
عليه ومن أن يبلغ ويصار إليه. ولو كان آتيا لكان صوابا كما قال: ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ﴾ [الأنعام: ١٣٤] ولكن مأتيا لرؤس الآيات) (١). وقال الفراء: (مأتيا ولم يقل آتيا؛ لأن كل ما أتاك فقد أتيته ألا ترى أنك تقول: أتيت على خمسين سنة وأتت علي خمسون سنة) (٢). ونحو هذا في الزجاج سواء، ومثله بقولك: وصلت إلى خبر فلان، ووصل إلى خبر فلان (٣). وذكر ابن جرير وجهًا آخر قال: (وعده في هذه الآية موعوده وهو الجنة، ومأتيا ما يأتيه أولياؤه وأهل طاعته) (٤).
٦٢ - قوله تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ اللغو: الهدر من الكلام، واللغو ما يلغى من الكلام ويؤثم فيه (٥). وقد تقدم القول في هذا (٦). قال ابن عباس في رواية الوالبي: (لغوا: باطلاً) (٧).
وقال في رواية عطاء: (اللغو: كل ما لم يكن فيه ذكر الله) (٨).
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا سَلَامًا﴾ استثناء من غير الجنس، معناه: لكن
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٧٠.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٣٦.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٠١.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (لغا) ٤/ ٣٢٧٥، "مقاييس اللغة" (لغو) ٥/ ٢٥٥، "المفردات في غريب القرآن" (لغا) ٤٥١، "لسان العرب" (لغا) ٧/ ٤٠٤٩.
(٦) في سورة البقرة الآية رقم: (٢٥٥) قال سبحانه: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾
(٧) "الدر المنثور" ٤/ ٥٠٠، "فتح القدير" ٣/ ٤٨٥، وذكره بدون نسبة: "جامع البيان" ١٦/ ١٠٢، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٢٦.
(٨) "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٢٦، "فتح القدير" ٣/ ٤٨٥.

يسمعون سلاما (١). قال ابن عباس: (يريد ذكر الله وما يثابون عليه) (٢) (٣). وقال المفسرون: (يُحىِّ بعضُهم بعضًا بالسلام، ويرسل إليهم الرب الملائكة بالسلم) (٤). قال الزجاج: (السلام (٥): اسم جامع للخير؛ لأنه يتضمن السلامة. والمعنى: أن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤثمهم وإنما يسمعون ما يسلمهم) (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ قال ابن عباس: (ليس في الجنة بكرة ولا عشية ولكن على قدر ما يعرفون في الدنيا من الغداء والعشاء) (٧). [وقال الضحاك عنه: (يؤتون به على مقادير الليل والنهار) (٨). وقال قتادة: (كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء] (٩) أعجب به، فأخبر الله أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشيا على قدر ذلك
(٢) في (س): (يثابون عليه)، بدون واو.
(٣) ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "بحر العلوم" ٢/ ٣٢٨، "التفسير الكبير" ٢١/ ٢٣٧، "لباب التأويل" ٤/ ٢٥٢.
(٤) "جامع البيان" ١٦/ ١٠٢، "النكت والعيون" ٣/ ٣٨١، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٩٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٣، "روح المعاني" ١٦/ ١١٢.
(٥) في (س): (السلم).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٣٧.
(٧) "الدر المنثور" ٤/ ٥٠١، "فتح القدير" ٣/ ٤٨٥، وذكره بدون نسبة: "جامع البيان" ١٦/ ١٠٢، "النكت والعيون" ٣/ ٣٨١.
(٨) "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٤٣، وذكره بدون نسبة الطبري في "جامع البيان" ١٦/ ١٠٢.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).

الوقت) (١). وقال الحسن: (كانت العرب لا تعرف شيئا من العيش أفضل من الغداء والعشاء، فذكر الله جنته فقال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾) (٢). وقال الزجاج: (ليس ثم بكرة ولا عشي، ولكنهم خوطبوا بما يعقلون في الدنيا، فالمعنى: لهم رزقهم في مقدار الغداة والعشي) (٣). وهذا قول جميع أهل التأويل (٤).
وقال أهل المعاني: (لهم رزقهم على مقادير أرِفَّة عيش في الدنيا؛ لأن أَرِفَّة عيشها (٥) أن يكون الإنسان آكلا بكرة وعشيًّا كيف شاء، فضرب الله ذلك مثلًا لرغد العيش في الجنة، [وزمان الجنة] (٦) كله نهار) (٧).
(٢) "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٩٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٣، "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ١٤٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٤٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٠٠.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٣٧.
(٤) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٠، "جامع البيان" ١٦/ ١٠٢، "المحرر الوجيز" ٩/ ٤٩٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٤٣، "زاد المسير" ٥/ ٢٤٦.
(٥) في نسخة (س): (عيش).
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (س).
(٧) ويشهد لهذا ما رواه القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٢٧ قال: وخرج الترمذي في نوادر الأصول من حديث أبان عن الحسن وأبي قلابة قالا: (قال رجل: يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال: "وما هيجك على هذا؟ " قال: سمعت الله تعالى يذكر في كتابه ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ فقلت: الليل بين البكرة والعشي. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس هناك ليل إنما هو ضوء ونور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو، وتأتيهم طرف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصلاة التي كانو يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة" وهذا في غاية البيان.
وقال العلماء. ليس في الجنة ليل ولا نهار وإنما هم في نور أبدا إنما يعرفون =