آيات من القرآن الكريم

كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا
ﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ

ويستكبر (١)، ومعنى خَرْق الأرض في هذه الآية: نَقْبُها لا قطعها بالمسافة، وذُكِرَ في هذه الآية معنى آخر، قال قتادة: لا تمش كِبرًا ولا فَخرًا، فإن ذلك لا يبلغ بك أن تبلغ الجبال، ولا أن تخرق الأرض بكبرك وفخرك (٢)، ومعنى هذا أن مشي المرح يكون على ضربين: مَشيٌ باختيال على الأرض وتؤدة؛ بجر قدمه على الأرض كأنه يريد أن يخرقها، ومَشيٌ يتطاول في السماء بذخًا، فنهى الله تعالى في هذه الآية عنهما، وأخبر أنه لا يبلغ مما يريد كبير مبلغ، وإلى هذا أشار مجاهد؛ فقال في قوله: ﴿إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾ قال: الذي يمشي على عقبه، ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ قال: الذي يمشي على صدور قدميه (٣).
٣٨ - قوله تعالى: ﴿كُلُّ ذَلِكَ﴾ أشار إلى جميع ما تقدم ذكره مما أمر به ونهى عنه من قوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ و ﴿ذَلِكَ﴾ يصلح للواحد والجميع، والمؤنث والمذكر، على ما ذكرنا في مواضع.
وقوله تعالى: ﴿كَانَ سَيِّئُهُ﴾ قُرئ بالإضافة (٤) والتنوين (٥)، قال أبو

(١) "الغريب" لابن قتيبة ١/ ٢٥٦ بنصه تقريبًا.
(٢) أخرجه "عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٨ بنصه، و"الطبري" ١٥/ ٨٨ بنصه تقريبًا، أورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٣٣٠ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) أي ﴿سَيِّئُهُ﴾ مضافًا مذكرًا، قرأ بها: عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي. انظر: "السبعة" ص ٣٨٠، و"علل القراءات" ١/ ٣٢٣، و"الحجة للقراء" ٥/ ١٠٢، و"المبسوط في القراءات" ص ٢٢٨، و"تلخيص العبارات" ص ١١٣.
(٥) أي ﴿سَيِّئَةً﴾ منونًا مؤنثًا، قرأ بها: ابن كثير ونافع وأبو عمرو. انظر المصادر السابقة.

صفحة رقم 336

إسحاق: والإضافة أحسن (١)؛ لأن فيما جرى من الآيات سيئًا وحسنًا، فسيئُهُ بلا تنوين أحسن (٢)، ويؤكد ما ذكره أبو إسحاق: ما روي أن الحسن كان يقرأ بالإضافة، ويقول قد ذَكَرَ أمورًا قَبلُ؛ منها حسن ومنها سيء، فقال: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ﴾ لأن ما ذُكر الحَسَنُ، والسَّيِّئُ من المذكور المكروه، ويقوّي ذلك قوله: ﴿مَكْرُوهًا﴾ والتذكير فيه، ولو كان ﴿سَيِّئَةً﴾ غير مضاف لزم أن يكون مكروهةً، سيّما وقد تقدم ذِكْرُ المؤنث، ألا ترى أن قوله (٣):
ولا أرضَ (٤) أبْقَلَ إبْقَالَها (٥)

(١) هذا مما يؤخذ على النحويين من المفاضلة بين القراءات، مع أن كليهما سبعية متواترة.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٤٠ بنصه تقريبًا.
(٣) البيت لعامر بن جُوَيْن الطائي (جاهلي).
(٤) في جميع النسخ: (والأرض)، والتصويب من المصادر.
(٥) وصدره:
فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها
وهو من شواهد سيبويه في "الكتاب" ٢/ ٤٦، وورد في "شرح المفصل" ٥/ ٩٤، و"اللسان" (بقل) ١/ ٣٢٨، وورد غير منسوب في "الخصائص" ٢/ ٤١١، و"المحتسَب" ٢/ ١١٢، و"الحجة للقراء" ٤/ ٢٣٨، و"أمالي ابن الشجري" ١/ ٢٤٢، ٢٤٦، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ٢٦٣، و"الخزانة" ١/ ٤٥، ٤٩، ٥٠، ٧/ ٤٣٧.
(مزْنة): واحد المزن، وهو السحاب يحمل الماء، (الودق): المطر، (أبقل): أخرج البقل، وهو من النبات ما ليس بشجر؛ وهو الذي لا تبق له أُرُومة على الشتاء بعدما يُرعى.
والشاعر يصف أرضًا مخصبة بكثرة ما نزل بها من الغيث، والشاهد: حذف علامة التأنيث مع إسناد الفعل إلى ضمير المؤنث، على تأويل أن الأرض مكان، فكأنه قال: ولا مكان أبقل إبقالها، والمكان مذكر.

صفحة رقم 337
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية