
لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦)
شرح الكلمات:
لا تتخذوا إلهين: أي تعبدونهما إذ ليس لكم إلا إله واحد.
وله ما في السموات والأرض: أي خلقاً وملكاً، إذاً فما تعبدونه مع الله هو لله ولم يأذن بعبادته.
وله الدين واصباً: أي خالصاً دائماً واجباً.
فإليه تجأرون: أي ترفعون أصواتكم بدعائه طالبين الشفاء منه.
فتمتعوا فسوف تعلمون: تهديدٌ على كفرهم وشركهم ونسيانهم دعاء الله تعالى.
ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً: أي يجعلون لآلهتهم نصيباً من الحرث والأنعام.
عما كنتم تفترون: أي تختلقون بالكذب وتفترون على الله عز وجل.
معنى الآيات:
بعد إقامة الحجج على التوحيد وبطلان الشرك أخبرهم أن الله ربهم رب كل شيء قد قال لهم: أيها الناس ﴿لا تتخذوا إلهين اثنين﴾ فلفظ اثنين توكيد للفظ إلهين أي لا تعبدوا إلهين بل اعبدوا إلهاً واحداً وهو الله إذ ليس من إله إلا هو فكيف تتخذون إلهين والحال انه ﴿إله واحد﴾ لا غير وهو الله الخالق الرازق المالك، ومن عداه من مخلوقاته كيف تُسوَّى به وتُعبَد معه؟ وقوله تعالى: ﴿فإياي فارهبون١﴾ أي ارهبوني وحدي ولا ترهبوا سواي إن بيدي كل شيء، وليس لغيري شيء فأنا المحيي المميت، الضار النافع، يوبخهم على رهبتهم غيره سبحانه وتعالى من لا يستحق أن يُرهب لعجزه وعدم قدرته على أن ينفع أو يضر. وقوله تعالى: ﴿وله ما في السموات والأرض﴾ ٢ برهان على بطلان رهبة غيره أو
٢ في الآية تقرير وحدانية الله تعالى إذ ما في السموات له، وما في الأرض له فهو إذاً إله واحد وبطل التعدد الذي يراه المجوس.

الرغبة في سواه ما دام له ما في السموات والأرض خلقاً وملكاً. وقوله ﴿وله الدين واصباً﴾ ١ أي العبادة والطاعة دائماً ثابتاً واجباً، ألا لله الدين الخالص. وقوله تعالى: ﴿أفغير الله تتقون﴾ يوبخهم على خوف سواه وهو الذي يجب أن يرهب ويخاف لأنه الملك الحق القادر على إعطاء النعم وسلبها، فكيف يُتقى من لا يملك ضراً ولا نفعاً ويُعصى من بيده كل شيء وإليه مرد كل شيء، وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن. وقوله: ﴿وما بكم من نعمةٍ فمن الله﴾ ٢ يخبرهم تعالى بالواقع الذي يتنكرون له فيخبرهم أنه ما بهم من نعمة جلت أو صغرت من صحةٍ أو مالٍ أو ولد فهي من الله تعالى خالقهم وواهبهم حياتهم، وليست من أحدٍ غيره، ودلل على ذلك شعورهم الفطري وهو أنهم إذا مسهم الضر من فقرٍ أو مرض أو تغير حال كخوف غرقٍ في البحر فإنهم يرفعون أصواتهم إلى أعلاها مستغيثين بالله سائلينه أن يكشف ضرهم أو ينجيهم من هلكتهم المتوقعة لهم فقال عز وجل: ﴿ثم إذا مسكم الضر فإليه﴾ دون غيره ﴿تجأرون﴾ برفع أصواتكم بالدعاء والاستغاثة به سبحانه وتعالى وقوله. ﴿ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريقٌ﴾ كبير ﴿منكم بربهم يشركون﴾ فيعبدون غيره بأنواع العبادات متناسين الله الذي كشف ضرهم وأنجاهم من هلكتهم.
وقوله: ﴿ليكفروا بما آتيناهم﴾ ٣ أي ليؤول أمرهم إلى كفران ونسيان ما آتاهم الله من نعمٍ وما أنجاهم من محن. أفهكذا يكون الجزاء؟ أينعم بكل أنواع النعم وينجى من كل كرب ثم ينسى له ذلك كله، ويعبد غيره؟ بل ويحارب دينه ورسوله؟ إذاً ﴿فتمتعوا٤﴾ أيها الكافرون ﴿فسوف تعلمون﴾ عاقبة كفركم وإعراضكم عن طاعة الله وذكره وشكره. وقوله تعالى: ﴿ويجعلون لما لا يعلمون نصنيباً مما رزقناهم﴾ وهذا ذكرٌ لعيب آخر من عيوبهم وباطلٍ من باطلهم أنهم يجعلون لأوثانهم التي لا يعلمون عنها شيئاً من نفعٍ أو ضر أو اعطاء أو منع أو إماتة أو إحياء يجعلونها لها طاعةً للشيطان نصيباً وحظاً من أموالهم
٢ فيه إشارة إلى بطلان إله الخير الذي يدين له المجوس الذين يقولون الخير من إله الخير، والشر من إله الشر.
٣ وجائز أن تكون اللام: لام كي التعليلية.
٤ الأمر للتهديد.

يتقربون به إليها فسيبوا لها السوائب، وبحروا لها البحائر من الأنعام، وجعلوا لها من الحرث والغرس كذلك كما جاء ذلك في سورة الأنعام والمائدة قبلها: وقوله تعالى: ﴿تالله لتسئلن١ عما كنتم تفترون﴾ أقسم الجبار لهم تهديداً لهم وتوعداً أنهم سيسألون يوم القيامة عما كانوا يفترون أي من هذا التشريع الباطل حيث يحرمون ويحللون ويعطون آلهتهم ما شاءوا وسوف يوبخهم عليه ويجزيهم به جهنم وبئس المهاد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد بعبادة الله تعالى وحده. ٢- وجوب الرهبة من الله دون سواه.
٣- وجوب الدين لله إذ هو الإله الحق دون غيره.
٤- كل نعمة بالعبد صغرت أو كبرت فهي من الله سبحانه وتعالى.
٥- تهديد المشركين إن أصروا على شركهم وعدم توبتهم.
٦- التنديد بالمشركين وتشريعهم الباطل بالتحليل والتحريم والإعطاء والمنع.
وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ