
فقيل: لكل من أسرع في الخدمة والعمل: حفدة، واحدهم حافد، ومنه يقال في دعاء الوتر: إليك نسعى ونحفد، أي نسرع إلى العمل بطاعتك.
وأنشد ابن جرير [للراعي] :
كلفت مجهولها نوقا يمانية | إذا الحداة على أكسائها حفدوا «١» |
قال ابن عبّاس: بالأصنام.
وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ يعني التوحيد الباطل فالشيطان أمرهم بنحر البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ بما أحلّ الله لهم هُمْ يَكْفُرُونَ يجحدون تحليله.
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ يعني المطر وَالْأَرْضِ يعني النبات.
شَيْئاً، قال الأخفش: هو بدل من الرزق وهو في معنى: ما لا يملكون من الرزق شيئا قليلا ولا كثيرا.
قال الفراء: نصب (شَيْئاً) بوقوع الرزق عليه. كما قال سبحانه: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً «٢» أي يكفت الأحياء والأموات. ومثله قوله تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ «٣».
وَلا يَسْتَطِيعُونَ ولا يقدرون على شيء، فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ يعني الأشباه والأشكال فيشبهوه بخلقه ويجعلون له شريكا فإنه واحد لا مثيل له إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ خطأ ما يضربون له من الأمثال وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ صواب ذلك من خطأه.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٧٥ الى ٧٨]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)
(٢) سورة المرسلات: ٢٥- ٢٦.
(٣) سورة البلد: ١٤- ١٥.

ثمّ ضرب الله تعالى مثلا المؤمن والكافر فقال عز من قائل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ هو مثل الكافر رزقه الله مالا فلم يقدّم خيرا ولم [يعمل] فيه بطاعة الله تعالى وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هو مثل المؤمن أعطاه الله مالا فعمل فيه بطاعة الله وأنفقه فيما يرضي الله سرا وجهرا فأثابه الله على ذلك النعيم المقيم في الجنة هَلْ يَسْتَوُونَ ولم يقل يستويان لمكان (من) لأنه اسم مبهم يصلح للواحد، والاثنين، والجميع، والمؤنث، والمذكر، وكذلك قوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً ثمّ قال: وَلا يَسْتَطِيعُونَ بالجمع لأجل (ما) ومعنى الآية: هل يستوي هذا الفقر والبخل والغنى [والسخاء] فكذلك لا يستوي الكافر العاصي المخالف لأمر الله والمؤمن المطيع له.
روى ابن جريج عن عطاء: عَبْداً مَمْلُوكاً قال: هو أبو جهل بن هشام وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً أبو بكر الصديق (رضى الله عنه).
ثمّ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ يقول الله تعالى: ليس الأمر كما يفعلون ولا القول كما يقولون، ما للأوثان عندهم من يد، ولا معروف فيحمد عليه، إنما الحمد هو الكامل لله خالصا، لأنه هو المنعم والخالق والرازق ولكن أكثر هؤلاء الكفرة لا يعلمون أنها كذلك. ثمّ ضرب مثلا آخر بنفسه والأصنام فقال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ يرسله لا يَأْتِ بِخَيْرٍ لأنه لا يفهم ما يقال، ولا يفهم عنه.
وقال ابن مسعود: أينما توجهه لا يأت بخير، هذا مثل للصنم الذي لا يسمع ولا ينطق ولا يعقل ولا يفعل وهو كلّ على [عائده] يحتاج أن يحمله ويضعه ويخدمه هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ يعني الله قادر متكلم بأمر التوحيد فليس كصنمكم، فإنه لا يأمر بالتوحيد وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
قال الكلبي: يعني وهو يدلكم على صراط مستقيم، وقيل: هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
قال الكلبي: يعني وَهُوَ يدلكم عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
آخر: ومن قال: كل المسلمين المؤمن والكافر، وهي رواية عقبة عن ابن عبّاس.
وروى إبراهيم بن عكرمة بن يعلي بن منبّه عن ابن عبّاس قال: نزلت هذه الآية في عثمان ابن عفان (رضي الله عنه) ومولاه. وكان عثمان ينفق عليه ويكفيه المؤنة وكان مولاه يكره الإسلام [ويأباه وينهاه عن] الصدقة ويمنعه من النفقة.
وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في هاشم بن عمرو بن الحرث بن ربيعة القرشي وكان رجلا قليل الخير يعادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.