
يفهم، وفي قوله: ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ مخرج من يفهم، ومثله قوله: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ (١) [الأعراف: ١٩٨]، وحمله المعنى ﴿وَيَجْعَلُونَ﴾، أي. المشركون، ﴿لِمَا لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي للشركاء الذين لا يعلمون شيئًا ولا معرفة لهم ولا حس، ﴿نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾، هذا كلامه، ولعل هذا القول أقرب؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى تقدير محذوف، قال صاحب النظم: ولو كان هذا العلم مضافاً إلى المشركين لاستحال المعنى؛ لأنه لا يحتمل أن يجعلوا نصيبًا من رزقهم لما لا يعلمونه (٢)، ثم خاطبهم بعد الخبر عنهم، فقال: ﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ﴾ أي سؤال توبيخ حتى يعترفوا به على أنفسهم؛ لأن سؤال التوبيخ هو الذي لا جواب لصاحبه إلا ما يظهر فيه فضيحتة (٣).
وقوله تعالى: ﴿عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ أي تتقولونه على الله من أنه أمركم بذلك.
٥٧ - قوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ﴾ قال المفسرون: هؤلاء خزاعة (٤)
(٢) انظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٥٣، ذكر القولين كمسوغات لترجيح القول الثاني دون نسبته لصاحب النظم أو الواحدي.
(٣) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٣٩٢، بنحوه.
(٤) خزاعة: قبيلة من الأزد من القحطانية، وهم بنو عمرو بن ربيعة، وهو لُحيُّ بن عامر ابن قَمَعَة بن إلياس، وهو أول من بحّر البحيرة وسيَّب السائبة. سُمُّوا بذلك لأنهم انخزعوا عن جماعة الأسد أيام سيل العرم لمّا صاروا إلى الحجاز، فافترقوا بالحجاز فصار قومٌ إلى عُمان وآخرون إلى الشام، وبطونهم هي: بنو كعب، وبنو عديّ، وبنو نصر، وبنو مُلَيح، وبنو جفنة، وبنو المُصْطَلِق، وبنو الحياء. انظر: "الاشتقاق" ص ٤٦٨، و"جمهرة أنساب العرب" ص ٤٦٧، و"نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب" ص ٢٢٨، و"معجم قبائل العرب" ١/ ٣٣٨.

وكنانة (١) زعموا أن الملائكة بنات الله (٢)، ثم نَزَّه نفسه فقال: ﴿سُبْحَانَهُ﴾ أي تنزيهًا عما زعموا.
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ أجاز الفراء في (ما) وجهين؛ أحدهما: أن يكون في محل النصب على معنى: ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون، والثاني: أن يكون رفعًا على الابتداء؛ كأنه تم الكلام عند قوله: ﴿سُبْحَانَهُ﴾، ثم ابتدأ فقال: ﴿وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ يعني البنين، وهذا كقوله: ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ﴾ (٣) [الطور: ٣٩]، ثم اختار الوجه الثاني فقال: لو كان نصبًا لقال: ولأنفسهم ما يشتهون؛ لأنك تقول: جعلتَ لنفسِك كذا وكذا، ولا تقول: جَعلتَ لك (٤)، و (٥) الزجاج أجاز (٦) الوجه الأول (٧) وقال: (ما) في موضع رفع لا غير، المعنى: ولهم الشيء الذي يشتهونه،
(٢) ورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٨أبنصه، وانظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٢٤، والزمخشري ٢/ ٣٣٢، وابن الجوزي ٤/ ٤٥٨، والفخر الرازي ٢٠/ ٥٤، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١١٦، و"تفسير البيضاوي" ٣/ ١٨٤، والخازن ٣/ ١٢٠، وأبي حيان ٥/ ٥٠٣.
(٣) حيث تم الكلام على الآية السابقة [٣٨]، وهي: ﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾، تم ابتدأ بهذه الآية.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٠٥، بتصرف.
(٥) ورد في جميع النسخ: (وابن الزجاج)، وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
(٦) في جميع النسخ: (أجازه)، والصحيح المثبت.
(٧) الصحيح أنه أجاز الوجه الثاني كذلك.