آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا يَعْنِي بِمَا نَبَذُوهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فَإِنْ حَمَلْتَ ذَلِكَ عَلَى الْقُرْآنِ جَازَ، وَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى كِتَابِهِمُ الْمُصَدِّقِ لِلْقُرْآنِ جَازَ، وَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ جَازَ، وَالْمُرَادُ مِنَ التَّقْوَى الِاحْتِرَازُ عَنْ فِعْلِ الْمَنْهِيَّاتِ وَتَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ فَفِيهِ وُجُوهٌ، أَحَدُهَا: أَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَأُثِيبُوا إِلَّا أَنَّهُ تُرِكَتِ الْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ إِلَى هَذِهِ الاسمية لما في الجملة الاسمية مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْمَثُوبَةِ وَاسْتِقْرَارِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا قِيلَ لَمَثُوبَةُ اللَّهِ خَيْرٌ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الْمُرَادَ لَشَيْءٌ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُمْ. وَثَانِيهَا:
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا تَمَنِّيًا لِإِيمَانِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ عَنْ إِرَادَةِ اللَّهِ إِيمَانَهُمْ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَيْتَهُمْ آمَنُوا، ثُمَّ ابْتَدَأَ لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خير.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٠٤]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا شَرَحَ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِمْ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَرَادَ من هاهنا أَنْ يَشْرَحَ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِمْ عِنْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِدِّهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ فِي الْقَدْحِ فِيهِ وَالطَّعْنِ فِي دِينِهِ وَهَذَا هُوَ النوع الأول من هذا الباب وهاهنا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خاطب المؤمنين بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فِي ثَمَانِيَةٍ وَثَمَانِينَ مَوْضِعًا مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ يُخَاطِبُ فِي التَّوْرَاةِ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا خَاطَبَهُمْ أَوَّلًا بِالْمَسَاكِينِ أَثْبَتَ الْمَسْكَنَةَ لَهُمْ آخِرًا حَيْثُ قَالَ: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ [الْبَقَرَةِ: ٦١]، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَاطَبَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالْإِيمَانِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ تَعَالَى يُعْطِيهِمُ الْأَمَانَ مِنَ الْعَذَابِ فِي النِّيرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيْضًا فَاسْمُ الْمُؤْمِنِ أَشْرَفُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَإِذَا كَانَ يُخَاطِبُنَا فِي الدُّنْيَا بِأَشْرَفِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فَنَرْجُو مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُعَامِلَنَا فِي الْآخِرَةِ بِأَحْسَنِ الْمُعَامَلَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِي الْكَلِمَتَيْنِ الْمُتَرَادِفَتَيْنِ أَنْ يَمْنَعَ اللَّهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَأْذَنَ فِي الْأُخْرَى، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَصْلُحُ الصَّلَاةُ بِتَرْجَمَةِ الْفَاتِحَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْعِبْرِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَمْنَعَ اللَّهُ مِنْ قَوْلِهِ: راعِنا وَيَأْذَنَ فِي قَوْلِهِ: انْظُرْنا وَإِنْ كَانَتَا مُتَرَادِفَتَيْنِ وَلَكِنَّ جُمْهُورَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا مَنَعَ مِنْ قَوْلِهِ: راعِنا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نَوْعِ مَفْسَدَةٍ ثُمَّ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا، أَحَدُهَا: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَلَا عَلَيْهِمْ/ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ: رَاعِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالْيَهُودُ كَانَتْ لَهُمْ كَلِمَةٌ عِبْرَانِيَّةٌ يَتَسَابُّونَ بِهَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَهِيَ «رَاعِينَا» وَمَعْنَاهَا: اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ: رَاعِنَا افْتَرَضُوهُ وَخَاطَبُوا بِهِ النَّبِيَّ وَهُمْ يَعْنُونَ تِلْكَ الْمَسَبَّةَ، فَنُهِيَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْهَا وَأُمِرُوا بِلَفْظَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ:
انْظُرْنا، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ [النِّسَاءِ: ٤٦]، وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَمِعَهَا مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ يَقُولُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ، فَقَالُوا:
أَوَلَسْتُمْ تَقُولُونَهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَثَانِيهَا: قَالَ قُطْرُبٌ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةَ الْمَعْنَى إِلَّا أَنَّ أهل

صفحة رقم 634
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية