آيات من القرآن الكريم

يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ

معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة»، ويوهنه ذكر «العاقر». والأكثر من المفسرين على أنه أراد وراثة المال، ويحتمل قول النبي ﷺ «إنا معشر الأنبياء لا نورث» أن لا يريد به العموم بل على أنه غالب أمرهم فتأمله، والأظهر الأليق «بزكريا» عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين فتكون الوراثة مستعارة، ألا ترى أنه إنما طلب وَلِيًّا، ولم يخصص ولدا فبلغه الله أمله على أكمل الوجوه. وقال أبو صالح وغيره: قوله يَرِثُنِي يريد المال، وقوله وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ يريد العلم والنبوة. وقال السدي:
رغب «زكريا» في الولد. وخِفْتُ من الخوف هي قراءة الجمهور وعليها هو هذا التفسير، وقرأ عثمان بن عفان رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن العاصي وابن يعمر وابن جبير وعلي بن الحسين وغيرهم «خفّت» بفتح الخاء والفاء وشدها وكسر التاء على إسناد الفعل إلى الْمَوالِيَ والمعنى على هذا انقطع أوليائي وماتوا، وعلى هذه القراءة فإنما طلب وَلِيًّا يقول بالدين، والْمَوالِيَ بنو العم والقرابة الذين يلون بالنسب. وقوله مِنْ وَرائِي أي من بعدي في الزمن فهم الولاء على ما بيناه في سورة الكهف، وقال أبو عبيدة في هذه الآية أي من بين يدي ومن أمامي وهذا قلة تحرير. وقرأ ابن كثير «من ورائي» بالمد والهمز وفتح الياء، وقرأ أيضا ابن كثير «من وراي» بالياء المفتوحة مثل عصاي، والباقون همزوا ومدوا وسكنوا الياء. و «العاقر» من النساء التي لا تلد من غير كبرة وكذلك العاقر من الرجال.
ومنه قول عامر بن الطفيل:

لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر
و «زكريا» عليه السلام لما رأى من حاله إنما طلب وَلِيًّا ولم يصرح بولد لبعد ذلك عنده بسبب المرأة، ثم وصف الولي بالصفة التي هي قصده وهو أن يكون وارثا. وقالت فرقة: بل طلب الولد ثم شرط أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه تحفظا من أن تقع الإجابة في الولد لكن يخترم فلا يتحصل منه الغرض المقصود. وقرأ الجمهور «ويرثني» برفع الفعلين على معنى الصفة للولي وقرأ أبو عمرو والكسائي «يرثني ويرث» بجزم الفعلين، وهذا على مذهب سيبويه ليس هو جواب «هب» إنما تقديره «إن تهبه يرثني»، والأول أصوب في المعنى لأنه طلب وارثا موصوفا، ويضعف الجزم أنه ليس كل موهوب يرث. وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما «يرثني وارث من آل يعقوب»، قال أبو الفتح هذا هو التجريد، التقدير: يرثني منه أو به وارث، وقرأ مجاهد «يرثني ويرث» بنصب الفعلين، وقرأت فرقة «يرثني أو يرث من آل يعقوب» على التصغير. وقوله من آلِ يَعْقُوبَ يريد يرث منهم الحكمة والحبورة والعلم والنبوءة والميراث في هذه كلها استعارة ورَضِيًّا معناه مرضي فهو فعيل بمعنى مفعول.
قوله عز وجل:
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧ الى ١١]
يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)

صفحة رقم 5

المعنى قيل له بإثر دعائه يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ يولد لك اسْمُهُ يَحْيى وقرأ الجمهور «بشّرك» بفتح الباء وكسر الشين مشددة، وقرأ أصحاب ابن مسعود «نبشرك» بسكون الباء وضم الشين، قال قتادة: سمي يَحْيى لأن الله أحياه بالنبوءة والإيمان، وقال بعضهم سمي بذلك لأن الله أحيا له الناس بالهدى. وقوله سَمِيًّا معناه في اللغة لم نجعل له مشاركا في هذا الاسم، أي لم يتسم قبل ب يَحْيى وهذا قول قتادة وابن عباس وابن أسلم والسدي، وقال مجاهد وغيره سَمِيًّا معناه مثلا ونظيرا وهذا كأنه من المساماة والسمو، وفي هذا بعد لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى اللهم إلا أن يفضل في خاص بالسؤود والحصر. وقال ابن عباس معناه لم تلد العواقر مثله. وقول زكرياء أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ اختلف الناس فيه فقالت فرقة: إنما كان طلب الولي دون تخصيص ولد فلما بشر بالولد استفهم عن طريقه مع هذه الموانع منه، وقالت فرقة: إنما كان طلب الولد وهو بحال يرجو الولد فيها بزواج غير العاقر أو تسرّ، ولم تقع إجابته إلا بعد مدة طويلة صار فيها إلى حال من لا يولد له فحينئذ استفهم وأخبر عن نفسه ب الْكِبَرِ والعتو فيه. وقالت فرقة: بل طلب الولد فلما بشر به لحين الدعوة تفهم على جهة السؤال لا على جهة الشك كيف طريق الوصول إلى هذا وكيف نفذ القدر به؟ لا أنه بعد عنده هذا في قدرة الله. و «العتي» و «العسي» المبالغة في الكبر أو يبس العود أو شيب الرأس أو عقيدة ما ونحو هذا، وقرأ حمزة والكسائي «عتيا» بكسر العين والباقون بضمها، وقرأ ابن مسعود «عتيا» بفتح العين، وحكى أبو حاتم أن ابن مسعود قرأ «عسيا» بضم العين وبالسين وحكاها الداني عن ابن عباس أيضا، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال: ما أدري أكان رسول الله ﷺ يقرأ في الظهر والعصر ولا أدري أكان يقرأ عِتِيًّا أو «عسيا» بالسين.
وحكى الطبري عن السدي أنه قال: نادى جبريل زكرياء إن الله يبشرك بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى فلقيه الشيطان فقال له إن ذلك الصوت لم يكن لملك وإنما كان لشيطان فحينئذ قال زكرياء أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ، ليثبت أن ذلك من عند الله، و «زكريا» هو من ذرية هارون عليه السلام، وقال قتادة: جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة وقيل ابن سبعين وقال الزجاج: ابن خمس وستين فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له.
وقوله قالَ كَذلِكَ قيل إن المعنى قال له الملك كَذلِكَ فليكن الوجود كما قيل لك قالَ رَبُّكَ خلق الغلام عَلَيَّ هَيِّنٌ، أي غير بدع فكما خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وأخرجتك من عدم إلى وجود كذلك أفعل الآن، وقال الطبري: معنى قوله كَذلِكَ أي الأمران اللذان ذكرت من المرأة العاقر والكبرة هو كَذلِكَ ولكن قالَ رَبُّكَ قال القاضي والمعنى عندي قال الملك كَذلِكَ أي على هذه الحال قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ. وقرأ الجمهور «وقد خلقتك»، وقرأ حمزة والكسائي «وقد خلقناك». وقوله وَلَمْ تَكُ شَيْئاً أي موجودا، قال زكرياء رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً علامة أعرف بها صحة هذا وكونه من عندك. وروي أن زكرياء عليه السلام لما عرف ثم طلب الآية بعد ذلك عاقبة الله تعالى بأن أصابه بذلك السكوت عن كلام الناس، وذلك وإن لم يكن عن مرض خرس أو نحوه ففيه على كل حال عقاب. ما روي عن ابن زيد أن

صفحة رقم 6
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية