وقيل لا يأتون جواب قسم محذوف ولولا اللام الموطئة للقسم لجاز أن يكون جوابا للشرط كما في البيت. على أن أداة الشرط إذا لم تؤثر في الشرط ظاهرا مع قربه جاز أن لا تؤثر في الجواب مع بعده. قال تعالى «وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ» وكرّرنا فيه من العبر والوعد والوعيد والأحكام والقصص والأخبار والمعاني البديعة والأمور الغريبة والقضايا الغيبية، وجعلناه معجزة دائمة لا تنقطع إلا عند قرب خراب هذا الكون ليؤمنوا به «فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً» ٨٩ به وإباء عن قبوله ونفورا منه، وهذا أبلغ من إبائهم في عدم الإيمان به لاحتماله هذا المعنى وزيادة أنهم لم يرضوا بخصلة ما سوى الكفر به «وَقالُوا» عند ظهور عجزهم عن الإتيان بمثله، متعللين بما لا تقتضي الحكمة وقوعه ومما هو محال عقلا «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ» في هذا القرآن ولا في غيره من الآيات «حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً» ٩٠ عينا غزيرة من الماء نستقي منها كلنا وأنعامنا ودوابنا ونزرع عليها، وعلى أن تكون عين هذا الماء من أراضيهم المقيمين بها لأنها قليلة الماء
«أَوْ تَكُونَ لَكَ» إذا لم تأتنا بذلك الماء «جَنَّةٌ» مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها» ٩١ كثيرا بين تلك الجنة هائلا، وهذا على وجه الخصوص له كالتي بعدها خلافا للطلب الأول، لأنه على وجه العموم إلا أن الاقتراح الأول لهم والثاني له، ولكن وجود أو يبعد هذا المراد «أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ» ونسبت إلى ربك بما تلوته عنه وهو (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) الآية ١٩ من سورة سبأ في ج ٢، وهذا يدل على أن هذه الآية نزلت قبل سورتها، بأن تصبها «عَلَيْنا كِسَفاً» قطعا متفرقة عظيمة «أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا» يقابلونا فنراهم عيانا بأم أعيننا ويشهدون لك بصدق دعوتك، إذ ادعيت أنهم واسطة بينك وبين ربك الذي ادعيت رسالته «أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ» مزين مرصّع بالذهب والفضة والأحجار الكريمة «أَوْ» تأتي لنا بآية ملجئة لنا على الإيمان قاسرة لا نستطيع ردّها، وهي بأن «تَرْقى فِي السَّماءِ» على مرأى منا «وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ» بأن تصعد إليها فقط، لأنا لا نصدّق ذلك ولا نعترف
لك به ولو رأيناك عيانا تصعد إليها لانه قد يكون صوريا بما تخيله علينا وتسحرنا به فتزيغ أعيننا عن أن نرى الحقيقة في ذلك، بل نبقى منكرين جاحدين رقيّك «حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا» من السماء معك «كِتاباً نَقْرَؤُهُ» بلغتنا، ونرى فيه ما يدلّ على نبوتك، وإذا لم يكن كذلك فلا نؤمن لك أيضا بمجرد كتاب تأتينا به، لأنك قد تموّه علينا بما ليس بشيء وتسميه كتابا، واعلم أن السماء كل ما علاك فأظلك ويطلق على كل مرتفع، قال الشاعر:
وقد يسمى سماء كل مرتفع | وإنما الفضل حيث الشمس والقمر |
وقالوا له إذا كنت تريد أن نؤمن بك ونصدقك ونجيب دعوتك فأتنا بكذا إلخ، اقتراحاتهم المذكورة المنطوية على العناد والمنفطرة عن العتوّ، وكان منهم من اقترح ما مر ذكره في الآيات ٧ و ٨ و ٢٠ و ٢١ من سورة الفرقان المارة، فلما رأى أباطيل أقوالهم هذه تركهم وقام، فتبعه عبد الله ابن أمية المتصدر لهذه المفترحات فنزلت هذه الآيات فيه وفي قومه. وإنما نسب القول إليهم جميعا لأنهم أصغوا لمقترحاته هذه ورضوا بها وكلفوا النبي بالإجابة عنها، ولهذا جاء الكلام بلفظ الجمع.
وخرج هذا سعيد بن منصور عن ابن جبير، وكان ذلك الخبيث عبد الله بن أمية كرر هذا الكلام على حضرة الرسول، وقال له إن قومك عرضوا عليك ما عرضوه من الاقتراحات فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك عند الله ربك فلم تقبل، ثم سألوك أن تعجل لهم ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل، فو الله لا نؤمن بك أبدا ولو فعلت ما طلبناه منك ولا نصدقك أبدا، ثم انصرف. وقد أسف صلّى الله عليه وسلم لما رأى من مباعدتهم عن الإيمان بعد نزول هذه الآيات وإعراضهم عنها. هذا وما قيل إن الله تعالى أنزل على هؤلاء المقترحين الآيتين ٣٢/ ٣٣ من الرعد في ج ٣ وهما: (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) الآية (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) الآية فغير وجيه لأن سورة الرعد مدنية ولم يستثنى منها هاتان الآيتان ولا غيرهما، وما نحن فيه من الوقائع في مكة، وسنأتي على ما يتعلق فيها في محلها إن شاء الله في القسم المدني، قال تعالى «وَما مَنَعَ النَّاسَ» الذين حكيت أباطيلهم آنفا من «أَنْ يُؤْمِنُوا» بربهم ويصدقوا رسوله «إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى» على يديه أن يهتدوا بهديه ويسترشدوا برشده ويتوصلوا إلى معرفة توحيده ويؤمنوا به «إِلَّا أَنْ قالُوا» جهلا منهم وعنادا بمن أرسل إليهم على طريق السخرية والاستهزاء «أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا» ٩٤ إلينا مثلنا ألّا يبعث ملكا من الملائكة يدعونا إليه لنطيعه ونؤمن به، فيا سيد الرسل «قُلْ» لهؤلاء الباغين «لَوْ كانَ» على سبيل الفرض والتقدير «فِي الْأَرْضِ» التي أنتم عليها «مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ» فيها مثلكم «مُطْمَئِنِّينَ» آمنين متوطنين كآحاد الناس ليس لهم أجنحة
يطيرون بها إلى السماء فيسمعون ما يقع فيها ويعلمون ما يجب عليهم، وقد مست الحاجة لإرسال من يرشدهم «لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا» ٩٥ مثلهم من جنسهم ليميلوا إليه، لأن الجنس لا يميل إلا لجنسه وأنتم بشر فأرسلنا إليكم بشرا من جنسكم، لأن البشر أيضا لا يميل إلا لجنسه، فلا يميل إلى الملك، والملك لا يميل إلى البشر ولا يأتلف معه لذلك لم نرسل ملكا، وهذا لا ينافي بعثته صلّى الله عليه وسلم إلى الجن، لأنه متى صح فيه صلّى الله عليه وسلم المناسبة الصحيحة للاجتماع مع الملك والتلقي منه صح فيه المناسبة المصححة للاجتماع مع الجن والإلقاء إليهم، كيف وهو صلّى الله عليه وسلم نسخة الله الجامعة وآيته الكبرى الساطعة، فضلا عن أن الجنّ تشكلوا اليه عليه الصلاة والسلام بهيئة البشر كما تشكل له رئيس الملائكة السيد جبريل عليه السلام بصورة دحية الكلبي وبصورة اعرابي، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه حينما سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وامارات الساعة، فعلى هذا لو أنزل الله تعالى لهم ملكا وتشكل بهيئة البشر فلا يجد شيئا، لأنهم يرونه بشرا مثلهم ويقولون ما قالوا ولو جاءهم بصورته الحقيقية لما أطاقوا مقابلته، بل لصعقوا أو ماتوا لأن حضرة الرسول مع ما هو عليه من الكمال والتأييد من الله لم يطق مقابلة جبريل بصورته كما مر في الآية ١٨ من سورة والنجم المارة وفي الآية ٢٣ من سورة التكوير أيضا ومما يؤيد إرساله صلّى الله عليه وسلم إلى الجن قوله تعالى (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) الآية الأولى من سورة الفرقان المارة وما سوى الله تعالى كله عالم وخبر مسلم، أرسلت إلى الخلق كافة والجن من الخلق راجع الآية الأولى من سورة الجن المارة فما بعدها، أما محبة الملائكة له صلّى الله عليه وسلم مع انه من غير جنسهم فإنما هي بإلقاء الله تعالى في قلوبهم واعلامهم بأنه صلّى الله عليه وسلم وسيلة لهم فيما يسألونه منه جل جلاله، ولما جاء في الحديث إذا أحب الله عبدا نادى جبريل فقال له إني أحب فلانا فأحبوه، فينادي جبريل في الملائكة إن الله يحب فلانا فأحبوه ويلقي له القبول في الأرض، فيا أكرم الرسل إن لم يصدق هؤلاء المعاندين الجاحدين رسالتك فأعرض عنهم الآن و «قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» على أنه أرسلني إليكم وخصني من بينكم برسالته، وقد اختارني من الأزل
صفحة رقم 574
لذلك وهو شهيد على أني قمت بما أمرني به حسبما أمرني، وعلى أن أبلغكم ما أرسلني به إليكم، وهو شهيد أيضا على أنكم كذبتموني
فهو الحكم العدل «بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» على ذلك كله «إِنَّهُ كانَ» ولا يزال «بِعِبادِهِ خَبِيراً» بظواهر المرسل والمرسل إليهم «بَصِيراً» ٩٧ يبواطنهم وخوافي أمورهم، وانه يجازي كلا على عمله.
قال تعالى تسلية لرسوله صلّى الله عليه وسلم واعلاما بأن ما كان مطابقا لإرادته أزلا سيكون في الواقع لا محالة، وهو «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ» بهدايته على يد من شاء من خلقه «وَمَنْ يُضْلِلْ» منهم فهو الضال مهما أراد الناس هدايته فلن يقدروا لهذا يقول الله تعالى «فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ» ينصرونهم علينا أو يقودونهم إلى الهدى «مِنْ دُونِهِ» أي الهادي الحقيقي بل يبقى ضالا على ضلاله حتى يموت.
مطلب الحشر على الوجوه وبقاء عجب الذنب:
«وَنَحْشُرُهُمْ» أي هؤلاء الظالمين «يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ» منكوسين حالة كونهم «عُمْياً» لا يبصرون «وَبُكْماً» لا يتكلمون «وَصُمًّا» لا يسمعون كما كانت حالتهم في الدنيا، أي كما أن لم ينتفعوا بحواسهم هذه في الدنيا لما فيه خيرهم لم ينتفعوا فيها في الآخرة أيضا راجع الآية ٢٤ من سورة الفرقان المارة، وهؤلاء الذين هذا وصفهم «مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ» يصيرون إليها بعد الموقف حالة كونها مسعرة «كُلَّما خَبَتْ» هدأ لهيبها وولى سعيرها وخمدت شعلتها «زِدْناهُمْ سَعِيراً» ٩٨ وقودا ليزداد بلاؤهم فيها «ذلِكَ» حشرهم على الصورة المارة فاقدي منافع جوارحهم حالة ازدياد إيقاد النار لزيادة عذابهم «بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا» برسلنا وكفروا أيضا «بِآياتِنا» القرآنية والآفاقيّة الدالة على صحة الاعادة بعد الموت وعلى صدق الرسالة بذلك «وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً» ٩٩ تقدم تفسيرها في الآية ٤٩ المارة أي مستأنفين الحياة مرة ثانية كما كنا، وما قيل إن المعنى يخلق الله غيرهم يعبدونه ويعترفون بربوبيته على حد قوله تعالى: (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) الآية الأخيرة من سورة محمد ج ٤، وقوله تعالى (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) الآية ١٧ من سورة فاطر المارة، لا يتجه هنا لأنه لا يلائم السياق كما لا يخفي على ذوي الأذواق، وآية فاطر
هذه مكررة في الآية ١٩ من سورة إبراهيم والآية ١٣٢ من سورة الأنعام في ج ٢ لفظا ومعنى والآية ١٣٢ من سورة النساء في ج ٣، فرد الله تعالى عليهم بقوله «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» وهما أكبر وأعظم من خلقهم كما سيأتي بيانه في الآية ٥٧ من سورة المؤمن في ج ٢ «قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ» من الإنس الذين هم أضعف من ذلك «وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا» لا يتجاوزونه محققا «لا رَيْبَ فِيهِ» ولا ينبغي أن يشك فيه «فَأَبَى الظَّالِمُونَ» المتوغلون في الظلم «إِلَّا كُفُوراً» ١٠٠ وجحودا بتلك الآيات الواضحات وهؤلاء هم الذين سألوا الاقتراحات المار ذكرها ومن حذا حذوهم داخل معهم، ولا تعد هذه الآية مكررة بسبب اختلاف اللفظ عن الآية الأولى ٨٩ وقدمنا في الآية ١٣٧ من سورة طه ما يتعلق بحشر الأعمى فراجعه. هذا، وقد أخرج الشيخان عن أنس قال: قيل يا رسول الله كيف يحشر الله الناس على وجوههم؟ قال الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم. وأخرج أبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف مشاة على العادة وصنف ركبان وصنف على وجوههم إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك أو سحبا عليها قال تعالى (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) الآية ٤٨ من سورة القمر المارة، ويشهد لهذا ما أخرجه أحمد والنسائي عن أبي ذر أنه تلا هذه الآية ونحشرهم إلخ، فقال حدثني الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلم أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أنواع: نوع طاعمين كاسين راكبين، ونوع يمشون ويسعون، ونوع تسحبهم الملائكة على وجوههم. وما أخرجه أحمد والنسائي والترمذي عن معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنكم تحشرون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم. وليعلم أن هذه الآية في حال أهل النار بعد دخولهم فيها، وكذلك الأحاديث ولا تعارض هذه الآية قوله تعالى: (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) الآية ٥٥ من النساء في ج ٣، لأن تبديلها يكون بإحراقها وإفنائها وخلق غيرها، لأنها إذا أحرقت وبقيت لا يحسون بألم العذاب والله تعالى يقول (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) فوافقت هذه الآية قوله تعالى هنا (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) الآية المارة في المعنى
صفحة رقم 576
واعلم أن الله تعالى يعدم هذه الذرات بالكلية ثم يعيدها نفسها كما كانت. ولا يرد هنا بأن إعادة المعدوم محال، لأن المعيد لها الذي خلقها من العدم أولا فليس محالا عليه أن يعيد ما خلق إلى حالته الأولى. وما جاء في حديث الصحيحين: ليس في الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب، منه خلق الخلق يوم القيامة. وفي رواية مسلم كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب. وصحح المزني أنه يفنى لقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) الآية الأخيرة من سورة القصص المارة، وقوله تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) الآية ٢٦ من سورة الرحمن في ج ٣، وعجب الذنب شيء على الأرض وعليه يكون تأويل الحديث أن كل الإنسان يبلى
بالتراب ويكون سبب فنائه إلا عجب الذنب فإن الله تعالى يفنيه بلا تراب كما يميت ملك الموت بلا ملك موت والخلق منه والتركيب يمكن بعد إعادته فليس ما ذكر نصا في بقائه، وبذلك قال ابن قتيبة. قال تعالى «قُلْ» يا محمد لقومك وغيرهم «لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي» من المطر والرزق والنعم الكثيرة من خزائنه الغير متناهية إذ لا يعلمها غيره.
واعلم أن إن أنتم هنا مرفوع بفعل يفسره الفعل بعده لأن لولا تدخل على الأسماء أي لو تملكون أنتم إلخ وهي حروف امتناع لا متناع بخلاف لولا فهي حرف امتناع لوجود، وعلى هذا قول حاتم وقد أسر فلطمته جارية فقال: لو غير ذات سوار لطمتني، أي لو لطمتني غير ذات سوار، وقول المتلمس:
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي | جعلت لهم فوق العرانين حيسما |