آيات من القرآن الكريم

وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﰿ

عادة الأمم في تكذيب الرسل ومهمة النبي في تبيان القرآن وجعله هدى ورحمة
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)
الإعراب:
وَهُدىً وَرَحْمَةً منصوبان على المفعول لأجله.
المفردات اللغوية:
أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ رسلا. فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ السيئة، فرأوها حسنة، فأصروا على قبائحها، وكفروا بالمرسلين. فَهُوَ وَلِيُّهُمُ متولي أمورهم، وناصرهم ومساعدهم، والضمير يعود إلى الأمم. الْيَوْمَ أي في الدنيا، وقيل: يوم القيامة، على حكاية الحال الآتية، أي لا ولي لهم غيره، وهو عاجز عن نصر نفسه، فكيف ينصرهم؟! وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم في الآخرة. الْكِتابَ القرآن. إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ للناس. الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ من أمر الدين كالتوحيد، والقدر، وأحوال المعاد، وأحكام الأفعال. وَهُدىً وَرَحْمَةً معطوفان على محل لِتُبَيِّنَ.
المناسبة:
بعد أن فنّد الله تعالى فساد عقائد المشركين وأقوالهم، وأمهلهم العذاب، سلّى رسوله صلّى الله عليه وسلّم عما كان يناله من أذى قومه، ونسبتهم إلى الله ما لا يجوز، بإخباره بإرسال الرسل إلى الأمم المتقدمة، مقسما على ذلك، ومؤكدا بالقسم، وب «قد» التي تقتضي تحقيق الأمم، فزين لهم الشيطان أعمالهم، من تماديهم على

صفحة رقم 163

الكفر، فهو وليهم اليوم، حكاية حال ماضية، أي لا ناصر لهم في حياتهم إلا هو، أو حكاية حال آتية، وهي يوم القيامة، فلا تحزن لتكذيبهم، فلست بدعا من الرسل، وليس قومك منفردين بالعتو والاستكبار.
وناسب ذلك بيان مهمة النبي صلّى الله عليه وسلّم وهي تبيان أحكام القرآن للمختلفين وهم أهل الملل والأهواء، وتوضيح ما اختلفوا فيه وهو الدين، مثل التوحيد والشرك، والجبر والقدر، وإثبات المعاد ونفيه، وأحكام الدين مثل تحريمهم أشياء حلال كالبحيرة والسائبة، وتحليل أشياء حرام كالميتة.
التفسير والبيان:
هذه الآية تسلية من الله لرسوله عما يناله من الحزن بسبب جهالة قومه وإعراضهم عن رسالته، فقال: تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا.. أي والله لقد أرسلنا رسلا إلى الأمم الخالية من قبلك، فكذبت الأمم رسلها، وحسّن لهم الشيطان أعمالهم من الكفر وعبادة الأوثان، فهو وليهم اليوم، أي هم رازحون تحت العذاب والنكال.
ووليهم اليوم، أي ناصرهم في الدنيا، على زعمهم، حكاية للحال القائمة ولكن لهم عذاب مؤلم في الآخرة، فجعل اليوم عبارة عن زمان الدنيا. وقيل:
فَهُوَ وَلِيُّهُمُ أي قرينهم في النار يوم القيامة، حكاية للحال الآتية، وهي حال كونهم معذبين في النار، أي فهو ناصرهم اليوم، لا ناصر لهم غيره، نفيا للناصر لهم على أبلغ الوجوه، وأطلق على يوم القيامة اسم الْيَوْمَ لشهرته.
وبئس الناصر المعين الذي لا يملك لهم خلاصا، ولا يستطيع إنقاذا لهم، ولهم في الآخرة عذاب شديد الألم إذ لا تنفعهم ولاية الشيطان.
فلا تحزن يا محمد على تكذيب قومك لك، فلك أسوة بالمرسلين قبلك، ودع

صفحة رقم 164

المشركين الذين كذبوا الرسل فإنما وقعوا فريسة لتزيين الشيطان لهم ما فعلوه.
ثم أبان الله تعالى أن الهلاك لا يكون إلا بعد بيان الحجة. فقال:
وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ.. أي إنما أنزلنا عليك القرآن لهدف واضح، وهو أن تبين للناس الذي يختلفون فيه في العقائد والعبادات، فيعرفوا الحق من الباطل، والقرآن فاصل بين الناس فيما يتنازعون فيه، وهو هدى للقلوب الحائرة أو الضالة، ورحمة لقوم يصدقون به، ويتمسكون به.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية الأولى على أن سنة الله في عباده منذ القديم إرسال الرسل بالحجة الواضحة والبيان الشافي، وما محمد صلّى الله عليه وسلّم إلا كغيره من الرسل.
وشأن الأمم تكذيب المرسلين، لتأثرهم بتزيين الشيطان أعمالهم، وإغوائهم، وصرفهم عن إجابة أنبيائهم.
وهكذا كان موقف كفار مكة، أغواهم الشيطان، كما فعل بكفار الأمم قبلهم.
ولكن سيتلقى هؤلاء الكفار جميعا جزاء أوفى وعذابا أليما في نار جهنم، ولن يكون لهم ولي ولا ناصر ولا معين ينقذهم مما هم فيه.
ودلت الآية الثانية على أن مهمة النبي صلّى الله عليه وسلّم هي تبيان ما جاء في القرآن، وبيان ما اختلف فيه أهل الملل والأهواء من الدين والأحكام، فتقوم الحجة عليهم ببيانه. أما الدين المختلف فيه فهو مثل التوحيد والشرك والجبر والقدر، وإثبات المعاد ونفيه. وأما الأحكام فهي مثل تحريم أشياء تحل شرعا كالبحيرة والسائبة وغيرهما، وتحليل أشياء تحرم كالميتة.
والقرآن تبيان للناس وهدى أي رشد، ورحمة للمؤمنين به.

صفحة رقم 165
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية