آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

روى يزيد الرقاشي أن أنس بن مالك قال: إذ ولد عيسى أصبح كل صنم يعبد من دون الله خاراً على وجهه، وأقبلت الشياطين غلى إبليس تضرب وجوهها لما حدث.
ومعنى " فَقُولي " أي: أشيري إليهم بذلك، لأنها لو كلمتهم بذلك لتناقض ما عقدت على نفسها من الصمت. وهذا يدل على أن القول قد يكون غير كلام، وهو كثير في كلام العرب.
قوله تعالى ذكره: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾ إلى قوله: ﴿جَبَّاراً شَقِيّاً﴾.
المعنى: أن عيسى عليه السلام لما قال لها ذلك: اطمأنت وسلمت لأمر الله وحملته حتى أتت به قومها.
قال السدي: " لما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل أن مريم قد ولدت، فأقبلوا يشتدون، فدعوها، فأتت به قومها تحمله ". قالوا: ﴿يامريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً﴾. أي: جئت بأمر عجيب وعظيم لم يسبق مثلك إلى مثله.

صفحة رقم 4528

روي أنها خرجت من عندهم ضحى، وجاءت عند الظهر ومعها صبي تحمله فكان الحمل في ثلاثة ساعات من النهار ". وكانت مريم قد حاضت قبل ذلك حيضتين لا غير.
ثم قالوا لها: ﴿يا أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ﴾. أي يا أخت هارون في الصلاح والعبادة.
قال قتادة: كان رجلاً صالحاً في بني إسرائيل، يسمى هارون، فشبهوها به. قال: وذكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفاً كلهم يسمى هارون من بني إسرائيل سوى من ليس اسمه هارون.
وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: هو هارون أخو موسى. فقال لها كعب: يا أم المؤمنين، إن كان النبي ﷺ قاله فهو أعلم، وإلا فإني أجد بينهما ست مائة سنة، فسكتت.
وقيل: أريد بهارون هنا أخو موسى نسبت مريم إليه لأنها من ولده كما يقال

صفحة رقم 4529

للتميمي يا أخا تميم.
قال ابن جبير: كان هارون منهم رجلاً فاسقاً، فنسبوها إليه، وقد غلط بعض المؤلفين في هذا فقال: كان لها أخ صالح يسمى بهارون.
وما علمت أحداً من المفسيرين وأهل التاريخ قال هذا.
" وقال المغيرة بن شعبة: بعثني رسول الله ﷺ إلى أهل نجران فقالوا: ألستم تقرأون يا أخت هارون؟ قلت: بلى، قالوا: وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى؟ قال: فرجعت إلى النبي ﷺ. فأخبرته، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم ".
فهذا يدل على أن هارون المذكور في الآية كان رجلاً صالحاً وكانوا يسمون أولادهم بهارون لمحبتهم في ذلك الصالح الذي كان اسمه هارون.

صفحة رقم 4530

وقوله: ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ﴾.
أي: ما كان أبوك رجل سوء فيأتي الفواحش.
﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً﴾. أي زانية.
﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾. أي: لما قالوا لها ذلك أشارت لهم إلى عيسى أن كلّموه.
﴿الُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً﴾. قال قتادة: " المهد " هنا حجر أمه.
و" كان " هنا، زائدة. و " صيباً " نصب على الحال، والعامل فيه الاستقرار. والمعنى: كيف نكلم من في المهد صبياً لا يفهم مثله، ولا ينطق لسانه بكلام.
وقيل: إنّ " كان " هنا بمعنى وقع. و " صبياً " نصب على الحال والعامل فيه " كان ". والمعنى على هذا القول: كيف نكلم صبياً قد خلق في المهد.
وقيل إن " من " للشرط. و " صبياً " حال. و " كان بمعنى: وقع وخلق أيضاً. والمعنى على هذا، من كان في المهد صبياً فكيف نكلمه. كما تقول: من كان لا يسمع ولا يبصر فكيف نخاطبه. قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الكتاب﴾.
أي: قال عيسى لهم ذلك. وذلك أن مريم لما أشارت لهم إلى عيسى أن

صفحة رقم 4531

يكلموه، ظنوا أن ذلك / منها استهزاء، فغضبوا.
وقوله: ﴿آتَانِيَ الكتاب﴾.
أي: قضى أن يؤتني ذلك فيما قضى.
قال عكرمة: الكتاب: القضاء.
وقوله: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً﴾ يدل على أن الخير والشر بقدر من الله وقضاء.
قال مجاهد: أن نفاعاً معلماً للخير حيثما كنت.
وقال محمد بن كعب: لم يبعث الله نبياً إلا أتى على إثره الشدة واحتباس المطر إلا عيسى عليه السلام، فإنه أتى على إثره الرخاء والمطر، وأتت البركات بيمينه.
وقيل: معنى، " مباركاً " ثابت على دين الله وطاعته أينما كنت لأن أصل البركة الثبات على الشيء، مأخوذ من بروك البعير.
وروى ابن وهب، عن مالك بن أنس أنه قال: بلغني أن عيسى ابن مريم انتهى إلى قرية قد خربت حصونها، وجفت أنهارها وتشيعت شجرها. فنادى يا خراب، أين أهلك؟ فلم يجبه أحد ثم نادى ثانية، فلم يجبه أحد، ثم نادى الثالثة، فنودي يا

صفحة رقم 4532

عيسى ابن مريم بادوا وتضمنتهم الأرض، وعادت أعمالهم قلائد في رقابهم إلى يوم القيامة يا عيسى ابن مريم فجد.
﴿وَأَوْصَانِي بالصلاة﴾.
أي: قضى أن يوصيني بذلك.
وقوله: ﴿والزكاة﴾: هي زكاة الأموال.
وقيل: هي تطهير البدن من الذنوب.
﴿مَا دُمْتُ حَيّاً﴾ أي: وقت حياتي في الدنيا.
﴿وَبَرّاً بِوَالِدَتِي﴾ أي: وجعلني براً بوالدتي.
وقد قرأ أبو نهيك، " وَبِرٍّ "، بكسر الباء ةالراء. أي: وأوصاني ببر والدتي.
وقوله: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً﴾.
أي: ولم يجعلني مستكبراً عليه فيما أمرني به منهاني عنه، شقياً. وهذا يدل على أن الله جعل الأشقياء أشقياء، والسعداء سعداء. فهو نص ظاهر في القدر.
قال قتادة: ذكر لنا أن عيسى ﷺ كان يقول: سلوني فإن قلبي لين، وإني صغير في نفسي، مما أعطاه الله تعالى من التواضع. قال: وذكر لنا أن امرأة رأت عيسى وهو يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص. فقالت: طوبى للبطن الذي حملك، والثدي الذي

صفحة رقم 4533
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية