آيات من القرآن الكريم

۞ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه﴾ أَي: اختبر، وَمعنى ابتلاء الْعباد، لَيْسَ ليعلم أَحْوَالهم بالابتلاء لِأَنَّهُ عَالم بهم وَبِمَا يملكُونَ مِنْهُم وَلَكِن ليعلم الْعباد أَحْوَالهم، حَتَّى يعرف بَعضهم بَعْضًا. ﴿بِكَلِمَات﴾ وَأما الْكَلِمَات: قيل: هِيَ الَّتِي وَردت فِي الْخَبَر فِي قَوْله " عشر من الْفطْرَة: خمس فِي الرَّأْس، وَخمْس فِي الْجَسَد. وَالْخمس الَّتِي فِي الرَّأْس الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق، وقص الشَّارِب، والسواك، وَفرق الرَّأْس. وَأما اللواتي فِي الْجَسَد مثل قلم الْأَظْفَار، ونتف الْإِبِط، وَحلق الْعَانَة، والختان، والاستنجاء فِي رِوَايَة وَغسل البراجم ".

صفحة رقم 134

﴿يقبل مِنْهَا عدل وَلَا تنفعها شَفَاعَة وَلَا هم ينْصرُونَ (١٢٣) وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات فأتمهن قَالَ إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا قَالَ وَمن ذريتي قَالَ لَا ينَال عهدي﴾
وَفِي الْخَبَر أَن الله تَعَالَى بعث جِبْرِيل إِلَى إِبْرَاهِيم أَن تطهر لي، فَتَمَضْمَض، ثمَّ بعث إِلَيْهِ أَن تطهر لي، فاستنشق هَكَذَا إِلَى الْعشْر، فَلَمَّا أمره فِي الْمرة الْعَاشِرَة: أَن تظهر لي. فَنظر إِلَى بدنه، فَلم يجد شَيْئا ينظفه فَتنبه على الْخِتَان فاختتن.
وَفِي الْخَبَر: " أَنه اختتن بعد ثَمَانِينَ سنة بالقدوم ". وَهُوَ اسْم مَوضِع، وعاش بعده ثَمَانِينَ.
وَفِي الْأَخْبَار: " أَن إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ. أول من قصّ الشَّارِب، وَأول من اختتن وَأول من قلم الْأَظْفَار، وَأول من رأى الشيب، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ يَا رب مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الْوَقار فَقَالَ يَا رب زِدْنِي وقارا ".
﴿فأتمهن﴾ أَي فأداهن بِهِ تَامَّة، قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا أَتَى أحد بسهام الْإِسْلَام كَمَا أَتَى بهَا الْخَلِيل إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ.
وَفِيه قَولَانِ آخرَانِ: أَن معنى الْكَلِمَات: هُوَ أَن الله تَعَالَى ابتلاه بالكوكب فرضى عَنهُ، وابتلاه بالقمر فرضى عَنهُ، وابتلاه بالشمس فرضى عَنهُ. وابتلاه بِنَار نمروذ فرضى عَنهُ. وابتلاه بِذبح الْوَلَد فرضى عَنهُ. وابتلاه بالختان فرضى عَنهُ.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا﴾ يَعْنِي فِي الْخَيْر، وَقد يكون الإِمَام فِي الشَّرّ؛ على طَرِيق الْمجَاز. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار﴾ وَحَقِيقَة الإِمَام: أَن يقْصد، من فعله مَا يقْصد وَهُوَ من الْأُم: وَهُوَ الْقَصْد.

صفحة رقم 135

﴿الظَّالِمين (١٢٤) وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وآمنا وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَن طهرا بَيْتِي للطائفين والعاكفين والركع
{قَالَ وَمن ذريتي﴾
أَي: اجْعَل من ذريتي أَئِمَّة.
﴿قَالَ لَا ينَال عهدي الظَّالِمين﴾ أَي: لَا يَنَالهُ من كَانَ فيهم ظَالِما. وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الْعَهْد، قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ النُّبُوَّة. وَقَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ بِهِ الْإِمَامَة. وَهُوَ الْأَلْيَق بِظَاهِر النسق، وَفِيه قَول آخر: أَنه الْأمان من النَّار.
والظالم: الْفَاسِق، وَقيل: أَرَادَ بِهِ الْمُشرك هَاهُنَا. وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم﴾ أَي: بشرك ﴿أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن﴾ فَجعل الْأَمْن لمن لَا يُشْرك بِهِ، فَكَذَلِك قَوْله: ﴿لَا ينَال عهدي الظَّالِمين﴾ أَي: أَن أماني لَا يَنَالهُ الْمُشْركُونَ مِنْهُم.

صفحة رقم 136
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية