
ما شهدته. قال: ثمّ ذكرت قول الله تعالى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي، فعلمت أنه لا يكون ذرية إلّا من زوجة، قلت: نعم. فأخذ دنّه وانطلق، قال: فرأيت أنه مختاري. قال ابن زيد: إبليس أبو الجن كما إنّ آدم (عليه السلام) أبو الإنس. قال الله تعالى لإبليس: إني لا أخلق لآدم ذرية إلّا ذرأت لك مثلها، [كلما] «١» ولد لآدم. قال قتادة: إنهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم، وما ولد لآدم ذريّة إلّا ولد له مثله، فليس من ولد آدم أحد إلّا له شيطان قد قرن به. بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا، أي بئس البدل لإبليس وذريّته من الله. قال قتادة: بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم: طاعة إبليس وذريّته.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥١ الى ٥٩]
ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥)
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩)
ما أَشْهَدْتُهُمْ: ما أحضرتهم، يعني إبليس وذريته. وقيل: يعني الكافرين أجمع. قال الكلبي: يعني ملائكة السماوات. وقرأ أبو جعفر: (ما أشهدناهم) بالنون والألف على التعظيم، خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فأستعين بهم على خلقها، وأشاورهم وأوامرهم فيها، وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً: أنصارا وأعوانا.
وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا قرأ حمزة بالنون. الباقون بالياء لقوله: شُرَكائِيَ ولم يقل:
شركاءنا. شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنهم شركائي، فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ يعني بين الأوثان وعبدتها. وقيل: بين أهل الهدى والضلالة مَوْبِقاً، قال عبد الله بن عمر:
هو واد عميق في جهنم يفرق به يوم القيامة بين أهل لا إله إلّا الله، وبين من سواهم. وقال ابن عباس: هو واد في النار. وقال مجاهد: واد من حميم. وقال عكرمة: هو نهر في النار يسيل

نارا، على حافتيه حيّات مثل البغال الدهم، فإذا بادرت إليهم لتأخذوهم استغاثوا بالاقتحام في النّار منها. وقال الحسن: عداوة. وقال الضحّاك وعطاء: مهلكا. وقال أبو عبيد: موعدا، وأصله الهلاك، يقال: أوبقه يوبقه إيباقا، أي أهلكه، ووبق يبق وبقا، أي هلكة، ويقال: وبق يوبق ويبق ويأبق، وهو وابق ووبق، والمصدر: وبق، ووبوق.
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ: المشركون النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها: داخلوها. وقال مجاهد:
مقتحموها وقيل: نازلوها وواقعون فيها. وقرأ الأعمش: (ملاقوها)، يعني مجتمعين فيها، والهاء الجمع «١» وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الكافر ليرى جهنم فيظن أنه مواقعها «٢» من مسيرة أربعين سنة» «٣» [٧٩].
وَلَقَدْ صَرَّفْنا: بيّنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ليتذكروا ويتّعظوا وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا: خصومة في الباطل، يعني أبيّ بن خلف الجمحي، وقيل: إنه عام ليس بخاص، واحتجّوا بما
روى الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه قال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرقه هو وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا تصلّون؟ فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله تعالى، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قلت ذلك له ولم يرجع شيئا، فسمعته وهو يضرب فخذه ويقول: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» ! «٤».
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا يعني من أن يؤمنوا، إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى: القرآن والإسلام ومحمد صلّى الله عليه وسلّم وَيَسْتَغْفِرُوا: ومن أن يستغفروا ربهم إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ يعني سنتنا في إهلاكهم أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا، قال ابن عباس: عيانا. قال الكلبي: هو السّيف يوم بدر.
قال مجاهد: فجأة. ومن قرأ قُبُلًا، بضمتين، أراد به: أصناف العذاب.
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا:
يبطلوا ويزيلوا بِهِ الْحَقَّ، قال السّدي: ليفسدوا، وأصل الدّحض: الزلق، يقال: دحضت رجله أي زلقته. وقال طرفة:
أبا منذر رمت الوفاء فهبته | وحدت كما حاد البعير عن الدحض «٥» |
(٢) في المصدر: أنها مواقعته.
(٣) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٣٣٠.
(٤) مسند أحمد بن حنبل: ١/ ١١٢.
(٥) تاج العروس: ٥/ ٢٨.