
أفحسبوا أن يتخذوهم أولياء، كلا بل هم أعداءٌ لهم يتبرؤون منهم. والثاني: أن يتخذوهم أولياء ولا أغضبُ ولا أعاقُبهم. وروى أبان عن عاصم، وزيد عن يعقوب: «أَفَحَسْبُ» بتسكين السين وضمّ الباء، وهي قراءة عليّ، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وابن يعمر، وابن محيصن ومعناها: أفيكفيهم أن يتخذوهم أولياء؟ فأما النُّزُل ففيه قولان: أحدهما: أنه ما يُهيَّأَ للضيف والعسكر، قاله ابن قتيبة. والثاني: أنه المنزل، قاله الزّجّاج.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٦]
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦)
قوله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا فيهم قولان: أحدهما: أنهم القسِّيسون والرهبان، قاله عليّ، والضحاك. والثاني: اليهود والنصارى، قاله سعد بن أبي وقاص.
قوله تعالى: أَعْمالًا منصوب على التمييز، لأنه لما قال: بِالْأَخْسَرِينَ كان ذلك مبهماً لا يدل على ما خسروه، فبيَّن ذلك في أي نوع وقع. قوله تعالى: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ أي: بطل عملهم واجتهادهم في الدنيا، وهم يظنون أنهم محسنون بأفعالهم. فرؤساؤهم يعلمون الصحيح، ويؤثرون الباطل لبقاء رئاستهم، وأتباعُهم مقلِّدون بغير دليل. أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ جحدوا دلائل توحيده، وكفروا بالبعث والجزاء، وذلك أنهم بكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلّم والقرآن، صاروا كافرين بهذه الأشياء فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي: بطل اجتهادهم، لأنه خلا عن الإِيمان فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً وقرأ ابن مسعود، والجحدري: «فلا يُقيم» بالياء. وفي معناه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه إِنما يثقل الميزان بالطاعة، وإِنما توزن الحسنات والسيئات، والكافر لا طاعة له. والثاني: أن المعنى: لا نُقيم لهم قَدْراً.
قال ابن الأعرابي في تفسير هذه الآية: يقال: ما لفلان عندنا وزن، أي: قَدْر، لخسَّته. فالمعنى: أنهم لا يُعتدُّ بهم، ولا يكون لهم عند الله قدر ولا منزلة.
(٩٤٥) روى أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «يؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة، اقرءوا إِن شئتم: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً».
والثالث: أنه قال: «فلا نقيم لهم» لأن الوزن عليهم لا لهم، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: ذلِكَ جَزاؤُهُمْ أي: الأمر ذلك الذي ذكرت من بطلان عملهم وخِسَّة قدرهم، ثم ابتدأ فقال: جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ، وقيل: المعنى: ذلك التصغير لهم، وجزاؤهم جهنم، فأضمرت واو الحال. قوله تعالى: بِما كَفَرُوا أي: بكفرهم واتخاذهم آياتِي التي أنزلتها وَرُسُلِي هُزُواً أي:
مهزوءا به.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٨]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨)

قوله تعالى: كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ قال ابن الأنباري: كانت لهم في علم الله قبل أن يُخلَقوا.
وروى البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال:
(٩٤٦) «جِنانُ الفردوس أربع، ثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما، وثنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيها، وليس بين القوم وبين أن ينظروا إِلى ربهم إِلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن».
(٩٤٧) وروى عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، الفردوس أعلاها، ومنها تفجَّر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس». قال أبو أمامة: الفردوس سرّة الجنة. قال مجاهد: الفردوس: البستان بالرومية.
وقال كعب، والضحاك: «جنات الفردوس» : جنات الأعناب. قال الكلبي، والفراء: الفردوس: البستان الذي فيه الكرم. وقال المبرد: الفردوس فيما سمعت من كلام العرب: الشجر الملتفّ، والأغلب عليه العنب. وقال ثعلب: كل بستان يحوّط عليه فهو فردوس، قال عبد الله بن رواحة:
في جنان الفردوس ليس يخافون | خروجاً عنها ولا تحويلا |
فردوساً. وقال أهل اللغة: الفردوس مذكَّر، وإِنما أنث في قوله تعالى: يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ «١». لأنه عنى به الجنة. وقال الزجاج: وقيل: الفردوس: الأودية التي تنبت ضروباً من النبت، وقيل: هو بالرومية منقول إِلى لفظ العربية، قال: والفردوس أيضاً بالسريانية كذا لفظه: فردوس، قال:
ولم نجده في أشعار العرب إِلا في شعر حسان، وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين، لأنه عند أهل كل لغة كذلك، وبيت حسان:
فَإِنِّ ثَوَابَ اللهِ كلَّ مُوَحِّدٍ | جِنَانٌ مِنَ الفردوس فيها يخلّد «٢» |
«جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إِلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن».
صحيح. أخرجه الترمذي ٢٥٣١ وأحمد ٥/ ٣١٦ والطبري ٢٣٤٠٦ و ٢٣٤٠٧ والحاكم ١/ ٨٠ والبيهقي في «البعث» ٢٤٨ من حديث عبادة بن الصامت، وإسناده صحيح. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وله شواهد كثيرة عند الطبري والبيهقي. وانظر «تفسير الشوكاني» ١٥٣٦ بتخريجنا.
__________
(١) سورة المؤمنون: ١١.
(٢) البيت في ديوانه: ١٥٠ واللسان- فردس-.