آيات من القرآن الكريم

يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ

أخفاه وأسره من قومه، ويقال: دعا ربه دعاء سراً، لأنه علم أن دعاء السر أنفع وأسرع إجابة، ويقال: دعا ربه نداءً خفياً يعني: خالصاً. قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي، أي ضعف عظمي، وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً يعني: أخذ في الرأس شيباً وبياضاً. شَيْباً صار نصباً بالتمييز، والمعنى: اشتعل الرأس من الشيب، يقال للشيب إذا كثر جداً: قد اشتعل رأس فلان بالشيب.
ثم قال: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، يعني: لم تكن تخيب دعائي عندك إذا دعوتك.
ثمّ قال: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي، يعني: خشيت، ويقال: يعني: الورثة، ويقال: بنو العم، ويقال: العصبة من ورائي، يعني: من بعد موتي، خاف أن يَرِثَهُ غير الولد.
وروي عن قتادة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يَرْحَمُ الله تَعَالَى زَكَرِيَّا وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَةٍ» «١».
وروي عن سعيد بن العاص أنه قال: أملى علي عثمان رضي الله عنه وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ بنصب الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء، ويقال: يعني: ذهبت الموالي. وقال أبو عبيدة: لولا خلاف الناس لاتبعنا عثمان فيها.
ثم قال: وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً، يعني: عقيماً لم تلد فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يعني: ولداً. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ. وقال عكرمة: يرثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، وهكذا قال الضحاك. وقال بعضهم: يَرِثُنِي يعني: علمي وسنتي، لأن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون مالاً. وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إنَّا مَعَاشِرَ الأنْبِيَاءِ لا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ». وروى أبو الدرداء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دَرَاهِمَ وَلا دَنَانِيرَ، وَإنَّمَا وَرَّثُوا هذا العِلْمَ» ويقال: لأنه رأى من الفتن وغلبة أهل الكفر، فيخاف على إفساد مواليه إن لم يكن أحد يقوم مقامه ويخولهم بالموعظة. قرأ أبو عمرو والكسائي: يَرِثُنِي وَيَرِثُ بجزم كلا الثاءين على معنى جواب الأمر، أي أنك إذا وهبت لي ولياً يرثني، وقرأ الباقون: يَرِثُنِي وَيَرِثُ بالضم. وقال أبو عبيدة: وهذا أحب إلي. قال: معناه هب لي الذي هذه حاله وصفته، لأن الأولياء قد يكون منهم الوراثة وغيرهم، فيقول: هب لي الذي يكون ورائي وارث النبوة. ثم قال: وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا، يعني: صالحاً زكياً.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧ الى ١٠]
يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠)
قوله تعالى: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى، يعني: أوحى الله تعالى وأرسل إليه

(١) عزاه السيوطي: ٥/ ٤٧٩ إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.

صفحة رقم 368

جبريل، وأن جبريل عليه السلام أدى إليه الرسالة من الله عز وجل. قال الله تعالى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ وقد بيَّن ذلك في سورة آل عمران فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى [آل عمران: ٣٩]. ثم قال: هنا: بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا، يعني: لم نجعل لزكريا من قبل يحيى ولداً يسمى يحيى، ويقال: لم يكن قبله أحد يسمى بذلك الاسم، ويقال: لم يكن بذلك الاسم في زمانه أحد، وإنما سمي يحيى: لأنه حي بالعلم والحكمة التي أوتيها. ويقال: لأنه حي به المجالس، ويقال: لأنه حيي به عقر أمه، ويقال لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا أي نظيراً ومثالاً. قرأ حمزة نبشرك بنصب النون وجزم الباء وضم الشين بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد وضم النون ونصب الباء وكسر الشين نُبَشِّرُكَ.
فقال زكريا عند ذلك لجبريل عليه السلام: قالَ رَبِّ، يقول: يا سيدي أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ، يعني: من أين يكون لي ولد؟ ويقال: إنما قال ذلك على وجه الدعاء لله تعالى، فقال:
يا رب من أين يكون لي ولد؟ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً من الولد، وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا، يقول: تحول العظم مني يابساً، ومنه يقال: قلب عات، إذا كان قاسي القلب غير لين، ويقال لكل شيء انتهى: فقد عتى. ولم يكن زكريا شاكّاً في بشارة الله عز وجل، ولكن أحب أن يعلم من أي وجه يكون. قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص والكسائي عِتِيًّا بكسر العين وكذلك صِلِيًّا وجِثِيًّا وَبُكِيًّا إلا أن عاصماً خالفهما في بُكِيًّا، وقرأ الباقون كلها بالضم، وكان أبو عبيدة اختار الضم، لأنه أفصح اللغتين وهي قراءة أبي رضي الله عنه.
قالَ جبريل لزكريا كَذلِكَ، يعني: هكذا كما قلت إنك قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ يعني: كما قلت إنك قَدْ بلغت من الكبر عتيا ولكن الله عز وجل قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، يعني: خلقه علي يسير وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ يعني: من قبل يحيى وَلَمْ تَكُ شَيْئاً قرأ حمزة والكسائي وَقَدْ خلقناك بالنون مقدمة والألف مؤخره، وقرأ الباقون خَلَقْتُكَ وهو اختيار أبي عبيدة.
قال زكريا عليه السلام: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً في الولد. روى أسباط، عن السدي قال:
لما بشر زكريا عليه السلام جاءه الشيطان عليه اللعنة فقال: إن هذا النداء الذي نوديت ليس من الله عز وجل، وإنما هو من الشيطان ليسخر بك، ولو كان من الله عز وجل، لأوحاه إليك كما كان يوحي إليك، ف قالَ عند ذلك: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً أعلم بها أن هذا النداء منك.
قالَ الله تعالى له: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا أي: علامتك أن لا تستطيع أن تُكَلِّمَ الناس ثلاث لَيَالٍ وأنت صحيح سليم من غير خرس ولا مرض. ورجع تلك الليلة إلى امرأته فقربها، ووضع الولد في رحمها، فلما أصبح اعتقل لسانه عن كلام الناس.

صفحة رقم 369
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية