
٨- كرر الله تعالى ذكر سبب العذاب لهؤلاء الكفار للتأكيد، فأخبر بأن جزاءهم جهنم بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله وتكذيبهم رسل الله، وإنكارهم معجزات الأنبياء.
جزاء المؤمنين وسعة معلومات الله وتوحيده
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٧ الى ١١٠]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)
الإعراب:
خالِدِينَ فِيها حال.
لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا حِوَلًا مفعول لا يَبْغُونَ أي لا يطلبون ولا يتمنون عنها متحولا.
وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً مَدَداً تمييز.
أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ أن: المكفوفة بما: باقية على مصدريتها، والمعنى: يوحى إلي وحدانية الإله.
المفردات اللغوية:
كانَتْ لَهُمْ فيما سبق من علم الله وحكمه ووعده الْفِرْدَوْسِ أعلى درجات الجنان وأوسطها، والإضافة إليه للبيان، وأصله: البستان الذي يجمع أشجار الفاكهة نُزُلًا منزلا لا يَبْغُونَ لا يطلبون حِوَلًا تحولا إلى غيرها إذ لا يجدون أطيب منها، حتى تنازعهم إليه أنفسهم لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً أي لو كان ماء البحر ما يكتب به من الحبر، وأصله: ما يمدّ به

الشيء، كالحبر للدواة لِكَلِماتِ رَبِّي لكلمات علمه وحكمته ومعلوماته غير المتناهية، بأن تكتب به لَنَفِدَ الْبَحْرُ في كتابتها تَنْفَدَ تفرغ وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ أي بمثل البحر مَدَداً زيادة فيه، لنفد، ولم تفرغ هي.
أَنَا بَشَرٌ آدمي يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ يأمل ويطمع حسن لقائه بالبعث والجزاء.
والرجاء: تأمل شيء سارّ في المستقبل، ولِقاءَ رَبِّهِ هو البعث وتوابعه. فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً يرتضيه الله وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أي بأن يرائي في عبادته، أو يطلب منه أجرا.
سبب النزول:
نزول الآية (١٠٩) :
قُلْ: لَوْ كانَ الْبَحْرُ: أخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه، فنزلت: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. وقالت اليهود: أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة، فقد أوتي خيرا كثيرا، فنزلت: قُلْ: لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي الآية.
نزول الآية (١١٠) :
فَمَنْ كانَ يَرْجُوا:
أخرج ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص عن طاوس قال: قال رجل: يا رسول الله، إني أقف أريد وجه الله، وأحب أن يرى موطني، فلم يرد عليه شيئا، حتى نزلت هذه الآية: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ، فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً خبر مرسل، وأخرجه الحاكم في المستدرك موصولا عن طاوس عن ابن عباس، وصححه على شرط الشيخين (البخاري ومسلم).
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان رجل من المسلمين يقاتل، وهو يحب أن يرى مكانه، فأنزل الله: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الآية.

وأخرج أبو نعيم وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال: قال جندب بن زهير: إذا صلى الرجل، أو صام، أو تصدق، فذكر بخير ارتاح له، فزاد في ذلك لمقالة الناس له، فنزلت في ذلك: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الآية.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى ما أعد للكافرين، ذكر ما أعد للمؤمنين، ثم ختم السورة ببيان سعة علم الله واتساع معلوماته وأنها غير متناهية، والاعلام ببشرية النبي ومماثلته لبقية الناس في ذلك، وأن علمه مستمد من الوحي الإلهي، والتنبيه على الوحدانية، والحض على ما فيه النجاة في الآخرة. قال البيضاوي: والآية جامعة لخلاصة العلم والعمل، وهما التوحيد والإخلاص في الطاعة، بالبعد عن الرياء وهو الشرك الأصغر أو الخفي.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن أصداد صفات الكافرين الذين ذكروا قبل المؤمنين، فيقول:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا أي إن السعداء هم الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا المرسلين فيما جاؤوا به، وعملوا صالح الأعمال من إقامة الفرائض والتطوعات، ابتغاء رضوان الله، لهم جنات الفردوس (وهي أعلى الجنة وأوسعها وأفضلها) منزلا معدّا لهم، مبالغة في إكرامهم. والفردوس في كلام العرب: الشجر الملتف، والأغلب عليه العنب، وفي اللغة الرومية: البستان.
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة».

خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا أي مقيمين ساكنين فيها على الدوام، لا يختارون عنها غيرها، ولا يحبون سواها، ولا يريدون تحولا عنها.
أخرج أحمد والترمذي عن عبادة بن الصامت أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «إن في الجنة مائة درجة، كل درجة منها ما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومن فوقها يكون العرش، ومنه تفجر أنهار الجنة الأربعة، فإذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس».
ثم يخبر الله تعالى عن عظمة شأن القرآن وسعة علم الله، فيقول:
قُلْ: لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي، لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي، وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً أي قل أيها الرسول لهم: لو كتبت كلمات علم الله وحكمته، وكان ماء البحر حبرا للقلم الذي يكتب به، والقلم يكتب، لنفد البحر قبل أن يفرغ من كتابة ذلك، ولو جيء بمثل البحر آخر وآخر وهكذا لنفد أيضا، ولم تنفد كلمات الله. وهذا دليل على كثرة كلمات الله، وسعة علم الله وحكمته وأسراره، بحيث لا تضبطها الأقلام والكتب.
ونظير الآية قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ، ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان ٣١/ ٢٧].
وقال الربيع بن أنس: إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها، وقد أنزل الله ذلك: قُلْ: لَوْ كانَ الْبَحْرُ... الآية، يقول: لو كانت تلك البحور مدادا لكلمات الله، والشجر كله أقلام، لانكسرت الأقلام، وفني ماء البحر، وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء لأن أحدا لا يستطيع أن يقدر قدره، ولا يثني عليه كما ينبغي، حتى يكون هو الذي يثني على نفسه، إن ربنا كما يقول، وفوق ما نقول، إن مثل نعيم الدنيا أولها وآخرها في نعيم الآخرة كجنة من خردل في خلال الأرض كلها.

وروي أن حييّ ين أخطب اليهودي قال: في كتابكم: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ثم تقرؤون: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أي أنه يعترض بوجود التناقض، فنزلت هذه الآية، يعني أن ذلك خير كثير، ولكنه قطرة من بحر كلمات الله.
وبعد بيان كمال كلام الله، أمر تعالى محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم بالتواضع فقال:
قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ أي قل يا محمد لهم: ما أنا إلا بشر مثلكم في البشرية، ليس لي صفة الملكية أو الألوهية، ولا علم لي إلا ما علمني الله، إلا أن الله تعالى أوحى إلي أنه لا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد، فلا شريك له في ألوهيته، فمعبودكم الذي يجب أن تعبدوه هو معبود واحد لا شريك له.
فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ، فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً أي فمن آمن بلقاء الله، وطمع في ثواب الله على طاعته، فليتقرب إليه بصالح الأعمال، وليخلص له العبادة، وليجتنب الشرك بعبادة الله، أحدا من مخلوقاته، سواء أكان شركا ظاهرا كعبادة الأوثان، أم شركا خفيا كفعل شيء رياء أو سمعة وشهرة، والرياء: هو الشرك الأصغر، كما
في حديث أخرجه الإمام أحمد عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟».
وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما يرويه عن ربه قال: «أنا خير الشركاء، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري، فأنا بريء منه، وهو للذي أشرك».

قال الرازي: أورد تعالى في آخر هذه السورة ما يدل على حصول رؤية الله في ثلاث آيات:
أولها- قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ.
وثانيها- قوله: كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا.
وثالثها- قوله: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ولا بيان أقوى من ذلك «١».
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
١- للمؤمنين بالله ورسله الذين يعملون صالح الأعمال جنات الفردوس التي هي أعلى الجنان، وهم خالدون دائمون فيها، لا يطلبون تحويلا عنها إلى غيرها.
٢- لا يستطيع أحد على الإطلاق أن يحصر كلمات الله تعالى وعلمه وحكمته وأسراره، ولو كانت البحار والمحيطات وأمثالها دون تحديد حبرا يكتب به.
قال ابن عباس: قالت اليهود، لما قال لهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قالوا: وكيف، وقد أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا؟ فنزلت: قُلْ: لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً.. الآية.
٣- أمر الله رسوله بالتواضع، وبإعلان صفة البشرية وأنه لا امتياز له على غيره بشيء من الصفات، وأنه لا يعلم إلا ما علّمه الله تعالى، وعلم الله لا يحصى، إلا أن الله تعالى أمره بأن يبلّغ غيره بأن لا إله إلا الله.
٤- دلت الآية: قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ على مطلوبين:

الأول- أن كلمة إنما تفيد الحصر، وهي قوله: أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.
والثاني- أن كون الإله تعالى إلها واحدا يمكن إثباته بالأدلة السمعية.
٥- إن المؤمن بربه الذي يرجو رؤيته وثوابه ويخشى عقابه يجب عليه أن يعمل العمل الصالح المرضي لله، وألا يشرك بالله أحدا في عبادته.
قال ابن عباس: نزلت في جندب بن زهير العامري، قال: يا رسول الله، إني أعمل العمل لله تعالى، وأريد به وجه الله تعالى، إلا أنه إذا اطّلع عليه سرّني فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إن الله طيّب، ولا يقبل إلا الطيّب، ولا يقبل ما شورك فيه» فنزلت الآية.
وفي رواية مسلم عن أبي هريرة: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا..».
والآية عامة في جميع الأعمال من عبادة وجهاد وصدقة وغيرها، وموضوعها إخلاص العمل لله عزّ وجلّ. سئل الحسن البصري عن الإخلاص والرياء فقال:
من الإخلاص أن تحب أن تكتم حسناتك، ولا تحب أن تكتم سيئاتك، فإن أظهر الله عليك حسناتك تقول: هذا من فضلك وإحسانك، وليس هذا من فعلي ولا من صنيعي، وتذكّر قوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً، وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا [المؤمنون ٢٣/ ٦٠]، يؤتون الإخلاص، وهم يخافون ألا يقبل منهم. وأما الرياء فطلب حظ النفس من عملها في الدنيا قيل له: كيف يكون هذا؟
قال: من طلب بعمل بينه وبين الله تعالى سوى وجه الله والدار الآخرة، فهو رياء.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة مريممكية، وهي ثمان وتسعون آية.
تسميتها:
سميت «سورة مريم» لاشتمالها على قصة حمل السيدة مريم، وولادتها عيسى عليه السلام، من غير أب، وأصداء ذلك الحمل، وما تبعه ورافق ولادة عيسى من أحداث عجيبة، من أهمها كلامه وهو طفل في المهد.
مناسبتها لما قبلها:
اشتملت السورتان على قصص عجيبة، فسورة الكهف اشتملت على قصة أصحاب الكهف، وطول لبثهم هذه المدة الطويلة، بلا أكل ولا شرب، وقصة موسى مع الخضر، وما فيها من المثيرات، وقصة ذي القرنين.
وسورة مريم فيها أعجوبتان: قصة ولادة يحيى بن زكريا عليه السلام حال كبر الوالد وعقم الوالدة أي بين شيخ فان وعجوز عاقر، وقصة ولادة عيسى عليه السلام من غير أب.
ما اشتملت عليه السورة:
موضوع السورة كسائر السور المكية هو إثبات وجود الله ووحدانيته، وإثبات البعث والجزاء من خلال إيراد قصص جماعة من الأنبياء، على النحو التالي: صفحة رقم 46

١- افتتحت السورة بقصة ولادة يحيى بن زكريا عليهما السلام، من أب شيخ كبير وأم عاقر لا تلد، ولكن بقدرة الله القادر على كل شيء، خلافا للمعتاد، وإجابة لدعاء الوالد الصالح، وأعقبه الخبر بإيتاء يحيي النبوة في حال الصبا، الآيات [١- ١٥].
٢- أردف ذلك قصة ولادة عيسى من مريم العذراء، من غير أب، لتكون دليلا آخر على القدرة الربانية. وقد أثار ذلك موجة من النقد واللوم والتعنيف، خفف منها كلام عيسى وهو طفل في المهد، تبرئة لأمه، ووصف نفسه بصفات النبوة والكمال.
واقترن المخاض بحدثين غريبين: هما نداء عيسى أمه حين الولادة بألا تحزن، فقد جعل الله عندها نهرا، وأمرها بهز النخل أخذا بالأسباب لإسقاط الرطب، الآيات [١٦- ٣٦].
وأحدثت هذه الولادة اختلافا بين النصارى في شأن عيسى، الآيات [٣٧- ٤٠].
٣- انتقلت الآيات بعدئذ إلى بيان جانب من قصة إبراهيم الخليل عليه السلام، ومناقشته أباه في عبادة الأصنام، وإكرام الله له بهبته- وهو كبير، وامرأته سارّة عاقر- ولدا هو إسحاق ومن بعده ابنه يعقوب وجعلهما نبيين، كما حدث فعلا من ولادة إسماعيل قبل ذلك، وإبراهيم شيخ كبير بعد دخوله على زوجته هاجر، الآيات [٤١- ٥٠].
٤- ثم تحدثت السورة عن قصة موسى ومناجاته ربه في الطور، وجعل أخيه هارون نبيا، الآيات [٥١- ٥٣].
٥- ثم أشارت إلى قصص إسماعيل الموصوف بصدق الوعد وإقامة الصلاة

وإيتاء الزكاة، وإدريس الصدّيق النبي، وما أنعم الله به على أولئك الأنبياء من ذرية آدم لإثبات وحدة الرسالة بدعوة الناس إلى التوحيد ونبذ الشرك الآيات [٥٤- ٥٨]. وما سبق كله يشمل حوالي ثلثي السورة.
٦- قورن الخلف بالسلف، وبان الفرق بأن الخلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات، وجدد الوعد بجنات عدن لمن تاب وعمل صالحا [٥٩- ٦٣].
٧- ناسب ذلك الكلام عن الوحي، وأن جبريل لا ينزل بالوحي إلا بإذن ربه، الآيات [٦٤- ٦٥].
٨- ناقش الله المشركين الذين أنكروا البعث، وأخبر بحشر الكافرين مع الشياطين، وإحضارهم جثيا حول جهنم، وبأن جميع الخلق ترد على النار [٦٦- ٧٢].
٩- أبان الله تعالى موقف المشركين حين سماع القرآن من المؤمنين بأنهم خير منهم مجلسا ومجتمعا. وهددهم بأنه أهلك كثيرا من الأمم السابقة بسبب عتوهم واستكبارهم، وأنه يمدّ للظالمين ويمهلهم، ويزيد الهداية للمهتدين، وأن معبودات المشركين ستكون أعداء لهم [٧٣- ٨٤] وذلك كله لتنزيه الله عن الولد والشريك.
١٠- التمييز بين حشر وفد المتقين إلى الجنان، وسوق المجرمين إلى النيران [٨٥- ٨٧].
١١- التنديد بمن ادعى الولد لله، والرضا عن المؤمنين الصالحين، وأن القرآن لتبشير المتقين وإنذار الكافرين المعاندين [٨٨- ٩٨].
فضلها:
روى محمد بن إسحاق في السيرة من حديث أم سلمة، وأحمد بن حنبل عن