
وقوله (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) الفعل للعينين: لا تنصرف عيناك عنهم. وهذه نزلت فِي سلمان وأصحابه.
وقوله (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) متروكًا قد تُرك فِيهِ الطاعة وغُفِلَ عنها. ويُقال إنه أفرط فِي القول فقال: نحن رءوس مُضَر وأشرافها، وليس كذلك. وهو عيينة ابن حصن. وقد ذكرنا «١» حديثه فى سورة الأنعام.
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ [٣٠] خبر (الَّذِينَ آمَنُوا) فِي قوله (إِنَّا لا نُضِيعُ) وهو مثل قول الشاعر:
إن الخليفة إنّ الله سَرْبله | سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهَا تُزْجَى الخواتيمُ «٢» |
وإن شئت جعلت خبرهم مؤخّرًا كأنك قلت: إن الَّذِينَ آمنوا وعملوا الصالِحات أولئكَ لَهم جنَّات عدن.
وقوله: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ [٣١] لو ألقيت (مِنْ) مِنَ الأساور كانت نصبًا. ولو ألقيت (مِنْ) مِنَ الذهب جاز نصبه عَلَى بعض القبح، لأن الأساورَ لَيْسَ بِمعلوم عددها، وإنما يحسن «٤»
(٢) «بها» كذا والسربال مذكر فكأنه أراد الحلة. وفى الطبري: «به» وقوله: «تزجى» أي تدفع وتساق. وفى الطبري: «ترجى».
(٣) الآية ٢١٧ سورة البقرة.
(٤) ا: «حسن».

النصب فِي المفسر إذا كَانَ معروف العدد، كقولك: عندي جُبَّتان خَزّا، وأسواران ذهبًا، وثلاثة أساور ذهبًا. فإذا قلت: عندي أساورُ ذهبًا فلم تبيّن عددها كَانَ بِمن، لأن المفسر ينبغي لِمَا قبله أن يكون معروف المقدار. ومثله قَوْل الله تبارك وتعالى (وَيُنَزِّلُ «١» مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) المعنى: فيها جبال بَرد، فدخلت (من) لأن الجبال غير معدودة فِي اللفظ. ولكنه يَجوز كأنك تريد بالجبال والأساور الكثيرة، كقول القائل: ما عنده إلا خاتمان ذهبًا قلت أنت: عنده خواتم ذهبًا لمّا أن كَانَ ردًّا عَلَى شيء معلوم العدد فأنزل الأساورَ والجبال من بَرد عَلَى هَذَا المذهب.
فأما (يُحَلَّوْنَ) فلو قَالَ قائل: يَحْلَون لجازَ، لأن العرب تَقُولُ: امرأة حالية، وقد حليت فهي تحلى إذا لبست الْحُلِيّ فهي تحلى حُلِيًّا وحَلْيًا.
وقوله (نِعْمَ الثَّوابُ) ولم يقل: نعمت الثواب، وقال (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) فأنَّثَ الفعل عَلَى معنى الجنَّة ولو ذكر بتذكير المرتفق كَانَ صوابًا، كما قَالَ (وَبِئْسَ «٢» الْمِهادُ)، وبئس «٣» القرار)، (وَبِئْسَ «٤» الْمَصِيرُ) وكما قال (بِئْسَ «٥» لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) يريد إبليس وذريته، ولم يقل بئسوا.
وقد يكون (بئس) لإبليس وحده أيضًا. والعرب تُوحد نعم وبئس وإن كانتا بعد الأسماء فيقولون:
أما قومك فنعموا قومًا، ونعم قومًا، وكذلك بئس. وإنما جازَ توحيدها لأنهما ليستا «٦» بفعل يلتمس معناه، إنما أدخلوهما لتدلا عَلَى المدح والذم، ألا ترى أن لفظهما لفظ فَعَل «٧» وليس معناهما كذلك، وأنه لا يُقال منهما يبأس الرجل زيد، ولا ينعم الرجل أخوك، فلذلك استجازوا الجمع
(٢) الآية ١٩٧ سورة آل عمران. وورد فى مواضع أخر.
(٣) الآية ٢٩ سورة إبراهيم.
(٤) الآية ١٢٦ سورة البقرة. وورد فى مواطن أخر.
(٥) الآية ٥٠ سورة الكهف.
(٦) ا: «ليسا».
(٧) يريد لفظ الفعل الماضي.