
﴿والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون﴾ قوله عز وجل: ﴿والله جعل لكم مما خلق ظلالاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: البيوت، قاله الكلبي. الثاني: الشجر، قاله قتادة. ﴿وجعل لكم من الجبال أكناناً﴾ الأكنان: جمع كِنّ وهو الموضع الذي يستكن فيه، وفيه وجهان:
صفحة رقم 205
أحدهما أنه ظل الجبال. الثاني: أنه ما فيها من غار أو شَرَف. ﴿وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ﴾ يعني ثياب القطن والكتان والصوف. ﴿وسرابيل تقيكم بأسكم﴾ يعني الدروع التي تقي البأس، وهي الحرب. قال الزجاج: كل ما لبس من قميص ودروع فهو سربال. فإن قيل: فكيف قال: ﴿وجعل لكم من الجبال أكناناً﴾ ولم يذكر السهل وقال ﴿تقكيم الحر﴾ ولم يذكر البرد؟ فعن ذلك ثلاثة أجوبة: أحدها: أن القوم كانوا أصحاب جبال ولم يكونوا أصحاب سهل، وكانوا أهل حر ولم يكونوا أهل برد، فذكر لهم نعمه عليه مما هو مختص بهم، قاله عطاء. الثاني: أنه اكتفى بذكر احدهما عن ذكر الآخر، إذ كان معلوماً أن من اتخذ من الجبال أكناناً اتخذ من السهل، واسرابيل التي تقي الحر تقي البرد، قاله الفراء، ومثله قول الشاعر:
(وما أدري إذا يممتُ أرضاً | أريد الخير أيهما يليني.) |

أحدها: أنه عنى النبي ﷺ يعرفون نبوته ثم ينكرونها ويكذبونه، قاله السدي. الثاني: أنهم يعرفون منا عدد الله تعالى عليهم في هذه السورة من النعم وأنها من عند الله وينكرونها بقولهم أنهم ورثوا ذلك عن آبائهم، قاله مجاهد. الثالث: أن انكارها أن يقول الرجل: لولا فلان ما كان كذا وكذا ولولا فلانٌ ما أصبت كذا، قاله عون بن عبد الله. الرابع: أن معرفتهم بالنعمة إقرارهم بأن الله رزقهم، وإنكارهم قولهم: رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا. الخامس: يعرفون نعمة الله بتقلبهم فيها، وينكرونها بترك الشكر عليها. ويحتمل سادساً: يعرفونها في الشدة، وينكرونها في الرخاء. ويحتمل سابعاً يعرفونها بأقوالهم، وينكرونها بأفعالهم. قال الكلبي: هذه السورة تسمى سورة النعم، لما ذكر الله فيها من كثرة نعمه على خلقه. ﴿وأكثرهم الكفارون﴾ فيه وجهان: أحدهما: معناه وجميعهم كافرون، فعبر عن الجميع بالأكثر، وهذا معنى قول الحسن. الثاني: أنه قال ﴿وأكثرهم الكافرون﴾ لأن فيهم من جرى عليه حكم الكفر تبعاً لغيره كالصبيان والمجانين، فتوجه الذكر إلى المكلفين.
صفحة رقم 207