
وجعل من أصوافها وأوبارها وأشعارها- فللغنم الصوف، وللجمال الوبر، وللمعز الشعر- جعل من الصوف والوبر والشعر أثاثا لبيوتكم، وجعل لكم فيها متاعا تتمتعون به إلى حد وزمن الله يعلمه، ملابسنا اليوم وأثاثنا في المنازل قد يكون غير هذه الأشياء، والله جعل لكم مما خلق من الأنعام والبيوت والجبال ظلالا تستظلون بها من وهج الشمس، وزمهرير البرد.
والله جعل لكم من الجبال أكنانا ومغارات تأوون إليها من العدو أو خوفا من الشمس أو من زحمة الناس، وجعل لكم سرابيل ولباسا تلبسونها فتقيكم الحر والبرد، وسرابيل تقيكم بأسكم في الحرب والشدائد ولقد لبس النبي صلّى الله عليه وسلّم لباس الحرب ودروعها ولأمتها استعدادا للقاء العدو، والله يفعل ما يشاء.
مثل ذلك الإتمام البالغ نهايته يتم عليكم نعمته في الدنيا والآخرة للدين والدنيا رجاء أن تسلموا لله وتنقادوا لصاحب هذه النعم وتتركوا عبادة الأوثان والأصنام واتباع الهوى والشيطان.
فإن تولوا وأعرضوا عنك يا محمد. فلا عليك شيء أبدا إنما عليك البلاغ المبين، وعلينا الحساب والجزاء.
هؤلاء الناس يعرفون نعمة الله بلسانهم فإذا سألتهم من صاحبها؟ قالوا: هو الله، ثم ينكرونها بأفعالهم وعبادتهم غير الله.
وأكثرهم الكافرون الجاحدون وأقلهم المؤمنون الصادقون.
مشهد من مشاهد يوم القيامة [سورة النحل (١٦) : الآيات ٨٤ الى ٨٩]
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)

المفردات:
يُسْتَعْتَبُونَ أصل العتب من عتب عليه يعتب إذا وجد عليه وأنكر عليه فعله وأعتبه أزال عتبة وترك ما كان يغضب عليه لأجله، واستعتبه استرضاه، والاسم العتبى وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضى العاتب، ومنه في الحديث «لك العتبى يا ربّ حتى ترضى» وقول النابغة الشاعر الجاهلى يعتذر للنعمان ابن المنذر.
فإن كنت مظلوما فعبدا ظلمته | وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب |
بعد بيان آيات الله التي ترشدنا إلى التوحيد الخالص ونعمه على الناس وبيان أن منهم المؤمنين وأكثرهم الكافرون أخذ يتكلم عن مشاهد يوم القيامة لعل فيها عبرة وعظة.
المعنى:
واذكر لهم يا محمد يوم نبعث من كل أمة من الأمم شهيدا عليهم بالإيمان والكفر صفحة رقم 330

والتبليغ والرسالة. انظر إلى قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [سورة النساء آية ٤١]، ثم لا يؤذن لهؤلاء الكفار في الاعتذار والدفاع عن أنفسهم إذ لا حجة لهم، وإيراد «ثم» يفيد أن منعهم من الكلام والاعتذار أشد عليهم من شهادة الأنبياء والرسل عليهم.
ولا هم يستعتبون إذ لا فائدة من العتاب مع العزم على السخط وعدم الرضا، ولا هم يسترضون أى: يكلفون أن يرضوا ربهم لأن الآخرة ليست دار تكليف وعمل:
وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم يوم القيامة- وقد رأوا بأعينهم ما وعدهم ربهم حقا قالوا: ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوهم ونعبدهم من دونك!! يا حسرتنا على ما فرطنا في جنبك يا رب وهم يقصدون بذلك إحالة الذنب والإثم على هؤلاء الشركاء.
وهذا عمل المتخبط المتحير في عمله.
أما الشركاء فألقوا إليهم القول، وردوا إليهم دعواهم أسوأ رد، قالوا لهم: إنكم أيها الشركاء، لكاذبون فيما تزعمون وتدعون، وتعللون به أنفسكم.
وألقى المشركون إلى الله يومئذ السلم، واستسلموا لقضاء الله مكرهين وانقادوا لعذابه الشديد، وضل عنهم ما كانوا يفترونه ويدعونه من أن لله شركاء ستشفع لهم، وتدفع عنهم السوء.
الذين كفروا، وصدوا عن سبيل الله وهو طريق الحق والإسلام زدناهم عذابا فوق العذاب، وألما فوق الألم بما كانوا يفسدون. ويوم نبعث من كل أمة شهيدا يشهد عليهم من أنفسهم إتماما للحجة، وقطعا للمعذرة، وتأكيدا لما مضى.
وجئنا بك يا محمد شهيدا على هؤلاء الأنبياء، فأنت الحكم العدل الذي تقضى بين الأمم وأنبيائها، وكتابك الذي أنزل عليك هو المهيمن على ما سبقه من الكتب وشاهد على رسالاتهم.
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء، وكان كتابك فيه البيان الشافي والدواء الناجع الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام آية ٣٨] وهو الهداية للناس، والراحة والبشرى التامة للمسلمين خاصة.