آيات من القرآن الكريم

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ

وكل هاتيك النعم لتكون سببا للانقياد والطاعة لله عزّ وجلّ، شكرا على نعمه.
٤- تشير الآية الثالثة إلى أن مهمة النبي صلّى الله عليه وسلّم هي التبليغ، وأما الهداية فإلى الله، فإن أعرض الناس عن النظر والاستدلال والإيمان، فعليهم تبعة إعراضهم.
٥- الآية الرابعة صريحة في أن الكفار يعرفون أن النعم من عند الله، ولكنهم ينكرونها بقولهم: إنهم ورثوا ذلك عن آبائهم، أو بواسطة شفاعة الأصنام. ويعرفون نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم ثم يكذبونه، ويعرفون نعم الله بأقوالهم وينكرونها بأفعالهم، ولا يستعملونها في طلب رضوان الله تعالى.
وعيد المشركين وأحوالهم يوم القيامة بعث الشاهد عليهم وعلى المؤمنين وعدم تخفيف العذاب ومضاعفته عليهم وتكذيب المعبودات لهم
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٨٤ الى ٨٩]
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)

صفحة رقم 202

المفردات اللغوية:
وَيَوْمَ نَبْعَثُ واذكر مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جيل من الناس شَهِيداً عَلَيْهِمْ هو نبيهم يشهد لها وعليها بالإيمان والكفر يوم القيامة ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا في الاعتذار إذ لا عذر لهم، أي إنهم يستأذنون فلا يؤذن لهم وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي الله الَّذِينَ ظَلَمُوا كفروا الْعَذابَ النار فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ العذاب وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ يمهلون ويؤخرون إذا رأوه.
شُرَكاءَهُمْ من الشياطين وغيرها الذين شاركوهم في الكفر بالحث عليه، أو أوثانهم التي دعوها نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ نعبدهم أو نطيعهم، وهو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك، أو التماس بأن يشطر عذابهم فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ أي قالوا لهم إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ أي أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله، أو أنهم ما عبدوهم حقيقة، وإنما عبدوا أهواءهم، كقوله تعالى: ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ [القصص ٢٨/ ٦٣] كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ [مريم ١٩/ ٨٢] ولا يمتنع إنطاق الله الأصنام به.
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ أي استسلموا لحكمه، بعد الاستكبار في الدنيا وَضَلَّ عَنْهُمْ غاب وضاع عنهم وبطل ما كانُوا يَفْتَرُونَ من أن آلهتهم ينصرونهم ويشفعون لهم، حين كذبوهم وتبرؤوا منهم.
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي ومنعوا الناس عن دين الله وهو الإسلام، والحمل على الكفر زِدْناهُمْ عَذاباً لصدهم فَوْقَ الْعَذابِ المستحق بكفرهم يُفْسِدُونَ بصدهم الناس عن الإيمان.
وَيَوْمَ نَبْعَثُ واذكر شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ هو نبيهم، فإن نبي كل أمة بعث منهم وَجِئْنا بِكَ يا محمد شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ قومك أو أمتك الْكِتابَ القرآن تِبْياناً بيانا لِكُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه الناس من أمر الشريعة وَهُدىً من الضلالة وَبُشْرى بالجنة لِلْمُسْلِمِينَ خاصة، وهم الموحدون الخاضعون لله.

صفحة رقم 203

المناسبة:
بعد أن أوضح الله تعالى حال المشركين الذين عرفوا نعمة الله ثم أنكروها، وأبان أن أكثرهم الكافرون، أتبعه بالوعيد، فذكر حالهم يوم القيامة وبعض مشاهدهم من شهادة نبيهم لهم أو عليهم، وعدم تخفيف العذاب عنهم ومضاعفته عليهم، وتكذيب المعبودات لهم أنهم شركاء لله، أو أنهم ما عبدوهم حقيقة، وإنما عبدوا أهواءهم.
ثم ذكر تعالى نوعا آخر من التهديدات المانعة من المعاصي: وهو إحضار شاهد على كل أمة، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم شاهد على أمته، وأن من مزاياه بيان أحكام القرآن الذي هو هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين بالجنان.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن شأن المشركين وأحوالهم يوم القيامة، فيقول: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً.
أي واذكر أيها الرسول لهؤلاء المشركين يوم نبعث من كل أمة شاهدا عليهم، وهو نبيهم يشهد عليهم بما أجابوه عما بلّغهم عن الله تعالى، إما بالإيمان وإما بالكفر والعصيان، كما قال تعالى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء ٤/ ٤١].
ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثم لا يسمح للكفار بالاعتذار والدفاع عن أنفسهم، إذ لا حجة لهم، ولأنهم يعلمون كذبهم في الاعتذار، كقوله تعالى:
هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [المرسلات ٧٧/ ٣٥].
وإيراد ثُمَّ يدل على أن منعهم من الكلام والاعتذار أشد عليهم من شهادة نبيهم عليهم.

صفحة رقم 204

وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي ولا يطلب منهم العتاب إذ لا فائدة في العتاب مع سخط الله وغضبه، فإن الرجل يطلب العتاب من خصمه إذا كان جازما أنه إذا عاتبه، رجع إلى صالح العمل، والآخرة دار جزاء لا دار تكليف وعمل، ولا أمل في الرجوع إلى الدنيا.
وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا.. أي وإذا عاين الذين أشركوا وجحدوا نبوة الأنبياء العذاب، فلا ينجو منهم أحد، ولا يخفف عنهم من شدته ساعة واحدة، ولا يمهل عقابهم ولا يؤخر عنهم، بل يؤخذون بسرعة من الموقف بلا حساب لأنه فات وقت التوبة والإنابة، وحان وقت الجزاء على الأعمال.
ونظير الآية قوله تعالى: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً، وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ، دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً «١»، لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً، وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان ٢٥/ ١٢- ١٤] وقوله سبحانه: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً [الكهف ١٨/ ٥٣].
ثم أخبر تعالى عن تبري آلهة المشركين منهم في وقت أحوج ما يكونون إليها، وهذا من بقية وعيد المشركين، فقال: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ...
أي إذا شاهد المشركون بالله يوم القيامة شركاءهم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله في الدنيا، ألقوا تبعة شركهم عليها، وقالوا: هؤلاء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم وندعوهم من دونك، قاصدين بذلك إحالة الذنب والإثم على هؤلاء الشركاء، وهو شأن المتخبط في عمله، كالغريق الذي يتمسك بما تقع يده عليه.
فرد الشركاء قائلين: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ.. أي قالت لهم الآلهة:

(١) الثبور: الهلاك.

صفحة رقم 205

كذبتم، ما نحن أمرناكم بعبادتنا، كقوله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الأحقاف ٤٦/ ٥- ٦] وقوله:
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم ١٩/ ٨١- ٨٢].
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ أي استسلم العابد والمعبود، وأقروا لله بالربوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد، وذلوا واستسلموا لله جميعهم، فلا أحد إلا سامع مطيع، كما قال تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا [السجدة ٣٢/ ١٢]. وقال: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مريم ١٩/ ٣٨] أي ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ. وقال: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه ٢٠/ ١١١] أي خضعت وذلت واستسلمت.
وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي وذهب عنهم افتراؤهم بنسبة الشركاء لله، وأنها نصراء وشفعاء لهم، كما حكى تعالى عنهم: وَيَقُولُونَ: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس ١٠/ ١٨] وذلك حين كذبوهم وتبرؤوا منهم.
وبعد ذكر وعيد الذين كفروا الضالين، أتبعه بوعيد من ضم إلى كفره صد غيره عن سبيل الله، من الضالين المضلين، فقال: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا..
أي الذين جحدوا النبوة وأشركوا بالله وكفروا بأنفسهم وحملوا غيرهم على الكفر، وصدوا عن سبيل الله، وهو الإيمان بالله ورسوله، يضاعف الله عقابهم، كما ضاعفوا كفرهم، فهم في الحقيقة ازدادوا كفرا على كفر، فاستحقوا عذابين:
عذاب الكفر، وعذاب الإضلال والإفساد، والصد عن سبيل الله، واتباع طريق الحق والإسلام، كقوله تعالى: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام ٦/ ٢٦] أي ينهون الناس عن اتباع محمد، ويبتعدون هم منه أيضا.

صفحة رقم 206

بِما كانُوا يُفْسِدُونَ أي هذه الزيادة من العذاب بسبب الإفساد والصد.
وهذا دليل على أن من دعا غيره إلى الكفر والضلال، فقد عظم عذابه، فكذلك إذا دعا إلى الدين الحق واليقين، فقد عظم قدره عند الله تعالى.
والآية دليل على تفاوت الكفار في عذابهم، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم، كما قال تعالى: قالَ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ، وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف ٧/ ٣٨].
ثم خصص الله تعالى بالذكر شهادة محمد صلّى الله عليه وسلّم على أمته، وهو نوع آخر من التهديد المانع من المعاصي، فقال مخاطبا رسوله: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ..
أي واذكر أيها الرسول يوم نبعث في كل أمة (أي قرن وجماعة) نبيها يشهد عليها، قطعا للحجة والمعذرة، وجئنا بك شاهدا على هؤلاء أي أمتك، بما أجابوك به عن رسالتك، فيظهر لك الشرف الرفيع والمقام العظيم.
وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدر سورة النساء، فلما وصل إلى قوله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء ٤/ ٤١]
فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حسبك»
فقال ابن مسعود رضي الله عنه: فالتفتّ، فإذا عيناه تذرفان.
ثم أبان الله تعالى بمناسبة بيان شهادة النبي على أمته أنه أزاح علتهم فيما كلفوا، فلم يبق لهم حجة ولا معذرة، فقال:
وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً.. أي ونزلنا عليك أيها الرسول هذا القرآن تبيانا لكل شيء من العلوم والمعارف الدينية، مما يحتاج إليه الناس في حياتهم، وهدى للضالين، ورحمة لمن صدّق به، وبشرى لمن أسلم لله وجهه، فأطاعه وأناب إليه، بجنان الخلد والثواب العظيم.

صفحة رقم 207

وبيان القرآن لأحكام التشريع حلاله وحرامه إما بالوحي نصا ومعنى مباشرة، وإما بالوحي معنى وهو السنة التي فيها بيان آخر لمجمل القرآن، كما قال تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل ١٥/ ٤٤]
وقال صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معديكرب: «إني أوتيت القرآن ومثله معه»
ثم يأتي دور الاجتهاد في نطاق النصوص الشرعية، وفي ضوء مبادئ التشريع، وروح الشريعة العامة، وضمن مقاصدها وأهدافها العامة. والاجتهاد يشمل كل مصادر التشريع الأخرى غير النصية من إجماع وقياس واستصلاح واستحسان وعرف وسد ذريعة واستصحاب وغير ذلك.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- كل نبي شاهد على أمته بما أجابوه عن دعوته، وليس في الآخرة مجال للاعتذار عن التقصير والدفاع عن النفس، ولا يكلف الكفار أن يرضوا ربهم يوم القيامة لأن الآخرة ليست بدار تكليف، ولا يتركون فيرجعوا إلى الدنيا فيتوبوا.
٢- لا تخفيف لعذاب جهنم عن المشركين الظالمين، فيدخلون فيها، ولا يؤخرون ولا يمهلون، وإنما يؤخذون بسرعة من الموقف بلا نقاش في الحساب، إذ لا توبة لهم حينئذ.
٣- تتبرأ الآلهة المزعومة من عبادة عابديها، وتكذبهم بأنها لم تكن آلهة، ولا أمرتهم بعبادتها، فينطق الله الأصنام حتى تظهر عند ذلك فضيحة الكفار.
ويستسلم العابد والمعبود لحكم الله فيهم، ويبعث الله المعبودين من أصنام وأوثان وغيرها، فيتّبعهم العابدون حتى يوردوهم النار.
ورد في صحيح مسلم من حديث أنس: «من كان يعبد شيئا فليتّبعه، فيتّبع من كان يعبد الشمس

صفحة رقم 208

الشمس، ويتّبع من كان يعبد القمر القمر، ويتّبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت»
ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وفيه: «فيمثّل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النار ناره، فيتّبعون ما كانوا يعبدون».
٤- للكفار الذين يصدون عن سبيل الله وهو سبيل الحق والإسلام عذاب مضاعف بسبب إفسادهم في الدنيا بالكفر والمعصية. ونوع زيادة العذاب موضح في الحديث التالي،
روى الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن أهل النار إذا جزعوا من حرّها، استغاثوا بضحضاح في النار، فإذا أتوه، تلقّاهم عقارب كأنهم البغال الدّهم، وأفاع كأنهن البخاتيّ «١» تضربهم، فذلك الزيادة».
٥- الأنبياء- كما ذكرنا- شهود على أممهم يوم القيامة بأنهم قد بلغوهم الرسالة، ودعوهم إلى الإيمان، وفي كل زمان شهيد، وإن لم يكن نبيا، وهم أئمة الهدى خلفاء الأنبياء والعلماء حفظة شرائع الأنبياء.
والنبي صلّى الله عليه وسلّم شاهد على أمته والأمم الأخرى، كما قال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة ٢/ ١٤٣] وقال: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [الحج ٢٢/ ٧٨].
قال القرطبي: فعلى هذا لم تكن فترة إلا وفيها من يوحّد الله، كقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل الذي
قال فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يبعث أمة وحده»
وسطيح «٢»، وورقة بن نوفل الذي
قال فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رأيته ينغمس

(١) البخاتي: جمال ضخام طوال الأعناق.
(٢) سطيح: هو كاهن بني ذئب، كان يتكهن في الجاهلية، واسمه ربيع بن ربيعة.

صفحة رقم 209
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية