
مدى الجملة القرآنية من جهة وبيان لما يمكن أن ينفع الإنسان بعد موته من أعمال صالحة وحثّ عليها من جهة أخرى.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٢ الى ٦٤]
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)
. (١) مفرطون: قرئت الراء بالفتح والتخفيف وبالكسر والتشديد، والقراءة الأولى بمعنى أنهم مهملون ومتروكون في النار، أو مقدمون إليها بسرعة. والقراءة الثانية بمعنى أنهم مهملون ومقصرون في حقّ الله.
في الآيات:
١- في الفقرة الأولى من الآية الأولى حكاية تنديدية مرة أخرى لعقيدة المشركين باتخاذ الله أولادا من صنف يكرهونه.
٢- وفي الفقرة الثانية حكاية تنديدية أخرى لما كانوا يزعمونه من أن لهم الحسنى وهم كاذبون في زعمهم.
٣- وفي بقية الآية تقرير بأسلوب الجزم والإنذار بأن لهم النار التي سوف يطرحون فيها ويهملون.
٤- واحتوت الآية الثانية استطرادا تقريريا مع القسم وجه الخطاب فيه إلى النبي ﷺ بأن الله قد أرسل الرسل من قبله إلى الأمم السابقة فكان من شأن هذه الأمم أن زيّن الشيطان لهم ما كانوا عليه من باطل. وكان وليّهم وهو اليوم كذلك وليّ المشركين الكفار الذين حقّ عليهم عذاب الله الشديد كما حقّ على من سبقهم من أمثالهم.

٥- واحتوت الآية الثالثة تطمينا للنبي ﷺ وتنويها بالذين آمنوا به، فالله لم ينزل عليه الكتاب إلّا ليبين للناس ما هم مختلفون فيه من الحقّ والباطل وليكون هدى ورحمة لمن حسنت نيته وصدقت رغبته في الحق والإيمان.
والآيات كسابقاتها استمرار في الموضوع والسياق السابقين كما هو المتبادر.
وقد ورد بعض ما في هذه الآيات في مواضع وسور سابقة وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة والزيادة.
تعليق على قول المشركين أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى
والحسنى التي حكت الفقرة الثانية من الآية الأولى أن المشركين كانوا يزعمونها لأنفسهم هي على ما يتبادر في مقام التبجح بما هم فيه من حالة حسنة أفضل من حالة النبي وأتباعه وكون ذلك في نظرهم اختصاصا من الله لهم. وطبيعي أن هذا الزعم إنما هو صادر من زعمائهم الذين كان الجدال والحجاج يدوران بينهم وبين النبي في الأعمّ الأغلب. وقد تكررت حكاية زعمهم هذا في سور أخرى مرّ بعضها. ولقد قال المفسرون «١» بالإضافة إلى هذا الوجه الذي قالوه أيضا: إنها بسبيل حكاية زعمهم على سبيل التبجح والتحدي كذلك إنه إذا كان بعث أخروي فلسوف يكون لهم عند الله الحسنى كما جعل لهم ذلك في الدنيا، ولا يخلو هذا أيضا من وجاهة. وقد تكررت حكايته عنهم في آيات أخرى مرّ تفسير سورها. حيث يبدو من خلال ذلك شدّة عناد زعماء المشركين الكفار ومقابلتهم للنذر القرآنية كلما كانوا يسمعونها بالتبجح والتحدي وإصرارهم على مواقفهم باعتبار أن ما هم عليه هو الأفضل الذي شاءه الله لهم وأن هذا سوف يستمر لهم أيضا.
ومع خصوصية المواقف الزمنية فإن في التنديد القرآني تلقينا مستمر المدى