آيات من القرآن الكريم

أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

تسبِّح وجلس الحسن على طعام فقدَّموا اُلخِوان، فقيل له: أيسبِّح هذا اُلِخوان؟، فقال: قد كان يسبِّح مرة. والثالث: أنه كل شيء لم يغيَّر عن حاله، فإذا تغيَّر انقطع تسبيحه، روى خالد بن معدان عن المقدام بن معديكرب قال: إِنَّ التراب ليسبِّح ما لم يبتلّ، فاذا ابتلّ ترك التسبيح، وإِن الورقة تسبِّح ما دامت على الشجرة، فاذا سقطت تركت التسبيح، وإِن الثوب ليسبِّحُ ما دام جديداً، فاذا توسخ ترك التسبيح. فأما تسبيح الحيوان الناطق، فمعلوم، وتسبيح الحيوان غير الناطق، فجائز أن يكون بصوته، وجائز أن يكون بدلالته على صانعه. وفي تسبيح الجمادات ثلاثة أقوال: أحدها: أنه تسبيح لا يعلمه إِلاَّ الله. والثاني: أنه خضوعه وخشوعه لله. والثالث: دلالته على صانعه، فيوجب ذلك تسبيح مُبْصِره. فإن قلنا: إِنه تسبيح حقيقة، كان قوله تعالى: وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ لجميع الخلق وإِن قلنا: إِنه دلالته على صانعه، كان الخطاب للكفار، لأنهم لا يستدلُّون، ولا يعتبرون. وقد شرحنا معنى «الحليم» و «الغفور» في سورة البقرة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٥ الى ٥٢]
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩)
قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢)
قوله تعالى: حِجاباً مَسْتُوراً فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الحجاب: هو الأكنَّة على قلوبهم، قاله قتادة. والثاني: أنه حجابٌ يستره فلا يرونه وقيل: إِنها نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلّم إِذا قرأ القرآن.
(٨٩٥) قال الكلبي: وهم أبو سفيان والنضر بن الحارث وأبو جهل وأم جميل امرأة أبي لهب،

باطل بهذا اللفظ، والكلبي كذاب يضع الحديث. وقد ورد في كتب الحديث. عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لما نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول
: مذمما أبينا... ودينه قلينا
وأمره عصينا.
والنبي جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله أقبلت وأنا أخاف أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنها لن تراني» وقرأ قرآنا فاعتصم به كما قال وقرأ وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني فقال: لا وربّ هذا البيت ما هجاك فولّت، وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها. حديث حسن بشواهده. أخرجه الحميدي ٣٢٣ والحاكم ٢/ ٣٦١ والواحدي في «الوسيط» ٣/ ١١٠ من حديث أسماء، وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! مع أن ابن تدريس مجهول، - وله شاهد- أخرجه أبو يعلى ٢٥ وابن حبان ٦٥١١ والبزار ٢٢٩٤ من حديث ابن عباس. وذكره الهيثمي في «المجمع» ١١٥٢٩ وقال: قال البزار: إسناده حسن. مع أن فيه عطاء بن السائب وقد اختلط اهـ. وأخرجه الحاكم ٢/ ٥٢٦ من حديث زيد بن أرقم، وأعلّه الحاكم بالإرسال، ووافقه الذهبي. وللحديث شواهد ضعيفة، لكن تتأيد بمجموعها، ويعلم أن للحديث أصلا، والله أعلم وقد صححه الشيخ شعيب في «الإحسان». انظر «تفسير القرطبي» ٤٠٢٧.

صفحة رقم 27

فحجب الله رسولَه عن أبصارهم عند قراءة القرآن، فكانوا يأتونه ويمرُّون به ولا يرونه.
والثالث: أنه منع الله عزّ وجلّ إِياهم عن أذاه، حكاه الزجاج.
وفي معنى مَسْتُوراً قولان: أحدهما: أنه بمعنى ساتر قال الزجاج: وهذا قول أهل اللغة. قال الأخفش: وقد يكون الفاعل في لفظ المفعول، كما تقول: إِنك مشؤوم علينا، وميمون علينا، وإِنما هو شائم ويامن، لأنه مِن «شَأمَهَمُ» و «يَمَنَهُم». والثاني: أن المعنى: حجاباً مستوراً عنكم لا ترونه، ذكره الماوردي. وقال ابن الأنباري: إِذا قيل: الحجاب هو الطبع على قلوبهم، فهو مستور عن الأبصار، فيكون «مستوراً» باقياً على لفظه.
قوله تعالى: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ قد شرحناه في سورة الأنعام «١».
قوله تعالى: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ يعني: قلتَ: لا إِله إِلا الله، وأنت تتلو القرآن وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ قال أبو عبيدة: أي على أعقابهم، نُفُوراً وهو: جمع نافر، بمنزلة قاعد وقُعود، وجالس وجُلوس. وقال الزجاج: تحتمل مذهبين: أحدهما: المصدر، فيكون المعنى: ولَّوا نافرين نفوراً.
والثاني: أن يكون «نفوراً» جمع نافر. وفي المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم الشياطين، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم المشركون، وهذا مذهب ابن زيد.
قوله تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ.
(٨٩٦) قال المفسّرون: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليّا رضي الله عنه أن يتخذ طعاماً ويدعو إِليه أشراف قريش من المشركين، ففعل ذلك، ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إِلى التوحيد، وكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم: هو ساحر، هو مسحور، فنزلت هذه الآية: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ، أي: يستمعونه، والباء زائدة. إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى قال أبو عبيدة: هي مصدر مِنْ «ناجَيْتُ» واسم منها، فوصف القوم بها، والعرب تفعل ذلك، كقولهم: إِنما هو عذاب، وأنتم غَمٌّ، فجاءت في موضع «متناجين». وقال الزجاج: والمعنى: وإِذ هم ذوو نجوى، وكانوا يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويقولون بينهم: هو ساحر، وهو مسحور، وما أشبه ذلك من القول.
قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ يعني: أولئك المشركون إِنْ تَتَّبِعُونَ أي: ما تتَّبعون إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الذي سُحر فذُهب بعقله، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: مخدوعاً مغروراً، قاله مجاهد. والثالث: له سَحْر، أي: رئة وكلُّ دابَّة أو طائر أو بَشَر يأكل فهو: مسحور ومسحَّر، لأن له سحرا، قال لبيد:

ورد هذا الخبر من وجوه متعددة واهية، وستأتي. ولم أجد من ذكر أن سبب نزول هذه الآية هو هذا الخبر.
وانظر «تفسير القرطبي» ١٠/ ٢٣٧ بتخريجنا.
__________
(١) سورة الأنعام: ٢٥.

صفحة رقم 28

فانْ تَسْأَلِينا فِيمَ نَحْنُ فانَّنا عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الأنامِ المَسَحَّر
وقال امرؤ القيس:
أُرانا مُرْصَدِيْن لأَمْرِ غَيْبٍ ونُسْحَرُ بالطَّعامِ وبالشَّرَابِ
أي: نُغذَّى، لأن أهل السماء لا يأكلون، فأراد أن يكون مَلَكاً. فعلى هذا يكون المعنى: إن تتّبعون إلّا رجلا به سَحْر، خلقه الله كخلقكم، وليس بملَكٍ، وهذا قول أبي عبيدة. قال ابن قتيبة:
والقول قول مجاهد، أي مخدوعاً، لأن السِّحر حيلة وخديعة ومعنى قول لبيد «المسحَّر» : المعلَّل، وقول امرئ القيس: «ونُسْحَر» أي: نُعلَّل، وكأنا نُخدَع، والناس يقولون: سحرتَني بكلامكَ، أي:
خدعتَني، ويدل عليه قوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ، لأنهم لو أرادوا رجلاً ذا رِئَةٍ، لم يكن في ذلك مَثَلٌ ضربوه، فلما أرادوا مخدوعاً- كأنه بالخديعة سُحر- كان مَثَلاً ضربوه، وكأنهم ذهبوا إِلى أن قوماً يعلِّمونه ويخدعونه. قال المفسرون: ومعنى ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ بيَّنوا لك الأشباه، حتى شبَّهوك بالساحر والشاعر والمجنون فَضَلُّوا عن الحق، فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يجدون سبيلاً إِلى تصحيح ما يعيبونك به. والثاني: لا يستطيعون سبيلاً إِلى الهُدى، لأنا طبعنا على قلوبهم. والثالث: لا يأتون سبيل الحق، لثقله عليهم ومثله قولهم: لا أستطيع أن أنظر إِلى فلان، يعنون أنا مبغِض له، فنظري إِليه يثقل، ذكرهن ابن الأنباري. قوله تعالى: أَإِذا كُنَّا عِظاماً قرأ ابن كثير: «أَيْذا» بهمزة ثم يأتي بياء ساكنة من غير مَدّ، «أَينا»، مثله وكذلك في كل القرآن. وكذلك روى قالون عن نافع، إِلا أن نافعاً كان لا يستفهم في «أَيْنا»، كان يجعل الثاني خبراً في كل القرآن، وكذلك مذهب الكسائي، غير أنه يهمز الأُولى همزتين. وقرأ عاصم، وحمزة بهمزتين في الحرفين جميعاً. وقرأ ابن عامر: «إِذا كُنّا» بغير استفهام بهمزة واحدة «ءاءنا» بهمزتين يمد بينهما مدة.
قوله تعالى: وَرُفاتاً فيه قولان: أحدهما: أنه التراب ولا واحد له، فهو بمنزلة الدُّقاق والحُطام، قاله الفراء، وهو مذهب مجاهد. والثاني: أنه العظام ما لم تتحطم، والرُّفات: الحُطام، قاله أبو عبيدة. وقال الزجاج: الرُّفات: التراب. والرُّفات: كل شيء حُطِمَ وكسر، وخَلْقاً جَدِيداً في معنى مجدداً.
قوله تعالى: أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فيه ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنه الموت، قاله ابن عمر، وابن عباس، والحسن، والأكثرون. والثاني: أنه السماء والأرض والجبال، قاله مجاهد.
والثالث: أنه ما يكبر في صدوركم، من كل ما استعظموه من خلق الله تعالى، قاله قتادة.
فان قيل: كيف قيل لهم: كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً وهم لا يقدرون على ذلك؟ فعنه جوابان:
أحدهما: إِن قدرتم على تغيُّر حالاتكم، فكونوا حجارة أو أشدَّ منها، فانا نميتكم، وننفِّذ أحكامنا فيكم، ومثل هذا قولك للرجل: اصعد إلى السماء فإني لا حقك. والثاني: تصوَّروا أنفسكم حجارة أو أصلب منها، فإنا سنبيدكم، قال الأحوص:
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٨/ ٩١: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال كل ما في صدور بني آدم، فجائز أن يكون عني به الموت أو السماء والأرض أو غير ذلك لأن الله جل ثناؤه لم يخصص منه شيئا دون شيء.

صفحة رقم 29
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية