آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

صَاحِبِهِ، وَيُبَغَّضُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا هُمْ﴾ قِيلَ أَيِ: السَّحَرَةُ وَقِيلَ: الشَّيَاطِينُ ﴿بِضَارِّينَ بِهِ﴾ أَيْ بِالسِّحْرِ ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ أَيْ أَحَدًا، ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أَيْ: بِعِلْمِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَالسَّاحِرُ يَسْحَرُ وَاللَّهُ يُكَوِّنُ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَعْنَاهُ إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ﴾ يَعْنِي: أَنَّ السِّحْرَ يَضُرُّهُمْ ﴿وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ يَعْنِي الْيَهُودَ ﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ أَيِ اخْتَارَ السِّحْرَ ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ أَيْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ﴾ بَاعُوا بِهِ ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ حَظَّ أَنْفُسِهِمْ، حَيْثُ اختارواالسحر وَالْكُفْرَ عَلَى الدِّينِ وَالْحَقِّ ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ "وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ" فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى "لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" بَعْدَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا؟ قِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ "وَلَقَدْ عَلِمُوا" يَعْنِي الشَّيَاطِينَ وَقَوْلُهُ "لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" يَعْنِي الْيَهُودَ وَقِيلَ: كِلَاهُمَا فِي الْيَهُودِ يَعْنِي: لَكِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا بِمَا عَلِمُوا فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا﴾ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ ﴿وَاتَّقَوْا﴾ الْيَهُودِيَّةَ وَالسِّحْرَ ﴿لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ لَكَانَ ثَوَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ خَيْرًا لَهُمْ ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَقُولُونَ رَاعِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَ الْمُرَاعَاةِ أَيْ أَرْعِنَا سَمْعَكَ، أَيْ فَرِّغْ سَمْعَكَ لِكَلَامِنَا، يُقَالُ: أَرْعَى إِلَى الشَّيْءِ، وَرَعَاهُ، وَرَاعَاهُ، أَيْ أَصْغَى إِلَيْهِ وَاسْتَمَعَهُ، وَكَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ (شَيْئًا) (١) قَبِيحًا بِلُغَةِ الْيَهُودِ، وَقِيلَ: كَانَ مَعْنَاهَا عِنْدَهُمُ اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ.
وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الرُّعُونَةِ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُحَمِّقُوا إِنْسَانًا قَالُوا لَهُ: رَاعِنَا بِمَعْنَى يَا أَحْمَقُ! فَلَمَّا سَمِعَ الْيَهُودُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: كُنَّا نَسُبُّ مُحَمَّدًا سِرًّا، فَأَعْلِنُوا بِهِ الْآنَ، فَكَانُوا يَأْتُونَهُ وَيَقُولُونَ: رَاعِنَا يَا مُحَمَّدُ، وَيَضْحَكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَسَمِعَهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ (٢) فَفَطِنَ لَهَا، وَكَانَ يَعْرِفُ لُغَتَهُمْ، فَقَالَ لِلْيَهُودِ: لَئِنْ سَمِعْتُهَا مِنْ أَحَدِكُمْ يَقُولُهَا لِرَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ، فَقَالُوا: أَوْلَسْتُمْ تَقُولُونَهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾

(١) وفي ب سبأ.
(٢) في أسباب النزول: سعد بن عبادة.

صفحة رقم 132

كَيْلَا يَجِدَ الْيَهُودُ بِذَلِكَ سَبِيلًا إِلَى شَتْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١) ﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ أَيِ انْظُرْ إِلَيْنَا وَقِيلَ: انْتَظِرْنَا وَتَأَنَّ بِنَا، يُقَالُ: نَظَرْتُ فُلَانًا وَانْتَظَرْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى "انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ" (١٣-الْحَدِيدِ) قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهَا (فَهَّمْنَاهُ) (٢) ﴿وَاسْمَعُوا﴾ مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَأَطِيعُوا ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ يَعْنِي الْيَهُودَ ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إِذَا قَالُوا لِحُلَفَائِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ: آمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: مَا هَذَا الَّذِي تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ بِخَيْرٍ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَلَوَدِدْنَا لَوْ كَانَ خَيْرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَكْذِيبًا لَهُمْ ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ﴾ أَيْ مَا يُحِبُّ وَيَتَمَنَّى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَعْنِي الْيَهُودَ ﴿وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾ جَرَّهُ بِالنَّسَقِ عَلَى مِنْ ﴿أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أَيْ خَيْرٌ وَنُبُوَّةٌ، وَمِنْ صِلَةٌ ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾ بِنُبُوَّتِهِ ﴿مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ وَالْفَضْلُ ابْتِدَاءُ إِحْسَانٍ بِلَا عِلَّةٍ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ الْإِسْلَامُ وَالْهِدَايَةُ وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ بِوُدِّ الْيَهُودِ وَمَحَبَّتِهِمْ، (فَنَزَلَتِ الْآيَةُ) (٣) وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَإِنَّمَا لَمْ تَقَعْ بِوُدِّهِمْ لِأَنَّهُ جَاءَ بِتَضْلِيلِهِمْ وَعَيْبِ آلِهَتِهِمْ.

(١) انظر: تفسير القرطبي: ٢ / ٧٥، أسباب النزول للواحدي ص (٣١).
(٢) وفي ب فهمنا.
(٣) ساقطة من ب.

صفحة رقم 133
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية