
فيها الأشياء لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أي لتتوصلوا بضوء النهار إلى التصرف في معايشكم وَلِتَعْلَمُوا باختلاف الليل والنهار أو بمسير الشمس والقمر عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ الأشهر والأيام وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا انتصب كل بفعل مضمر، والتفصيل البيان.
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ انتصب كل بفعل مضمر، والطائر هنا العمل، والمعنى أن عمله لازم له، وقيل: إن طائره ما قدر عليه، وله من خير وشر، والمعنى على هذا أن كل ما يلقى الإنسان قد سبق به القضاء، وإنما عبر عن ذلك بالطائر، لأن العرب كانت عادتها التيمن والتشاؤم بالطير، وقوله في عنقه أي: هو كالقلادة أو الغل لا ينفك عنه كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً يعنى صحيفة أعماله بالحسنات والسيئات اقْرَأْ كِتابَكَ تقديره يقال له: اقرأ حَسِيباً أي محاسبا أو من الحساب بمعنى العدد وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى معناه حيث وقع لا يؤاخذ أحد بذنب أحد، والوزر في اللغة الثقل والحمل، ويراد به هنا الذنوب، ومعنى تزر تحمل وزر أخرى: أي وزر نفس أخرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا قيل: إن هذا في حكم الدنيا، أي أن الله لا يهلك أمة إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسول إليهم، وقيل: هو عام في الدنيا والآخرة، وأن الله لا يعذب قوما في الآخرة إلا وقد أرسل إليهم رسولا فكفروا به وعصوه، ويدل على هذا قوله: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ، قالُوا بَلى [تبارك: ٨] ومن هذا يؤخذ حكم أهل الفترات، واستدل أهل السنة بهذه الآية على أن التكليف لا يلزم العباد إلا من الشرع، لا من مجرد العقل.
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها
في تأويل أمرنا هنا ثلاثة أوجه:
أحدهما أن يكون في الكلام حذف تقديره: أمرنا مترفيها بالخير والطاعة فعصوا وفسقوا، والثاني أن يكون أمرنا عبارة عن القضاء عليهم بالفسق أي قضينا عليهم ففسقوا، والثالث أن يكون أمرنا بمعنى كثّرنا واختاره أبو علي الفارسي، وأما على قراءة آمرنا بمدّ الهمزة فهو بمعنى كثرنا، وأما على قراءة أمّرنا بتشديد الميم، فهو من الإمارة أي جعلناهم أمراء ففسقوا، والمترف: الغني المنعّم في الدنيا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
أي القضاء الذي قضاه الله وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ القرن مائة سنة، وقيل أربعون.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ الآية: في الكفار الذين يريدون الدنيا، ولا يؤمنون بالآخرة، على أن لفظها أعم من ذلك، والمعنى أنهم يعجل الله لهم حظا من الدنيا بقيدين: أحدهما

تقييد المقدار المعجل بمشيئة الله، والآخر: تقييد الشخص المعجل له بإرادة الله، ولمن نريد بدل من له، وهو بدل بعض من كل مَدْحُوراً أي مبعدا أو مهانا وَسَعى لَها سَعْيَها
أي عمل لها عملها كُلًّا نُمِدُّ انتصب كلا بنمد وهو من المدد ومعناه: نزيدهم من عطائنا هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ بدل من كلّا، والإشارة إلى الفريقين المتقدمين مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ يعني رزق الدنيا، وقيل: من الطاعات لمن أراد الآخرة، ومن المعاصي لمن أراد الدنيا، والأول أظهر مَحْظُوراً أي ممنوعا فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ يعني في رزق الدنيا لا تَجْعَلْ خطاب لواحد، والمراد به جميع الخلق، لأن المخاطب غير معين مَذْمُوماً أي يذمه الله وخيار عباده مَخْذُولًا أي غير منصور.
وَقَضى رَبُّكَ أي حكم وألزم وأوجب، أو أمر ويدل على ذلك ما في مصحف ابن مسعود: «ووصى ربك» أَلَّا تَعْبُدُوا أن مفسرة أو مصدرية على تقدير: بأن لا تعبدوا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ هي إن الشرطية دخلت عليها ما المؤكدة وجوابها فلا تقل لهما أف، والمعنى الوصية ببر الوالدين إذا كبرا أو كبر أحدهما وإنما خص حالة الكبر لأنهما حينئذ أحوج إلى البر والقيام بحقوقهما، لضعفهما ومعنى عندك: أي في بيتك وتحت كنفك أُفٍّ حيث وقعت اسم فعل، معناها قول مكروه، يقال عند الضجر ونحوه، وإنما المراد بها أقل كلمة مكروهة تصدر من الإنسان، فنهى الله تعالى أن يقال ذلك للوالدين، فأولى وأحرى ألا يقال لهما ما فوق ذلك، ويجوز في أفّ الكسر والفتح والضم، وهي حركات بناء، وأما تنوينها فهو للتنكير وَلا تَنْهَرْهُما من الانتهار وهو الإغلاظ في القول وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ استعارة في معنى التواضع لهما والرفق بهما، فهو كقوله: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: ٨٨] وأضافه إلى الذل مبالغة في المعنى كأنه قال: الجناح الذليل، ومن في قوله من الرحمة للتعليل أي من أجل إفراط الرحمة لهما والشفقة عليهما لِلْأَوَّابِينَ قيل: معناه الصالحين، وقيل:
المسبّحين، وهو مشتق من الأوبة بمعنى الرجوع، فحقيقته الراجعين إلى الله وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ خطاب لجميع الناس لصلة قرابتهم والإحسان إليهم، وقيل: وهو خطاب خاص بالنبي