
الله بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، وهم في حال غفلتهم كما فعل بقوم لوط.
أو يأخذهم على تخوف أى حال تخوف وتوقع العذاب، وقيل على تخوف أى:
على تنقص في المال والولد والزرع والثمار، فإن ربكم لرؤوف رحيم حيث لم يعاجل بالعقوبة بل أمهل رجاء التوبة والرجوع إلى الخالق. وما لهم ينكرون ذلك!! ويؤمنون على أنفسهم العذاب!! أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله، ويميل من جانب إلى جانب، وفي هذا من مظاهر القدرة والعظمة ما لا يخفى فإن دوران الأرض، وتحركها حتى يتحول وجهها من جهة إلى جهة، والظل من حال إلى حال لدليل على عظمة الله وكمال قدرته، يتفيأ الظل على اليمين والشمائل، ساجدين لأمره، وهم صاغرون وخاضعون لله، ولا شك أن انتقال الظل من حال إلى حال دليل على القدرة الكاملة، هذا في الجمادات أما الأحياء فلله وحده يسجد كل ما في السموات وكل ما في الأرض من دابة، وقد سجد الملائكة والحال أنهم لا يستكبرون أبدا عن شيء كلفوا به أو أراده الله لهم. فالكل يسجد إن طوعا وإن كرها يخافون ربهم من فوقهم فوقية مكانة لا مكان، وهم يفعلون ما يؤمرون.
مناقشة المشركين في عقائدهم وأعمالهم [سورة النحل (١٦) : الآيات ٥١ الى ٦٢]
وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)
وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠)
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)

المفردات:
الدِّينُ الطاعة والإخلاص واصِباً دائما. واجبا خالصا. تَجْئَرُونَ تضجون بالدعاء، يقال جأر يجأر جؤاره، والجؤار مثل الخوار وهو صوت البقر مُسْوَدًّا المراد متغيرا والسواد كناية عن غمه بالبنت كَظِيمٌ ممتلئ غما وحزنا، أو هو المغموم الذي يطبق فاه فلا يتكلم من شدة الألم مأخوذ من الكظامة وهو شد فم القربة يَتَوارى يختفى ويغيب هُونٍ هون وبلاء يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ يواريه في التراب ويرده إليه مَثَلُ السَّوْءِ المثل المراد به الصفة الغريبة غرابة المثل مُفْرَطُونَ متروكون فيها مقدمون إليها.

المعنى:
بعد ما ثبت أن كل ما في الكون خاضع لله- سبحانه وتعالى-، ومنقاد لأمره أتبع ذلك بالنهى عن الشرك، ببيان بعض فضائح العرب المشركين وأعمالهم علهم يرجعون ويثوبون إلى رشدهم.
وقال الله- سبحانه-: لا تتخذوا إلهين اثنين إنما الله إله واحد فالألوهية منحصرة في الذات الأقدس- جل جلاله-.
وقد يقال: ما فائدة زيادة اثنين بعد قوله إلهين، وزيادة واحد بعد قوله إله؟ وقد قالوا في الجواب: إن الزيادة لأجل المبالغة في التنفير من اتخاذ الشريك حيث قال:
إلهين اثنين، وكانت زيادة (واحد) دفعا لتوهم أن المراد إثبات الألوهية دون الوحدة، وخلاف المشركين منصب على الوحدة في الإله.
إن كنتم ترهبون شيئا في الوجود فإياى وحدي فارهبون.
وكيف لا يكون ذلك؟ ولله كل ما في السموات وما في الأرض ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا، وله الدين والطاعة، والإيمان والإخلاص ثابتا. واجبا دائما، إذ ليس لأحد أن يطاع، إلا انقطع ذلك بهلاكه أو زوال ملكه، إلا الله- سبحانه وتعالى- فطاعته دائمة ثابتة واجبة.
أفغير الله بعد ذلك تتقون وتخافون؟؟؟
وما بكم من نعمة أيّا كان لونها وجنسها فمن الله وحده. فعلى العاقل ألا يشرك بالله، وألا يعبد إلا الله، وألا يتقى إلا الله.
ولكن الإنسان يتلون، ولا يتجه الوجهة الصحيحة وهو غارق في بحار النعمة ولذا يقول الله: ثم إذا مسكم الضر في نعمة من صحة أو ولد أو مال فإلى الله- سبحانه- تجأرون، وتتضرعون في كشف الضر عنكم، إذ لا يكشف الضر إلا هو، ثم إذا كشف الضر عنكم، ورفع ما نزل بكم عاد بعض أفراد الإنسان إلى طبعه، وإذا فريق منكم يا بنى آدم يشركون بربهم، ألست تعجب من فعل هؤلاء حيث يضعون الشرك بالله الذي أنعم عليهم بكل نعمة، وكشف عنهم ما نزل بهم من ضر جعلوه مكان

الشكر له؟ فعلوا هذا ليكفروا بما آتيناهم من نعمة، حتى كأن هذا الكفر منهم- الواقع موقع الشكر الواجب عليهم- غرضا لهم ومقصدا انظر إلى قوله: لِيَكْفُرُوا وهذا غاية في العتو والفساد ثم قال لهم ربهم على سبيل التهديد: فتمتعوا بما أنتم فيه فسوف تعلمون عاقبة أمركم ونهاية عملكم.
ثم حكى- سبحانه وتعالى- نوعا آخر من قبائحهم فقال: ويجعلون للأصنام التي لا يعلمون حقيقتها نصيبا مما رزقناهم.
أليس عجبا أن يجأر هؤلاء إلى الله بالدعاء إذا مسهم الضر، ثم إذا أزاح عنهم الضر أشركوا به غيره، ومع ذلك يجعلون لما لا يعلمون حقيقته من الجمادات أو لما صنعوه بأيديهم نصيبا مما رزقناهم من الأموال يتقربون به إليه... تالله قسما بذاته العليا لتسألن عما كنتم تفترون وتختلقون من الأكاذيب والضلالات.
وهؤلاء يجعلون لله البنات وقد كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله..
سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا! ولهم ما يشتهون من الذكور أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى [النجم ٢١] أى: جائرة. أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.
[الصافات ١٥١ و ١٥٢].
إن هذا لعجيب!! البنات لله والذكور لهم!! وهم يأنفون من البنات، وإذا بشر أحدهم بالبنت ظل وجهه مسودا، وظل كئيبا حزينا كاسف البال لأنه بشر بولادة أنثى، ويظل في حيرة من أمره أيمسك المولود الأنثى على هوان وذل وعار وفقر أم يدسه في التراب؟ وكانوا يصنعون ذلك في الجاهلية، أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون أن يجعلوه لأنفسهم يجعلونه لله؟!! ألا ساء ما يحكمون!! لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالحياة الآخرة وما فيها مثل السوء والصفة السوءى التي لا أسوأ منها، ولله- سبحانه- المثل الأعلى والكمال المطلق وهو العزيز الحكيم.
وهو الرحمن الرحيم واسع الكرم كثير الحلم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة، ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم، ويعاقبهم على جرمهم فورا ما ترك على ظهر الأرض من دابة، ولكنه- جل جلاله- حليم ستار غفور رحيم، وهو يؤخرهم إلى أجل مسمى عنده فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وعندئذ يأخذ المسيء جزاءه حتما بلا تأخير ولا إمهال.