وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا، فيه إضمار يعني: وَما أُنْذِرُوا وهو القرآن هُزُواً:
استهزاء.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها: لم يؤمن بها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ، أي عملت يداه من الذنوب إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ، يعني القرآن وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً: ثقلا وصمما وَإِنْ تَدْعُهُمْ يا محمد إِلَى الْهُدى يعني إلى الدين فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً: لن يرشدوا ولن يقبلوه.
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا من الذنوب لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ في الدنيا بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ وهو يوم الحساب لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا: معدلا ومنجى، قال الأعشى:
وقد أخالس ربّ البيت غفلته | وقد يحاذر منّي ثمّ ما يئل «١» |
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا: كفروا، وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً: أجلا.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٠ الى ٨٢]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤)
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩)
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤)
قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩)
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ- الآية- قال ابن عباس: لما ظهر موسى (عليه السلام) وقومه على مصر أنزل قومه مصر، فلمّا استقرت بهم الدار أنزل الله عزّ وجلّ: أن ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ فخطب قومه وذكر بما آتاهم الله عزّ وجلّ من الخير والنّعمة إذ نجّاهم من آل فرعون وأهلك عدوّهم واستخلفهم في الأرض، فقال: «وكلّم الله نبيكم تكليما، واصطفاني لنفسه، وألقى عليّ محبّة منه، وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ، ونبيّكم أفضل أهل الأرض، وأنتم تقرؤون التوراة». فلم يترك نعمة أنعمها الله عزّ وجلّ عليهم إلّا ذكرها وعرّفها إيّاهم، فقال له رجل من بني إسرائيل:
قد عرفنا الذي تقول، فهل على وجه الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله؟ قال: «لا». فعتب الله عزّ وجلّ عليه حين لم يرد العلم إليه، فبعث إليه جبرئيل، فقال: «يا موسى وما يدريك أين أضع علمي؟ بل إن لي عبدا بمجمع البحرين أعلم منك». فسأل موسى ربّه أن يريه إيّاه، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه أن: «ايت البحر فإنك تجد على شط البحر حوتا، فخذه فادفعه إلى فتاك، ثمّ الزم شط البحر إذا نسيت الحوت وهلك منك فثمّ تجد العبد الصالح» «١» [٨٠].
وقال ابن عباس في رواية أخرى: سأل موسى ربّه فقال: «ربّ أي عبادك أحبّ إليك؟».
قال: «الذي يذكرني فلا ينساني». قال: «فأي عبادك أقضى؟». قال: «الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى». قال: «ربّي فأي عبادك أعلم؟». قال: «الذي يبغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدلّه على هدى أو ترده عن ردّى». قال: «إن كان في عبادك أحد هو أعلم منّي فادللني عليه». فقال له: «نعم» في عبادي من هو أعلم منك». قال: «من هو؟». قال:
«الخضر». قال: «وأين أطلبه؟». قال: «على الساحل عند الصخرة». وجعل الحوت له آية، وقال: «إذا حيّ هذا الحوت، وعاش، فإن صاحبك هناك» «٢» [٨١].
وكانا قد تزودا سمكا مالحا فذلك قوله عزّ وجلّ: وَإِذْ قالَ مُوسى بن عمران لِفَتاهُ:
صاحبه يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف. وقيل: فتاه أخو يوشع، كان معه في سفره. وقيل:
فتاه عبده ومملوكه: لا أَبْرَحُ: لا أزال أسير حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، قال قتادة: بحر فارس والروم مما يلي المشرق. وقال محمد بن كعب: طنجة «٣». وقال أبيّ بن كعب: أفريقية،
(٢) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٣٤٣ بتفاوت يسير.
(٣) المصدر السابق: ٣٣٧.
أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً وجمعه أحقاب: دهرا أو زمانا. وقال عبد الله بن عمر: والحقب ثمانون سنة. وقال مجاهد: سبعون سنة. وقيل: البحران هما موسى والخضر، كانا بحرين في العلم.
فحملا خبزا وسمكة مالحة وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين ليلا، وعندها عين تسمى ماء الحياة، لا يصيب ذلك الماء شيئا إلّا حيّ، فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده اضطربت في المكتل وعاشت ودخلت البحر، فذلك قوله عزّ وجلّ: فَلَمَّا بَلَغا، يعني: موسى وفتاه مَجْمَعَ بَيْنِهِما يعني: بين البحرين نَسِيا حُوتَهُما: تركا حوتهما، وإنما كان الحوت مع يوشع، وهو الذي نسيه فصرف النسيان إليهما، والمراد به: أحدهما كما قال:
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «١» وإنما يخرج من المالح دون العذب. وإنما جاز ذلك لأنهما كانا جميعا تزوّدا لسفرهما، فجاز إضافته إليهما، كما يقال: خرج القوم إلى موضع كذا، وحملوا معهم من الزاد كذا، وإنما حمله أحدهم، لكنه لمّا كان ذلك من أمرهم ورأيهم أضيف إليهم. فَاتَّخَذَ الحوت سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً، أي مسلكا ومذهبا يسرب ويذهب فيه.
واختلفوا في كيفية ذلك
فروى أبيّ بن كعب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «انجاب الماء عن مسلك الحوت فصارت كوّة لم تلتئم، فدخل موسى الكوّة على أثر الحوت فإذا هو بالخضر (عليه السلام) » [٨٢].
وقال ابن عباس: رأى أثر جناحه في الطين حين وقع في الماء، وجعل الحوت لا يمس شيئا إلّا يبس حتى صار صخرة.
وروى ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لمّا انتهيا إلى الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً، أمسك الله عزّ وجلّ عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ موسى (عليه السلام) نسي فتاه أن يخبره بالحوت وانطلقا بقية يومهما وليلتهما. حتى إذا كان من الغد فَلَمَّا جاوَزا قالَ موسى لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا» «٢» [٨٣].
وقال قتادة: رد الله عزّ وجلّ إلى الحوت روحه فسرب من البحر حتى أفضى إلى البحر، ثمّ سلك فجعل لا يسلك منه طريقا إلّا صار ماء جامدا طريقا يبسا. وقال الكلبي: توضّأ يوشع بن نون من عين الحياة فانتضح على الحوت المالح في المكتل من ذلك الماء فعاش، ثمّ وثب في ذلك الماء، فجعل يضرب بذنبه الماء، ولا يضرب بذنبه شيئا من الماء وهو ذاهب إلّا يبس. فَلَمَّا جاوَزا، يعني ذلك الموضع قالَ موسى لِفَتاهُ آتِنا: أعطنا غَداءَنا: طعامنا وزادنا، وذلك أن يوشع بن نون حين رأى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى ليخبره بأمر الحوت، فنسي أن يخبره فمكثا يومهما ذلك حتى صلّيا الظهر من الغد، ولم ينصب موسى في سفره ذلك إلّا يومئذ حين
(٢) مسند الحميدي: ١/ ١٨٢، وزاد المسير: ٥/ ١١٤.
جاوز الموضع الّذي أمر به، فقال لفتاه حين ملّ وتعب: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً، أي شدة وتعبا، وذلك أنه ألقي على موسى الجوع بعد ما جاوز الصخرة، ليتذكر الحوت، ويرجع إلى موضع مطلبه، فقال له فتاه وتذكر: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا: رجعنا إِلَى الصَّخْرَةِ، قال مقاتل: هي الصخرة التي دون نهر الزيت فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ؟ أي تركته وفقدته.
وقيل: فيه إضمار معناه: نسيت أن أذكر أمر الحوت، ثمّ قال: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، يعني: أنسانيه ألّا أذكره. وقيل: فيه تقديم وتأخير مجازه: وما أنسانيه أن أذكره إلّا الشيطان، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً، يجوز أن يكون هذا من قول يوشع، يقول: اتَّخَذَ الحوت سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً. وقيل: إن يوشع يقول: إن الحوت طفر إلى البحر فاتّخذ فيه مسلكا، فعجبت من ذلك عجبا. ويجوز أن يكون هذا من قول موسى، قال له يوشع: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ، فأجابه موسى: عَجَباً كأنه قال: أعجب عجبا.
وقال ابن زيد: أي شيء أعجب من حوت، كان دهرا من الدهور يؤكل منه ثمّ صار حيّا حتى حشر في البحر. قال: وكان شق حوت. وقال ابن عباس: اتَّخَذَ موسى سبيل الحوت فِي الْبَحْرِ عَجَباً. قال وهب: ظهر في الماء من أثر جري الحوت شق وأخدود شبه نهر من حيث دخلت إلى حيث انتهت. فرجع موسى حتى انتهى إلى مجمع البحرين، فإذا هو بالخضر (عليه السلام)، فذلك قوله: قالَ موسى لفتاه: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ أي نطلب، يعني الخضر فَارْتَدَّا: فرجعا عَلى آثارِهِما قَصَصاً: يقصان الأثر: يتبعانه.
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا يعني الخضر «١» واسمه بليا بن ملكان بن يقطن، والخضر لقب له، سمّي بذلك، لما
[أخبرنا عبد الله بن حامد عن مكّي بن عبدان: أخبرنا أبو الأزهر عن عبد الرزاق عن] «٢» معمر عن همام بن منبّه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما سمي الخضر خضرا لأنه جلس على فروة بيضاء فاهتزت «٣» تحته خضراء» «٤» [٨٤].
[قال عبد الرزاق: فروة بيضاء يعني: حشيشة يابسة، [و] فروة: قطعة من الأرض فيها نبات] «٥». وقال مجاهد: إنما سمي الخضر لأنه إذا صلّى اخضرّ ما حوله. وروى عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سلمان قال: رأى موسى الخضر (عليه السلام) على طنفسة خضراء على وجه الماء، فسلّم عليه.
وقال ابن عباس عن أبيّ بن كعب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
(٢) من نسخة ثانية، وفي النسخة المعتمدة بدله: روى.
(٣) في المصدر: فإذا هي تهتز.
(٤) كنز العمال: ١٢/ ٧٢ ح ٣٤٠٤٨.
(٥) زيادة عن نسخة أصفهان.
قال: «انتهى موسى إلى الخضر (عليه السلام) وهو نائم عليه ثوب مسجىّ، فسلّم عليه فاستوى جالسا قال: وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل. قال موسى: وما أدراك بي؟ ومن أخبرك أني نبيّ بني إسرائيل؟ قال الذي أدراك بي ودلّك عليّ» «١» [٨٥].
وقال سعيد بن جبير: وصل إليه وهو يصلي، فلما سلّم عليه قال: وأنّى بأرضنا السلام؟! ثمّ جلسا يتحدّثان فجاءت خطّافة وحملت بمنقارها من الماء، قال الخضر: يا موسى خطر ببالك أنّك أعلم أهل الأرض، ما علمك وما علم الأولين والآخرين في جنب الله إلّا أقلّ من الماء الذي حملته الخطافة، فذلك قوله تعالى: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً. قالَ لَهُ: للعالم مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً:
صوابا؟ قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً لأني أعمل بباطن علم علّمنيه ربّي عزّ وجلّ، وَكَيْفَ تَصْبِرُ يا موسى عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً، يعني على ما لم تعلم؟ وقال ابن عباس:
وذلك أنه كان رجلا يعمل على الغيب.
قالَ موسى: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً. قال: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ مما تنكر حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً: حتى ابتدئ لك بذكره، وأبيّن لك شأنه. فَانْطَلَقا يسيران يطلبان سفينة يركبانها حَتَّى إِذا أصابها رَكِبا فِي السَّفِينَةِ، فقال أهل السفينة: هؤلاء لصوص، فأمروهما بالخروج منها، فقال صاحب السفينة: ما هم بلصوص ولكنّي أرى وجوه الأنبياء.
وقال أبي بن كعب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما دخلوا إلى البحر أخذ الخضر فأسا فخرق لوحا من السفينة حتّى دخلها الماء فحشاها موسى ثوبه وقال له: أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها» «٢» [٨٦]
. وقرأ أهل الكوفة (لِيَغْرِقَ) بالياء المفتوحة (أَهْلُها) برفع اللام على أن الفعل لهم، وهي قراءة ابن مسعود، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أي منكرا. قال القتيبي: عجبا. والإمر في كلام العرب الداهية، قال الراجز:
قد لقي الأقران منّي نكرا | داهية دهياء إدّا إمرا «٣» |
قالَ العالم أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. قالَ موسى: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ
[أخبرنا أبو عبد الله بن حامد الورّاق عن حامد بن محمد قال: قال أبو سعد بن موسى المروروذي ببغداد، وأخبرنا محمد بن أبي ناجية الاسكندراني عن سفيان بن عيينة عن عمر بن
(٢) صحيح البخاري: ١/ ٣٩ بتفاوت.
(٣) الصحاح: ٢/ ٥٨١.
دينار عن] «١» عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كانت الأولى من أمر النسيان، والثانية القدر، ولو صبر موسى لقص الله علينا أكثر مما قص» [٨٧] «٢».
وقال أبي بن كعب: أما إنه لم ينس، ولكنه من معاريض الكلام. وقال ابن عباس: معناه بما تركت من عهدك، وَلا تُرْهِقْنِي: تعجلني «٣» : وقيل: لا تغشني «٤» مِنْ أَمْرِي عُسْراً، يقول: لا تضيّق عليّ أمري وصحبتي معك.
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً، قال سعيد بن جبير: وجد الخضر غلمانا يلعبون، وأخذ غلاما ظريفا وضيء الوجه، فأضجعه ثمّ ذبحه بالسكين. وقال ابن عباس: كان لم يبلغ الحلم.
وقال الضحّاك: كان غلاما يعمل بالفساد، وتأذّى منه أبواه: وكان اسمه خش بوذ. وقال شعيب الحيّاني: اسمه حيشور «٥»، وقال وهب بن منبّه كان اسم أبيه ملاس، واسم أمه رحمي. وقال الكلبي كان فتى يقطع الطريق، ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه ويحلفان دونه، فأخذه الخضر فصرعه ثمّ نزع من جسده رأسه. وقال قوم: رفسه برجله فقتله. وقال آخرون: ضرب رأسه بالجدار فقتله.
[أخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله بن سليمان عن يحيى بن قيس عن أبي إسحاق عن] «٦» سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب قال: سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا «٧» فلمّا قتله قال له موسى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً؟» [٨٨]
. أي طاهرة. وقيل: مسلمة. قال الكسائي: الزاكية والزكية لغتان مثل القاسية والقسيّة. قال أبو عمرو: الزاكية: التي لم تذنب قط، والزكية: التي أذنبت ثمّ تابت. بِغَيْرِ نَفْسٍ أي من غير أن قتلت نفسا أوجب عليها القود، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً:
منكرا؟ وقال قتادة وابن كيسان: النكر: أشد وأعظم من الإمر.
قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها أي هذه المرّة فَلا تُصاحِبْنِي: فارقني قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً في فراقي.
[أخبرنا عبد الله بن حامد عن مكّي بن عبدان عن عبد الرحمن بن بشير عن حجاج بن محمد: أخبرنا حمزة الزّيات عن أبي إسحاق عن] «٨» سعيد بن جبير عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
(٢) تاريخ مدينة دمشق: ٦١/ ١٥٥ ط. دار الفكر.
(٣) زاد المسير: ٥/ ١٢٠ ونسبه للفراء.
(٤) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٣٥٤.
(٥) ذكره في عرائس المجالس: ١٧٢، بلفظ: حسنود.
(٦) زيادة عن نسخة أصفهان.
(٧) مسند أحمد: ٥/ ١٢١. [.....]
(٨) زيادة عن نسخة أصفهان.
إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: «رحمة الله علينا وعلى أخي موسى، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب [العجاب] «١»، ولكنه قال: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً» «٢» [٨٩].
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ قال ابن عباس: يعني أنطاكية. وقال ابن سيرين: أيلة «٣»، وهي أبعد أرض الله من السّماء اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما، أي ينزّلوهما منزلة الأضياف وذلك أنهما استطعماهم فلم يطعموهما، واستضافاهم فلم يضيفوهما.
[أخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله بن سلمان عن يحيى بن قيس عن أبي إسحاق عن] «٤» سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما قال: «كانوا أهل قرية لئاما» [٩٠] «٥».
وقال قتادة في هذه الآية: شر القرى التي لا تضيف الضيف، ولا تعرف لابن السبيل حقّه.
فَوَجَدا فِيها، أي في القرية جِداراً، قال وهب: كان جدارا طوله في السماء مائة ذراع، يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ هذا من مجاز الكلام، لأن الجدار لا إرادة له، وإنما معناه: قرب ودنا من ذلك، كقول الله تعالى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ «٦». قال ذو الرمّة:
قد كاد أو [قد] هم بالبيود «٧»
وقال بعضهم: إنما رجع إلى صاحبه، لأن هذه الحالة إذا كانت من ربّه فهو إرادته، كقول الله تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ «٨» وإنما يسكت صاحبه. وقال: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ «٩» وإنما يعزم أهله. قال الحارثي:
يريد الرمح صدر أبي براء | ويرغب عن دماء بني عقيل «١٠» |
(٢) السنن الكبرى: ٦/ ٣٩٢، وفيه: العاجب، بدل: العجاب.
(٣) من عرائس المجالس، وفي المخطوط: الأيلة.
(٤) زيادة عن نسخة أصفهان.
(٥) كنز العمال: ٢/ ٤٦١ ح ٤٥٠٠.
(٦) سورة مريم: ٩٠.
(٧) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٢٩٠.
(٨) سورة الأعراف: ١٥٤.
(٩) سورة محمد: ٢١.
(١٠) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٣٥٨، ولسان العرب: ٣/ ١٨٩ وفيه ويعدل بدل ويرغب.
إنّ دهرا يلف شمل سليمى | لزمان يهمّ بالإحسان «١» |
انصدعت من أصلها. وقال بعض الكوفيين: الانقياض: الشق طولا، يقال: انقاض الحائط والسن وطيّ البئر، إذا انشقت طولا. فَأَقامَهُ: سوّاه. قال ابن عباس: هدمه ثمّ قعد يبنيه.
وقال سعيد بن جبير: مسح الجدار ودفعه بيده، فاستقام. قال موسى: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ، وقرأ أبو عمرو: (لتخذت) وهما لغتان مثل قولك: (اتّبع) و (تبع)، و (اتّقى) و (تقى)، قال الشاعر:
وقد تخدت رحلي إلى جنب غرزها | نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق «٢» |
تخذوا الحديد من الحديد معاولا | سكانها الأرواح والأجساد |
ف قالَ الخضر (عليه السلام) : هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ قرأ لاحق بن حميد: (فِراقٌ) بالتنوين، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً. أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ قال كعب: كانت لعشرة إخوة: خمسة منهم زمنى، وخمسة منهم يعملون في البحر. وفي قوله:
لِمَساكِينَ دليل على أن المسكين وإن كان ملك شيئا فلا يزول عنه اسم المسكنة إذا كانت به حاجة إلى ما هو زيادة على ملكه، ويجوز له أخذ الزكاة. [وأخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن علي الحمشادي، عن أحمد بن الحسين بن علي الرازي قال: أبو الحسن أحمد بن زكريا المقدسي عن إبراهيم بن عبد الله الصنعاني عن إبراهيم] «٣» بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: قوله: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، كانوا مساكين والسفينة تساوي ألف دينار؟ قال: إن المسافر مسكين ولو كان معه ألف دينار. فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ أي أمامهم وقدّامهم كقوله تعالى: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ «٤» ومِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ «٥» أي أمامهم. قال الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي | وقومي تميم والفلاة ورائيا «٦» |
(٢) الصحاح: ٤/ ١٤٣١.
(٣) زيادة عن نسخة أصفهان، وفي النسخة المعتمدة بدله: وروى. [.....]
(٤) سورة إبراهيم: ١٦.
(٥) سورة المؤمنون: ١٠٠.
(٦) لسان العرب: ١٥/ ٣٩٠.
وقيل: وَراءَهُمْ: خلفهم، وكان رجوعهم في طريقهم عليه، ولم يكونوا يعلمون بخبره فأعلم الله الخضر (عليه السلام) بخبره. مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، أي كل سفينة صالحة، فاكتفى بدلالة الكلام عليه، يدل عليه ما روى سفيان عن عمر بن دينار عن ابن عباس أنه يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا). فخرقها وعيّبها، لئلّا يتعرض لها ذلك الملك، واسمه جلندى وكان كافرا. قال محمد بن إسحاق: وكان اسمه منواه بن جلندى الأردني. وقال شعيب الجبائي اسمه هدد بن بدد.
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا، أي فعلمنا. وفي مصحف أبيّ: (فخاف ربك) أي علم، ونظائره كثيرة. وقال قطرب: معناه فكرهنا، كما تقول: فرّقت بين الرّجلين خشية أن يقتتلا، وليست فيك خشية ولكن كراهة أن يقتتلا. أَنْ يُرْهِقَهُما، أي يهلكهما. وقيل:
يغشاهما. وقال الكلبي: يكلّفهما طُغْياناً وَكُفْراً، قال سعيد بن جبير: خشينا أن يحملهما حبّه على أن يدخلهما معه في دينه.
فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً: صلاحا وإسلاما وَأَقْرَبَ رُحْماً هو من الرحم والقرابة. وقيل: هو من الرحمة، يقال: رحم ورحم للرحمة، مثل هلك وهلك، وعمر وعمر، قال العجّاج:
ولم تعوّج رحم من تعوّجا «١»
قال ابن عباس: وَأَقْرَبَ رُحْماً يعني: وأوصل للرحم وأبرّ بوالديه. قال قتادة: أقرب خيرا، وقال ابن جريج: يعني أرحم به منهما بالمقتول. وقال الفراء: وأقرب أن يرحما له. قال الكلبي: أبدلهما الله جارية، فتزوّجها نبيّ من الأنبياء، فولدت له نبيا فهدى الله عزّ وجلّ على يديه أمّة من الأمم.
[وأخبرنا عبد الله بن حامد عن حامد بن أحمد قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن الحرث القاضي عن عبد الوهّاب بن فليح عن ميمون بن عبد الله القدّاح عن] «٢» جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية قال: «أبدلهما جارية فولدت سبعين نبيا» «٣» [٩١].
وقال ابن جريج: أبدلهما بغلام مسلم وكان المقتول كافرا وكذلك هو في حرف ابي: (فأما الغلام فكان كافرا، وكان أبواه مؤمنين). وقال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب.
(٢) ليس في النسخة المعتمدة.
(٣) تفسير مجمع البيان: ٦/ ٣٧٦.
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ واسمهما أصرم وصريم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما اختلفوا في ذلك الكنز ما هو، فقال بعضهم: صحف فيها علم مدفونة تحته، وهو قول سعيد ابن جبير. وقال ابن عباس: ما كان الكنز إلّا علما،
وقال الحسن وجعفر بن محمد: «كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يوقن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمئن إليها. لا إله إلّا الله، محمد رسول الله» «١».
وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا القول مرفوعا في بعض الروايات أنه كان مكتوبا في ذلك اللوح تحت ما ذكر هذه الآيات: «يا أيّها المهتم هما لا تهمّه، إنك إن تدركك الحمّى تحمّ [....] «٢» علوت شاهقا من العلم كيف توقيك وقد جفّ القلم؟!» [٩٢].
وقال عكرمة كان ذلك الكنز مالا.
[أخبرنا أبو بكر الحمشادي: حدثنا أبو الحسن أحمد ابن محمد بن قيدوس الطرائقي عن عثمان بن سعيد عن صفوان بن صالح الثقفي «٣» عن الوليد بن مسلم عن يزيد بن يوسف الصنعاني عن يزيد بن أبي يزيد عن] «٤» مكحول عن [أبي] «٥» الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما، قال: «كان ذهبا وفضّة» «٦» [٩٣].
وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً، واسمه كاشح، وكان من الأتقياء. ذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما ولم يذكر منهما صلاح، وكان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء، وكان سيّاحا.
[وأخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد عن بشر بن موسى عن الحميدي عن] «٧» سفيان عن محمد ابن سوقة عن محمد بن المنكدر قال: إنّ الله عزّ وجلّ ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده، وعشيرته التي هو فيها، والدويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله وستره.
وعن سعيد بن المسيّب أنه كان إذا رأى ابنه قال: أي بني لأَزيدن صلاتي من أجلك، رجاء أن أحفظ فيك. ويتلو هذه الآية. [وأخبرنا عبد الله بن حامد عن الحسين بن محمد بن الحسين البلخي عن أحمد بن الليث بن الخليل عن عمر بن محمد قال: حدّثني محمد بن الهيثم
(٢) بياض في مصوّرة المخطوط.
(٣) في نسخة أصفهان: الدمشقي. هامش المخطوط.
(٤) ليس في النسخة المعتمدة.
(٥) من عرائس المجالس: ١٧٤، وفي المخطوط: أم.
(٦) زاد المسير: ٥/ ١٢٦.
(٧) زيادة عن نسخة أصفهان.