آيات من القرآن الكريم

وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ

وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا﴾ أَيْ: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ سُلْطَانِهِ وَمَلَكُوتِهِ، بَلْ هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ، إِنْ شَاءَ أَجَابَكُمْ إِلَى مَا سَأَلْتُمْ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُجِبْكُمْ، وَمَا أَنَا إِلَّا رَسُولٌ إِلَيْكُمْ أُبْلِغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ، وَقَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ، وَأَمْرُكُمْ فِيمَا سَأَلْتُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحر، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ (١) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَرَضَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا، وَأَجُوعُ يَوْمًا -أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ -فَإِذَا جُعت تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الزُّهْدِ" عَنْ سُوَيْد بْنِ نَصْرٍ (٢) عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ (٣) وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ يُضَّعَّفُ فِي الْحَدِيثِ.
﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا (٩٤) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنزلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا (٩٥) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ﴾ أَيْ: أَكْثَرَهُمْ ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا﴾ وَيُتَابِعُوا الرُّسُلَ، إِلَّا اسْتِعْجَابُهُمْ مِنْ بَعْثَتِهِ (٤) الْبَشَرَ رُسُلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [يُونُسَ: ٢].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التَّغَابُنِ: ٦]، وَقَالَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ٤٧]، وَكَذَلِكَ قَالَتِ (٥) الْأُمَمِ لِرُسُلِهِمْ: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ١٠]، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ: إِنَّهُ يَبْعَثُ إِلَيْهِمُ الرَّسُولَ مِنْ جِنْسِهِمْ، لِيَفْقَهُوا عَنْهُ وَيَفْهَمُوا مِنْهُ، لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ مُخَاطَبَتِهِ وَمُكَالَمَتِهِ، وَلَوْ بَعَثَ إِلَى الْبَشَرِ رَسُولًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمَا اسْتَطَاعُوا مُوَاجَهَتَهُ وَلَا الْأَخْذَ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٤]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٨]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٥١، ١٥٢] ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ﴾ أَيْ: كَمَا أَنْتُمْ فِيهَا ﴿لَنزلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا﴾ أَيْ: مِنْ جِنْسِهِمْ، وَلَمَّا كُنْتُمْ أَنْتُمْ بَشَرًا، بَعَثْنَا فيكم رسلنا (٦) منكم لطفًا ورحمة.

(١) في ت: "ألتم".
(٢) في أ: "زهير".
(٣) المسند (٥/٢٤٥) وسنن الترمذي برقم (٢٣٤٧) وعبد الله بن زحر وعلى بن يزيد والقاسم ضعفاء.
(٤) في ت: "بعثة".
(٥) في ت: "قالوا".
(٦) في ت: "رسلا".

صفحة رقم 121
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية