأ الله الخلق، فترك همزة على غير قياس، والإمام في الأصل: الختم به محقاً كان أو مبطلاً، منه قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾، وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾، وفي إطلاق الشرع اسم للمقتدي به، المقتدي بالشرع، وهو أعم من النبي والخليفة إذ كل نبي وخليفة: إمام، وليس كل إمام ونبي خليفة، والكلمات قد تقع على الألفاظ المنظومة وعلى المعاني التي تحتلها، فقوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ أي: قضيته وحكمه وقال: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي﴾ أي؟ للمعاني التي تبرز بالكلمات ولم يرد اللفظ، فإن ما يحصره اللفظ يحصره الخط، والكلمات التي ابتلى بها مبهمة محتملة، وذكر المفسرون لها وجوهاً يصح أن تكون كلها مراده، فقيل: هي عشر سنن، همس في الرأس المضمضة، والاستنشاق، والفرق، وقص الشارب، والسواك، وخمس في الجسد تقليم الأظافر، ونتف الأبط، والختان، وحلق العانة، والاستنجاء، وقيل: هي خصال محمودة ذكر بعضهما في سورة/ التوبة، وبعضها في سورة/ المؤمنون، وبعضهما في سورة/ سأل سائل، وقد تقدم ذكرها في قوله: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ وقيل: هي مناسك الحج المذكورة في قوله: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ الآية، وكل ذلك عن ابن عباس، وقيل: في ابتلاؤه بالكوكب وبالقمر والشمس، وقيل: امتحانه بإنفاق ماله، وهجر أوطانه، وذبح ولده، وإلقائه في النار فلما لم يؤثر على اختبار الله في شيء من ذلك قال فيه: (فأتمهن)

صفحة رقم 309

وإتمامه: هو الوفاء بها المذكور في قوله: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾، وسماه حنيفاً مسلماً، وقال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾، وجعل إمامته للناس كافة على التأييد، فإنه لم يُبعث بعده نبي إلا من ذريته، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾، وقال: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ حتى قال للنبي (محمد) عليه السلام: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾.
وقال: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾، وأمر- عليه السلام- بذكر إبراهيم في الصلاة، فقال: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم "، ولم يرد بالإمامة ههنا النبوة كما ظنه بعض المفسرين، فإنه- عليه السلام- إمام للناس على العموم في كل زمان على الإطلاق وليس بنبي لهم على [العموم] بالإطلاق، ولا قيل له ذلك قال: (ومن ذريتي)، فأجيب إلى ملتمسه بقوله: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ لكنه تعالى بين أنه قد يكون من ذريته ظالم، وبين أن الإمام يتحمل للعهد، والظالم لا عهد له، فإذاً لا إمامة له، ولهذا ما روي في الخبر أن الله تعالى يقول يوم القيامة لوالي السوء: (ياداعي السوء، أكلت اللحم، وشربت اللبن، ولبست الصوف، ولم تؤد الكسير ولم ترعها في مرعاها)، واستدل بالآية بعض الناس، فزعم أن الظالم إدا عوهد لم يلزم الوفاء بعهده، وقال الحسن: " إنما لم يجعل الله لهم عهداً "....

صفحة رقم 310
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية