
(وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢)
سيق هذا الكلام الحكيم في سياق بياني، قد يؤخذ منه شكل منطقي، فقد قدم سبحانه وتعالى كلامه السامي، بقوله: (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، أي له السماوات والأرض، وما فيها من أحياء وأجرام، وعقلاء وغير عقلاء، وإذا كان مالكا للوجود كله وهو وحده المتصرف بمقتضى الاختصاص الثابت بالملكية، فله العبادة وحده، وله الطاعة وحده، وهو الذي يملك الجزاء وحده؛ ولذلك قال بعد ذلك ما هو كالنتيجة لهاتين المقدمتين: (وَلَهُ الدِّين وَاصِبًا) الدِّين يطلق ويراد منه العبادة وقد يراد منه الطاعة، وكلمة (واصب) قد يراد بها الدائم، وقد يراد المفروض، وقد يراد ما فيه مشقة محتملة، وهذه المعاني تراد جميعها من هذه الآية الكاملة، فله وحده العبادة، وله وحده الطاعة، وله وحده الجزاء، فهو الذي يجزي كلا بما يستحق، وهو الذي اختص باللَّه وحده دائم، ومفروض، ومنه تكليف للنفس بما يوجب الصبر، والمجاهدة.
وقد ختم اللَّه تعالى الآية من الإخبار إلى الخطاب فقال تعالى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)، الفاء للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، ذلك أنه يترتب على

الوحدانية، فيما ذكرنا الآيتين غير اللَّه تعالى، وأخرت الفاء عن الهمزة، لأن الاستفهام له الصدارة، والاستفهام للتنبيه، وإنكار الوقوع، أي لَا تتقون غير اللَّه، وتقديم غير اللَّه على الفعل للدلالة على أنه لَا يتقى سواه، والتقوى امتلاء القلب بخشية اللَّه تعالى وجلاله وخوف عقابه فلا يتقى سواه، لأنه له الجزاء وحده.
بعد ذلك أخذ سبحانه وهو المنعم بالوجود يبين بعض نعمه على الناس، فقال تعالت كلماته: