آيات من القرآن الكريم

۞ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

عنهمْ خَوْفُ العدوِّ المضعف لليقين، وأما قوله تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ... [الحاقة: ٤٤] الآية، وقوله: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ [الإسراء: ٧٥]، فمعناه: أنّ هذا جزاء من فعل هذا، وجزاؤك لو كنت ممن يفعله، وهو صلّى الله عليه وسلم لا يفعله، وكذلك قوله تعالَى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ [الأنعام: ١١٦] فالمراد غيره، كما قال:
إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا... الآية [آل عمران: ١٤٩] وقوله: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [الشورى: ٢٤]، ولَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: ٦٥] وما أشبهه، فالمراد غيره، وأن هذا حال مَنْ أشرك، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلم لا يَجُوزُ عليه هذا، وقوله تعالَى: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ [الأحزاب: ١]، فليس فيه أنه أطاعهم، واللَّه يَنْهَاهُ عما يشاء، ويأمره بما يشاء كما قال تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ... [الأنعام: ٥٢] الآية، وما كان طَرَدَهُمْ- عليه السلام- ولا كَانَ من الظالمين. انتهى من «الشِّفَا» «١».
ص «٢» : وَلَئِنِ: هذه اللام هي الموطّئة والمؤذنة، وهي مشعرة بقسم مقدّر قبلها. انتهى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢١ الى ١٢٤]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)
وقوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ... الآية: قال قتادة: المراد ب «الَّذِينَ» في هذا الموضع: من أسلم من أمّة النبيّ صلّى الله عليه وسلم، والكتابُ على هذا: التأويل القرآن «٣»، وقال ابنُ زَيْد: المراد مَنْ أسلم من بني إِسرائيل «٤»، والكتاب على هذا التأويل: التوراة، وآتَيْناهُمُ: معناه: أعطيناهم، ويَتْلُونَهُ: معناه: يتبعونه حقَّ اتباعه بامتثال الأمر والنهي، قال أحمد بن نَصْر الدَّاوُودِيُّ: وهذا قول ابن عباس، قال عِكْرِمَةُ: يقال: فلانٌ يتلو فلاناً، أي: يتبعه ومنه: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها [الشمس: ٢] أي: تبعها. انتهى.

(١) ينظر: «الشفا» (ص ٧١٧، ٧١٨).
(٢) «المجيد» (ص ٣٩٦).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٥٦٦) برقم (١٨٨٠)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٢٠٤)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٢١٠)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(٤) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٢٠٤). [.....]

صفحة رقم 311

وللَّه دَرُّ مَنِ اتبع كلامَ ربِّهِ، واقتفى سُنَّة نبيِّه، وإِن قلَّ عِلْمُهُ، قال القُضَاعِيُّ في اختصاره لِ «المدارك» : قال في ترجمة سُحْنُون «١» : كان سُحْنُون يقول: مَثَلُ العلْمِ القليلِ في الرجُلِ الصالحِ مَثَلُ العَيْنِ العَذْبَةِ في الأرض العَذْبة، يزرع علَيْها صاحبُها ما ينتفعُ به، ومَثَلُ العلْمِ الكثيرِ في الرجُلِ الطالحِ مَثَلُ العَيْن الخَرَّارة في السَّبِخَةِ تهرُّ الليلَ والنَّهارَ، ولا ينتفعُ بها. انتهى.
وقيل: يَتْلُونَهُ: يقرءونه حقَّ قراءته، وهذا أيضاً يتضمَّن الاِتّباع والامتثال، وحَقَّ «٢» : مصدرٌ، وهو بمعنَى أفْعل، والضمير في «بِهِ» عائدٌ على «الكتاب»، وقيل:
يعود على محمَّد صلّى الله عليه وسلم لأن مُتَّبِعِي التوراةِ يجدُونه فيها، فيؤمنون به، والضميرُ في يَكْفُرْ بِهِ يحتمل من العود ما ذكر في الأول.
وقوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ... الآية: تقدّم بيان نظيرها، ومعنى: لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ: أنه ليستْ ثَمَّ، وليس المعنى أنه يشفع فيهم أحَدَّ، فيردّ، وأما الشفاعةُ التي هي في تعجيلِ الحسَابِ، فليستْ بنافعة لهؤلاءِ الكَفَرة.
ت: ولم ينبِّه- رحمه اللَّه- على هذا في التي تقدَّمت أولَ السورة، وابْتَلى معناه: اختبر، وفي «مختَصَرِ الطَّبريِّ» : ابْتَلى، أي: اختبر، والاختبارُ من اللَّه عزَّ وجلَّ لعباده على علْمٍ منه سبحانه بباطِنِ أمرهم وظاهره، وإنما يبتليهم ليظهر منهم سابق علمه

(١) هو الإمام سحنون، أبو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي، القيرواني، الفقيه، الحافظ، العابد، الورع، المتفق على فضله وإمامته، اجتمع فيه من الفضائل ما تفرق في غيره، أخذ العلم عن أئمة من أهل المشرق والمغرب. وأخذ عنه من أئمة الرواة نحو سبعمائة، انتهت إليه الرياسة في العلم، وعليه المعول في المشكلات، وإليه الرحلة، ومدونته عليها الاعتماد في المذهب المالكي. ولد رحمه الله سنة ١٦٠ هـ. وتوفي سنة ٢٤٠ هـ. وقبره ب «القيروان».
ينظر: «الديباج» (٢/ ٣٠)، و «الشجرة الزكية» (ص ٦٩).
(٢) فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه نصب على المصدر، وأصله: «تلاوة حقا» ثم قدم الوصف وأضيف إلى المصدر، وصار نظير: «ضربت شديد الضرب» أي: ضربا شديدا، فلما قدم وصف المصدر نصب نصبه.
الثاني: أنه حال من فاعل يتلونه، أي: يتلونه محقين.
الثالث: أنه نعت مصدر محذوف، وقال ابن عطية: و «حق» مصدر، والعامل فيه فعل مضمر، وهو بمعنى أفعل، ولا تجوز إضافته إلى واحد معرف، وإنما جازت هنا لأن تعرف التلاوة بإضافتها إلى ضمير ليس بتعرف محض، وإنما هو بمنزلة قولهم: «رجل واحد أمه، ونسيج وحده» يعني أنه في قوة أفعل التفضيل بمعنى أحق التلاوة، وكأنه يرى أن إضافة أفعل غير محضة، ولا حاجة إلى تقدير عامل فيه، لأن ما قبله يطلبه. ينظر: «الدر المصون» (١/ ٣٥٨).

صفحة رقم 312

فيهم، وقد روي ذلك عن عليٍّ- رضي اللَّه عنه- في قوله عز وجَلَّ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ [محمد: ٣١] فقال رضي اللَّه عنه: إِن اللَّه عزَّ وجلَّ لم يزلْ عالماً بأخبارِهِمْ وخُبْرِهِمْ وما هُمْ عليه، وإن قوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ، أي: حتى نسوقَكُم إِلى سابقِ علْمِي فيكم. انتهى، وهو كلام حسنٌ.
وقد نبه ع: على هذا المعنى فيما يأتي، والعقيدةُ أنَّ علمه سبحانه قديمٌ، عَلِمَ كلَّ شيء قبْلَ كونه، فجرى على قَدَرِهِ لا يكون من عباده قولٌ ولا عملٌ إلا وقد قضاه، وسبق علمه به سبحانه لا إله إلا هو.
وإِبْراهِيمَ: يقال: إِنَّ تفسيره بالعربيَّةِ أَبٌ رَحِيمٌ، واختلف أهل التأويل في «الكلمات»، فقال ابن عَبَّاس: هي ثلاثُونَ سَهْماً هي الإسلام كلُّه، لم يتمَّه أحدٌ كاملاً إلا إبراهيمُ- عليه السلام- منْها في «براءة» : التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ... الآية [التوبة: ١١٢]، وعشرة في «الأحزاب» : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ... الآية [الأحزاب: ٣٥]، وعَشَرة في سَأَلَ سائِلٌ «١» [المعارج: ١].
ت: وقيل غير هذا.
وفي «البخاريِّ» : أنه اختتن، وهو ابن ثمانينَ سنَةً بالقَدُومِ «٢»، قال الراوي: فأوحى اللَّه إليه إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً والإِمام القُدْوة.
وإِنما سمِّيت هذه الخصالُ كلماتٍ لأنها/ اقترنتْ بها أوامر هي كلمات، وروي أن ٣٥ أ

(١) أخرجه الطبري (١/ ٥٧٢) برقم (١٩٠٩- ١٩١٠- ١٩١١)، والحاكم (٢/ ٥٥٢)، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وصححه الذهبي. وذكره البغوي في «تفسيره» (١/ ١١١)، وابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ٢٠٥)، وابن كثير (١/ ١٦٥)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٢١١)، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، وابن عساكر، وذكره الشوكاني في «تفسيره» (١/ ٢٠٤).
(٢) أخرجه البخاري (٦/ ٤٤٧) كتاب «أحاديث الأنبياء»، باب قول الله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا حديث (٣٣٥٦)، ومسلم (٤/ ١٨٣٩) كتاب «الفضائل»، باب من فضائل إبراهيم الخليل صلّى الله عليه وسلم، حديث (١٥١/ ٢٣٧٠)، وأحمد (٢/ ٤١٨)، والبيهقي (٨/ ٣٢٥) كتاب «الأشربة»، باب السلطان يكره على الاختتان. كلهم من طريق أبي الزِّنَادِ عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم على رأس ثمانين سنة، واختتن بالقدوم».
وللحديث طريق آخر عن أبي هريرة: أخرجه أبو يعلى (١٠/ ٣٨٣- ٣٨٤) رقم (٥٩٨١) من طريق محمَّد بنِ عَمْرٍو عن أَبي سَلَمَةَ عن أبي هريرة به.

صفحة رقم 313
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية