آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ

وكسر الراء من غير همز، وبها قرأ ابن كثير، وروي عنه أنه قال: رأيْتُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم في النَّوْمِ وهو يَقُرَأُ: جَبْرِيلَ وَمِيكَالَ، فلا أزال أقرأها أبداً كذلك.
ت: يعني، واللَّه أعلم: مع اعتماده على روايتها، قال الثعلبيُّ: والصحيح المشهورُ عن ابْن كَثِيرٍ ما تقدَّم من فتح الجيم، لا ما حُكِيَ عنه في الرؤْيَا من كَسْرها.
انتهى.
وذكر ابن عبَّاس وغيره أنَّ جِبْر، ومِيك، وإِسْرَاف هي كلُّها بالأعجميَّة بمعنى عَبْد وممْلُوك، وإِيلُ: اللَّهُ «١».
وقوله تعالى: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ الضمير في «إِنَّهُ» عائد على اللَّه تعالى، وفي «نَزَّلَهُ» عائدٌ على «جِبْرِيل»، أي: بالقرآن، وسائر الوحْي، وقيل: الضمير في «إنَّهُ» عائدٌ على جبريل، وفي «نَزَّلَهُ» عائد على القرآن، وخص القلب بالذِّكْر لأنه موضع العقْل والعلْم، وتلقِّي المعارف.
وبِإِذْنِ اللَّهِ: معناه: بعلْمه وتمكينه إِياه من هذه المنزلة، ومُصَدِّقاً: حال من ضمير القرآن في «نزّله»، ولِما بَيْنَ يَدَيْهِ: ما تقدَّمه من كتب اللَّه تعالى، وَهُدىً، أي: إرشاد.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٨ الى ١٠٤]
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)

(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٨٣).

صفحة رقم 286

وقوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ... الآيةَ: وعيدٌ وذمٌّ لمعادِي جبريلَ، وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوةَ اللَّهِ لهم، وعطف جبريل وميكائل على الملائكة، وقد كان ذكْر الملائكة عمَّهما تشريفاً لهما وقيل: خُصَّا لأن اليهود ذكروهما، ونزلَتِ الآية بسببهما فذكرا لئلا تقول اليهود: إِنا لم نُعَادِ اللَّه، وجميعَ ملائكتِهِ، وعداوة العبد الله هي مَعْصِيَتُهُ، وترْكُ طاعته، ومعاداةُ أوليائه، وعداوةُ اللَّه للعبْدِ تعذيبُهُ وإظهار أثر العداوة عليه.
وقوله تعالى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً... الآيةَ: قال سيبوَيْه «١» :«الواو للعطف، دخلت عليها ألف الاستفهام»، والنبذ: الطَّرْح، ومنه المنبوذ، والعَهْد الذي نبَذُوه: هو ما أُخِذَ عليهم في التوراة من أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلم وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هو محمّد صلّى الله عليه وسلم ومُصَدِّقٌ: نعْتٌ لرسولٍ، وكتابُ اللَّه: القُرْآن، وقيل: التوراة لأن مخالفتها نبذ لها، ووَراءَ ظُهُورِهِمْ مَثَلٌ لأن ما يجعل ظهريًّا، فقد زال النظَر إِلَيْه جملةً، والعرب تقول: جَعَلَ هذا الأمر وراء ظهره، ودبر أذنه.
وكَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ: تشبيهٌ بمن لا يَعْلَم/ فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على ٣٠ ب عِلْمٍ.
وقوله تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ... الآية: يعني اليهود، وتَتْلُوا: قال عطاءٌ: معناه: تقرأ «٢»، وقال ابن عبَّاس: تَتْلُوا: تتبع «٣»، وعَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، أي: على عهد مُلْكِ سليمانَ، وقال الطبريّ: اتَّبَعُوا: بمعنى: فضلّوا، وعَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، أي: على شرعه ونبوءته، والَّذي تلته الشياطينُ، قيل: إِنهم كانوا يلقون إِلى الكهنة الكَلِمَةَ من الحَقِّ معها المائةُ من الباطل حتى صار ذلك علمهم، فجمعه سُلَيْمَانُ، ودفَنَه تحْت كرسيِّه، فلما مات، أخرجته الشياطينُ، وقالت: إن ذلك كان علم سليمان.

(١) اختلف النحويون في ذلك على ثلاثة أقوال فقال الأخفش: إن الهمزة للاستفهام والواو زائدة، وهذا على رأيه في جواز زيادتها. وقال الكسائي: هي «أو» العاطفة التي بمعنى بل، وإنما حركت الواو ويؤيده قراءة من قرأها ساكنة. وقال البصريون هي واو العطف قدمت عليها همزة الاستفهام على ما عرف، والزمخشري يقدر بين الهمزة وحرف العطف شيئا يعطف عليه ما بعده، لذلك قدره هنا: أكفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا. ينظر: «الدر المصون» (١/ ٣١٦)، و «الكتاب» (٣/ ١٨٩).
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٨٥) بلفظ: «تقرأ من التلاوة» عن عطاء.
(٣) أخرجه الطبري (١/ ٤٩٢) برقم (١٦٥٨)، وقال العلامة أحمد شاكر: ووقع في المطبوعة «العبقري» وهو تصحيف، وتصحيحه كالآتي: الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي- ضعيف قال أبو زرعة «لا يصدق»، وهو مترجم في «لسان الميزان»، و «ابن أبي حاتم» (١/ ٢/ ٦١- ٦٢)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٨٥)، والسيوطي في «الدر» (١/ ١٨٣)، وعزاه لابن جرير.

صفحة رقم 287

وروي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لما ذَكَر سليمانَ- عليه السلام- في الأنبياء، قال بعضُ اليهود: انظروا إلى محمَّد يذكر سليمانَ في الأنبياء، وما كان إِلا ساحراً.
وقوله تعالى: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ تبرئةٌ من اللَّه تعالى لسليمان- عليه السلام.
والسِّحْرُ والعمل به كفْرٌ، ويقتلُ السَّاحر عند مالك كُفْراً، ولا يستتابُ كالزنديقِ، وقال الشافعيُّ: يسأل عن سِحْره، فإِن كان كُفراً، استتيب منه، فإِن تاب، وإِلا قتل، وقال مالكٌ فيمَنْ يعقدُ الرجَالَ عن النساءِ: يعاقَبُ، ولا يُقْتَلُ، والناس المعلَّمون: أتباعُ الشياطين من بني إِسرائيل، وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ: «مَا» عطْفٌ على السِّحْر، فهي مفعولةٌ، وهذا على القول بأن اللَّه تعالى أنزل السِّحْرَ على الملكَيْن ليكفر به من اتبعه، ويؤمن به من تركه، أو على قول مجاهد وغيره أنَّ اللَّه تعالى أنزل على الملكَيْن الشيْءَ الذي يفرق به بين المرء وزوجه، دون السِّحْر، أو «١» على القول أن اللَّه تعالى أنزل السحر عليهما ليُعْلَم على جهة التحذير منه، والنهْيِ عنه.
قال ع «٢» : والتعليمُ على هذا القول، إِنما هو تعريف يسير بمبادئه، وقيل:
«إِنَّمَا» عطف على «ما» في قوله: مَا تَتْلُوا، وقيل: «ما» نافية، ردٌّ على قوله: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ، وذلك أنَّ اليهود قالُوا: إن اللَّه تعالى أنزل جبريلَ وميكَائلَ بالسِّحْر، فنفى اللَّه ذلك.
ت: قال عِيَاضٌ: والقِرَاءَةُ بكسر اللام من الملكَيْن شاذَّة «٣»، وبَابِل: قُطْر من الأرض، وهَارُوتُ ومَارُوتُ: بدل من الملكَيْن، وما يذكر في قصتهما مع الزُّهرةِ كُلُّه ضعيفٌ وكذا قال: ع «٤» ت: قال عياض «٥» : وأما ما ذكره أهل الأخبار، ونقله المفسِّرون في قصَّة

(١) أخرجه الطبري (١/ ٤٩٩) برقم (١٦٨٠)، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ١٨٣)، وابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٨٦).
(٢) «المحرر الوجيز» (١/ ١٨٦).
(٣) وقرأ بها الحسن بن علي وابن عباس، كما في مختصر الشواذ ص ١٦ وقرأ بها أيضا أبو الأسود الدؤلي، والضحاك، وابن أبزى.
ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٨٦)، و «البحر المحيط» (١/ ٤٩٧)، و «الدر المصون» (١/ ٣٢١).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٨٧).
(٥) ينظر: «الشفا» (ص ٨٥٣- ٨٥٥).

صفحة رقم 288

هَارُوت ومَارُوت. وما رُوِيَ عن عليٍّ، وابنِ عَبَّاسٍ- رضي اللَّه عنهما- في خَبَرِهما، وابتلائهما، فاعلم- أكرمك اللَّه- أن هذه الأخبار لم يُرْو منها سقيمٌ ولا صحيحٌ عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلم، وليس «١» هو شَيْئاً يؤخذ بقياسٍ، والذي منه في القرآن، اختلف المفسِّرون في معناه، وأنكَرَ ما قال بعضهم فيه كثيرٌ من السلف، وهذه الأخبار من كتب اليهود، وافترائهم «٢» كما نصَّه اللَّه أول الآيات. انتهى. انظره.
وقوله تعالى: وَما يُعَلِّمانِ... الآية: ذكر ابْنُ الأعرابيِّ «٣» في «اليَاقُوتَةِ» أنَّ يُعَلِّمانِ بمعنى «يُعْلِمَانِ «٤»، ويشعران» كما قال كعب بن زهير «٥» :[الطويل]

(١) وليس هو أي ما تضمنته قصتهما. يؤخذ بقياس: يستنبط بقياس أي ليس مما يجري فيه القياس على غيره، مما ورد من الآيات والأحاديث الصحيحة فلا ينبغي الخوض فيه نفيا أو إثباتا.
قال في «نسيم الرياض» : وهذا الذي ذكره من أنه لم يرد فيه حديث ضعيف، ولا صحيح ردوه- كما نقله السيوطي في «مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا» - بأنه ورد من طرق كثيرة منها ما في مسند أحمد، عن ابن عمر (رضي الله عنهما) مرفوعا ورواه ابن حبان، والبيهقي، وابن جرير وابن حميد في «مسنده»، وابن أبي الدنيا وغيرهم من طرق عديدة.
وقال ابن حجر في «شرح البخاري» : إن له طرقا تفيد العلم بصحته. وكذا في حواشي البرهان الحلبي، وذكره مسندا عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه سمعه صلّى الله عليه وسلم يقول: «لما أهبط الله (تعالى) آدم إلى الأرض، قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها! وقالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم. فقال الله تعالى: هلما بملكين يهبطان الأرض. قالوا: ربنا هاروت وماروت. فأهبطا، فتمثلت لهما الزهرة امرأة حسنة من البشر فراوداها عن نفسها، فقالت: لا، والله، حتى تتكلما بهذه الكلمة من الشرك، فأبيا.
فذهبت وأتت بابن جار لها تحمله، فراوداها. فقالت: لا، حتى تقتلا هذا الصبي فقالا: لا. ثم راوداها مرة أخرى، فأتت بقدح خمر، فقالت: لا، حتى تشرباه. فشربا وسكرا، فتكلما بكلمة الكفر، وقتلا الصبي، فخيرهما الله (تعالى) بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا: «فعلقا بين السماء والأرض»
. قال الخفاجي: وقد جمع السيوطي طرق هذا الحديث في تأليف مستقل، فبلغت نيفا وعشرين طريقا. [.....]
(٢) هذه الأخبار التي ذكرها بعض المفسرين منقولة من كتب اليهود في الإسرائيليات وافترائهم وكذبهم على أنبياء الله تعالى وملائكته.
(٣) محمد بن زياد، المعروف ب «ابن الأعرابي»، راوية، ناسب، علامة باللغة، ولد ١٥٠ هـ من أهل «الكوفة»، كان أحول، لم ير أحد في علم الشعر أغزر منه. له تصانيف منها: «أسماء الخيل وفرسانها»، و «الأنواء» و «الفاضل» و «البشر» وغيرها. وتوفي ٢٣١ هـ.
ينظر: «وفيات الأعيان» (١/ ٤٩٢)، و «تاريخ بغداد» (٥/ ٢٨٢)، و «المقتبس» (٦/ ٣- ٩)، و «نزهة الألباء» (٢٠٧)، و «الأعلام» (٦/ ١٣١).
(٤) وهي قراءة طلحة بن مصرف، كما في «مختصر الشواذ» (ص ١٦)، و «البحر المحيط» (١/ ٤٩٨)، و «الدر المصون» (١/ ٣٢٢).
(٥) كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني، أبو المصرب. شاهر عالي الطبقة من أهل «نجد»، له «ديوان-

صفحة رقم 289

تَعَلَّمْ رَسُولَ اللَّهِ أنَّكَ مُدْرِكِي وَأَنَّ وَعِيداً مِنْكَ كَالأَخْذِ بِالْيَدِ «١»
وحَمَلَ هذه الآية على أن الملكين إِنما نزلا يُعْلِمَانِ بالسَّحْر، وينهَيَان عنه، وقال الجمهورُ: بل التعليمُ على عرفه.
٣١ أص «٢» : وقوله تعالى: مِنْ أَحَدٍ: «مِنْ» هنا زائدةٌ مع المفعول لتأكيد/ استغراق الجنْس لأن أحداً من ألفاظ العموم. انتهى.
ويُفَرِّقُونَ: معناه فرقةَ العِصْمَة، وقيل: معناه يُؤْخِّذُونَ «٣» الرجُلَ عن المرأة حتى لا يَقْدِرَ على وطْئها، فهي أيضا فرقة، وبِإِذْنِ اللَّهِ: معناه: بعلمه، وتمكينه، ويَضُرُّهُمْ: معناه: في الآخرة، والضميرُ في علموا عائدٌ على بني إِسرائيل، وقال:
اشْتَراهُ لأنهم كانوا يعطون الأجرة على أنْ يعُلَّمُوا، والخَلاَقُ: النصيب والحظُّ وهو هنا بمعنى الجاه والقَدْرِ، واللامُ في قوله: «لَمَن» للقسمِ المؤذنة بأنَّ الكلام قَسَمٌ لا شرط.
م: وَلَبِئْسَ مَا: أبو البقاء «٤» : جواب قسم محذوف، والمخصوص بالذم
شعر» كان ممن اشتهر في الجاهلية، ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلّى الله عليه وسلم وأقام يشبب بنساء المسلمين، فهدر النبي دمه، فجاءه «كعب» مستأمنا، وقد أسلم، وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها: «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول» فعفا عنه النبي صلّى الله عليه وسلم وخلع عليه بردته. وهو من أعرق الناس في الشعر.
ينظر: «الأعلام» (٥/ ٢٢٦).
(١) البيت في ملحق ديوانه (٢٥٨)، و «أمالي المرتضى» (٢/ ٧٧)، و «المحرر الوجيز» (١/ ١٨٧)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٥٤)، و «الدر المصون» (٣٢٢). ويروى ملفقا من بيتين لأسيد بن أبي إياس الهذلي في «شرح أشعار الهذليين» (٢/ ٦٢٧) وبلا نسبة في «شرح الأشموني» (١/ ١٥٨) و «شرح شذور الذهب» (ص ٤٦٨) و «مغني اللبيب» (ص ٢/ ٥٩٤).
والشاهد فيه استعمال الفعل «تعلّم» بمعنى «اعلم»، فنصب به مفعولين بواسطة «أنّ» المصدريّة المؤكّدة، وهذا هو الأكثر في تعدّي هذا الفعل.
(٢) «المجيد» (ص ٣٦١).
(٣) التأخيذ: حبس السواحر أزواجهن عن غيرهن من النساء. والتأخيذ- أيضا-: أن تحتال المرأة بحيل في منع زوجها من جماع غيرها، يقال: لفلانة أخذة تؤخذ بها الرجال عن النساء.
ينظر: «لسان العرب» (٣٦).
(٤) «التبيان» (١/ ١٠١) وأبو البقاء هو عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين، الإمام محبّ الدين، أبو البقاء العكبريّ، البغداديّ الضّرير، النحويّ، الحنبليّ، صاحب الإعراب. قال القفطي: أصله من «عكبرا»، وقرأ بالرّوايات على أبي الحسن البطائحيّ، وتفقّه بالقاضي أبي يعلى الفرّاء، ولازمه حتى برع في المذهب والخلاف والأصول، وقرأ العربيّة على يحيى بن نجاح وابن الخشّاب حتى حاز قصب السّبق، وصار فيها من الرّؤساء المتقدّمين، وقصده الناس من الأقطار، وأقرأ النّحو، واللّغة، والمذهب، والخلاف، والفرائض، والحساب. ينظر: «بغية الوعاة» (٢/ ٣٨، ٣٩).

صفحة رقم 290

محذوف، أي: السحر أو الكفر، والضمير في «بِهِ» عائدٌ على السحر، أو الكفر. انتهى.
وشَرَوْا: معناه: باعوا، والضمير في «يَعْلَمُونَ» عائدٌ على بني إسرائيل اتفاقا، وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا: يعني: الذين اشْتَرُوا السِّحْرَ، وجوابُ: «لَوْ» : لَمَثُوبَةٌ، والمثوبةُ عند الجمهور: بمعنى الثواب.
وقوله سبحانه: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يحتمل نفْيَ العلْمِ عنهم، ويحتمل: لو كانوا يعلمون عِلْماً ينفع.
وقرأ جمهورُ النَّاس «١» : راعِنا من المراعاة بمعنى: فَاعِلْنَا، أي: ارعنا نَرْعَكَ، وفي هذا جَفَاءٌ أنْ يُخَاطِب به أحدٌ نبيِّهُ، وقد حضَّ اللَّه تعالى على خَفْض الصوت عنده، وتعزيرِهِ وتوقيرِهِ، وقالتْ طائفةٌ: هي لغةٌ للعرب، فكانت اليهودُ تصرفها إلى الرُّعُونَة يظهرون أنهم يريدون المراعاة، ويُبْطِنُون أنهم يريدونَ الرُّعُونَة التي هي الجَهْلُ، فنهى اللَّه المؤمنين عن هذا القول سَدًّا للذريعةِ «٢» لئلاَّ يتطرق منه اليهود إِلى المحظور، وانْظُرْنا: معناه: انتظرنا، وأمهل علَيْنا، ويحتمل أن يكون المعنى: تفقَّدنا من النَّظَر، والظاهرُ عنْدي استدعاءُ نظر العَيْن المقترِنِ بتدبُّر الحال، ولما نهى اللَّه تعالى في هذه الآية، وأمر، حض بَعْدُ على السمع الذي في ضمنه الطاعةِ، وأَعلَمَ أنَّ لمن خالف أمره، فكفر- عذاباً أليماً، وهو المؤلم، وَاسْمَعُوا: معطوفٌ على قُولُوا، لا على معمولها.

(١) وفي مصحف عبد الله وقراءته، وقراءة أبي: «راعونا» على إسناد الفعل لضمير الجمع، وذكر أيضا أن في مصحف عبد الله (ارعونا) خاطبوه بذلك إكبارا وتعظيما إذ أقاموه مقام الجمع، وقرأ الحسن وابن أبي ليلى، وأبو حيوة، وابن محيصن: «راعنا» بالتنوين جعله صفة لمصدر محذوف، أي: قولا راعنا، وهو على سبيل النسب كلابن، وتامر.
ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ١٨٩)، و «البحر المحيط» (١/ ٥٠٨)، و «الدر المصون» (١/ ٣٣٢)، و «مختصر الشواذ» (ص ١٦)، و «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٤١١).
(٢) وسدّ الذّرائع: هي التّوصّل بما هو مصلحة إلى مفسدة، كما يرى الشاطبي، أو وسيلة وطريقة إلى الشيء، عن شمس الدين ابن القيم، فالشاطبي يقتصر على الذّرائع سدّا، وابن القيم يشملها سدّا وفتحا.
فسدّ الذرائع وسيلة مباحة يتوصّل بها إلى ممنوع مشتمل على مفسدة.
قال الباجيّ: ذهب مالك إلى المنع من سدّ الذّرائع، وهي المسألة التي ظاهرها الإباحة، ويتوصّل بها إلى فعل المحظور، مثل: أن يبيع السّلعة بمائة إلى أجل، ويشتريها بخمسين نقدا، فهذا قد توصل إلى خمسين بذكر السلعة.

صفحة رقم 291
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية