آيات من القرآن الكريم

أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ

يقبله أحد فيأتون بما لا يرتاب في بطلانه أحد وَقالُوا أَإِذا كُنَّا أي صرنا عِظاماً بالية وَرُفاتاً أي ترابا رميما أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) أي مخلوقين تجدد الروح فينا بعد الموت.
قُلْ لهم يا أكرم الرسل: كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠)
أَوْ خَلْقاً آخر مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ. والمعنى لو تكونون حجارة مع أنها لا تقبل الحياة، بحال أو حديدا مع أنه أصلب من الحجارة أو خلقا غيرهما كائنا من الأشياء التي تعظم في اعتقادكم عن قبول الحياة، كالسماوات والأرض، فلا بد من إيجاد الحياة فيكم فإن قدرته تعالى لا تعجز عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض فكيف إذا كنتم عظاما ممزقة وقد كانت طرية موصوفة بالحياة من قبل والشيء أقبل لما اعتيد فيه مما لم يعتد فَسَيَقُولُونَ تماديا في الاستهزاء مَنْ يُعِيدُنا أي من الذي يقدر على إعادة الحياة إلينا إذا صرنا كذلك قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي قل إرشادا لهم إلى طريقة الاستدلال فالذي ابتدأ خلقكم أول مرة من غير مثال يعيدكم إلى الحياة بالقدرة التي ابتدأكم بها فكما لم تعجز تلك عن البداءة لا تعجز عن الإعادة فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ أي فسيحركونها جهتك تعجبا وتكذيبا لقولك وَيَقُولُونَ استهزاء مَتى هُوَ أي الذي وعدتنا من الإعادة قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ ذلك قَرِيباً (٥١) إذ كل آت قريب يَوْمَ يَدْعُوكُمْ على لسان إسرافيل بالنداء الذي يسمعكم من القبور وهو
النفخة الأخيرة، فإن إسرافيل ينادي: أيتها الأجسام البالية، والعظام النخرة، والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت بقدرة الله تعالى وبإذنه فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ. قال سعيد بن جبير: أي فيخرجون من قبورهم وينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك.
قال المفسرون: حمدوا حين لا ينفعهم الحمد. وقال الزمخشري: بحمده حال منهم أي حامدين وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث وَتَظُنُّونَ عند ما ترون الأهوال الهائلة إِنْ لَبِثْتُمْ أي ما مكثتم في القبور أو في الدنيا إِلَّا قَلِيلًا (٥٢) كالذي مر على قرية وَقُلْ لِعِبادِي أي المؤمنين إذا أردتم إتيان الحجة على المخالفين فاذكروها غير مخلوطة بالشتم والسب فيقابلونهم بمثله ولا يخاشنوهم بل يَقُولُوا لهم الكلمة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كأن يقولوا: يهديكم الله. وقيل: نزلت هذه الآية في عمر بن الخطاب شتمه بعض الكفار فأمره الله تعالى بالعفو إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ أي يهيج الشر بين الناس ويغري بعضهم على بعض لتقع بينهم المخاصمة إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ في قديم الزمان لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) أي ظاهر العداوة رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ أي بعاقبة أمركم إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ بأن يوفقكم للإيمان والمعرفة إلى أن تموتوا فينجيكم من العذاب أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ بأن يميتكم على الكفر فيعذبكم إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم فاجتهدوا أنتم في طلب الدين الحق، ولا تصروا على الباطل لئلا تصيروا محرومين عن السعادات الأبدية. ويقال: هذه تفسير للتي هي أحسن أي قولوا لهم: هذه الكلمة ولا تقولوا أيها المؤمنون للمشركين: إنكم من أهل

صفحة رقم 628

النار، فإنه مما يهيجهم على الشر مع أن عاقبة أمرهم مغيبة عنكم فعسى يهديهم الله إلى الإيمان.
ويقال: إن يشأ ينجكم منهم، وإن يشأ يسلطهم عليكم. وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (٥٤) أي موكولا إليك أمرهم فتقسرهم على الإيمان، وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالمداراة عليهم، فإن اللين عند الدعوة يؤثر في القلب، ويفيد حصول المقصود. وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي بأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء ممن يستحق ذلك وهو رد عليهم إذ قالوا: بعيد أن يكون يتيم أبي طالب نبيا ولا يجوز إطلاق يتيم على النبي صلّى الله عليه وسلّم لإشعاره بالتحقير حتى أفتى بعض المالكية بقتل قائله كما في الشفاء وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ بالفضائل النفسانية لا بكثرة الأموال والأتباع وهذا إشارة إلى تفضيل رسول الله سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) فيه ذكر فضل سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وكونه خاتم النبيين وأمته خير الأمم، وكون الأرض يرثها عباد الله الصالحون وهم محمد وأمته وهذا بيان أن تفضيل داود بإيتاء الزبور لا بإيتاء الملك والسلطنة ورد لقول اليهود لا نبي بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة أي فإذا أعطى الله تعالى التوراة فلم يبعد أن يعطي داود زبورا وعيسى الإنجيل، ومحمدا القرآن، ولم يبعد أن يفضل محمدا على جميع الخلق فكيف تنكر اليهود ذلك وكفار قريش فضل محمد وإعطاءه القرآن؟! قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ أي قل يا أشرف الخلق للكفار: ادعوا عند الشدة الذين عبدتم من دون الله كعيسى ومريم وعزير، وطائفة من الملائكة، وطائفة من الجن فَلا يَمْلِكُونَ أي لا يستطيعون كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ أي رفع الشدة عنكم وَلا تَحْوِيلًا (٥٦) للضر إلى غيركم أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ أي الذين يتألهونهم يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ أي يحرص من هو أقرب إلى ربهم القربة بالطاعة إليه فأولئك مبتدأ وخبره يبتغون والذين عطف بيان والوسيلة مفعول ليبتغون وإلى ربهم متعلق بالوسيلة وأي موصولة بدل من فاعل يبتغون. وقيل: إن اسم الموصول خبر لاسم الإشارة ويبتغون حال من فاعل يدعون، والمعنى أولئك المعبودون لهم يعبدون ربهم يطلبون بتلك العبادة القربة إلى ربهم والفضيلة عنده وهم أقرب إليه وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ بها وَيَخافُونَ عَذابَهُ بتركها كدأب سائر العباد فأين هم من كشف الضر! فكيف يكونون آلهة؟ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧) أي يجب الحذر عنه وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً أي وما من قرية طائعة أهلها أو عاصية إلا وتهلك إما بالموت، وإما بالعذاب. فالصالحة: يكون إهلاكها بالموت. والطالحة: يكون إهلاكها بالعذاب بنحو السيف. أو المعنى ما من قرية من قرى الكفار إلا وتخرب إما بالاستئصال بالكلية أو تعذب بعذاب شديد دون ذلك كقتل كبرائهم وتسليط المسلمين عليهم بالسبي واغتنام الأموال، وأخذ الجزية وبفنون العقوبات الأخروية كانَ ذلِكَ أي الإهلاك والتعذيب فِي الْكِتابِ أي اللوح المحفوظ مَسْطُوراً (٥٨) أي مكتوبا وقد بين فيه أسباب ذلك ووقته.

صفحة رقم 629

وروي عن بعضهم أن خراب مكة من الحبشة، وخراب المدينة بالجوع، والبصرة بالغرق، والكوفة بالترك، وخراب الهند واليمن من قبل الجراد والسلطان.
وعن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «آخر قرية من قرى الإسلام خرابا»
«١» المدينة. وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ أي ما منعنا من إرسال المعجزات التي طلبتها قريش من إحياء الموتى وقلب الصفا ذهبا، وإزالة الجبال عن مكة ليزرعوا مكانها إلا تكذيب الأولين بالمعجزات حين جاءتهم باقتراحهم فيستحقوا عذاب الاستئصال، أي لو أظهر الله تلك المعجزات المقترحة لقريش، ثم لم يؤمنوا بها صاروا مستحقين لعذاب الاستئصال لكن إنزاله على هذه الأمة غير جائز، لأن الله تعالى علم أن فيهم من سيؤمن أو يؤمن أولادهم فلهذه المصلحة ما أجابهم الله تعالى إلى مطلوبهم وَآتَيْنا ثَمُودَ باقتراحهم النَّاقَةَ مُبْصِرَةً بكسر الصاد أي مبنية لنبوة صالح فَظَلَمُوا بِها أي ظلموا أنفسهم بتكذيبهم بها وأقبلوا أنفسهم للهلاك بعقرها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ المقترحة إِلَّا تَخْوِيفاً (٥٩) من نزول العذاب المستأصل على المقترحين فإن لم يخافوا ذلك نزل أو ما نرسل بعير مقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفا بعذاب الآخرة، فإن أمر المكذبين بها مؤخر إلى يوم القيامة وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ أي واذكر يا أشرف الخلق إذ بشرناك بأن الله يغلب أهل مكة ويقهرهم ويظهر دولتك عليهم، وهذه بشارة بوقعة بدر وعبر الله بالماضي، لأن كل ما أخبر الله بوقوعه فهو واجب الوقوع فكان كالواقع وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ليلة المعراج وهي ما رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم على اليقظة بعيني رأسه من عجائب الأرض والسماء إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ أي إلا امتحانا لأهل مكة لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما ذكر لهم قصة الإسراء فمنهم من كذبه ومنهم من كفر بعد إسلامه ومنهم من نافق ومنهم من توقف في حاله ومنهم من تردد في قلبه ومنهم من صدق كلامه صلّى الله عليه وسلّم وازداد المخلصون إيمانا وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ أي المذمومة فِي الْقُرْآنِ وهي الزقوم أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس حيث قالوا: إن محمدا يزعم أن نار جهنم تحرق الحجارة، ثم يقول: ينبت فيها الشجر فكيف تنبت في النار شجرة رطبة وهي تحرق الشجر، فينسبون لله العجز عن خلق شجرة في النار غافلين عن قدرته تعالى على كل شيء، فإن النعامة تبتلع الجمر والحديد المحمّى بالنار ولا يحرقها، وأن السمندل وهي دويبة في بلاد الترك يتخذ من وبره مناديل فإذا اتسخت طرحت في النار فيذهب وسخها وتبقى هي سالمة لا تعمل فيها النار وَنُخَوِّفُهُمْ بشجرة الزقوم وبعذاب الدنيا والآخرة فَما يَزِيدُهُمْ ذلك التخويف إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (٦٠) أي إلا تماديا في المعصية وتجاوزا عن الحد فلو أنا أرسلنا بما اقترحوه من الآيات لازدادوا تماديا في العناد فأهلكوا بعذاب الاستئصال كعادة من قبلهم وقد حكمنا بتأخير

(١) رواه الترمذي في المناقب، باب: ٦٧.

صفحة رقم 630
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية