آيات من القرآن الكريم

وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ

في كيفية إهلاكه أو إخراجه من بين أظهرهم، فأنزل الله هذه الآية بوعدهم بها بإنزال أصناف العذاب والهلاك إذا هم فعلوا به شيئا، وهذا من مقدمات الأسباب الداعية إلى هجرته صلّى الله عليه وسلم التي قرب أوان إذن الله تعالى له بها. قال تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ» المراد بهذه الرؤية البصرية لا القلبية، ولذلك وصلت بإلى إذ يراد منها الاعتبار ولا يكون إلا بنفس الجارحة التي يمكن معها النظر إلى نفس الشيء ليتأمل بأحواله ويتفكر فيه فيعتبر ويتعظ «يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ» يقال للظل بالعشي فيء من فاء إذا رجع، وفي الصباح ظل لأنه مما نسخته الشمس والفيء ينسخها. قال حميد بن ثور في هذا:

أبى الله إلا أن سرحة مالك على كل أفنان العفاة تروق
فلا الظل في برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق
وأراد بالسرحة امرأة على طريق الكناية، أي تنشر ظلاله انتشارا «عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ» ٤٨ صاغرون ذليلون، قال ذو الرمة:
فلم يتق إلا داخر في مخيس ومنحجر في غير أرضك في حجر
المخيس السجن «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» ٤٩ عن السجود لعظمته بل يتواضعون ويخشعون ويخضعون لهيبة جلاله «يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» ٥٠.
مطلب من أنواع السجود لله وتطاول العرب لاتخاذ الملائكة آلهة:
وهذه الآية شاملة لنوعي السجود، لأنه سجود طاعة وعبادة كسجود الملائكة والآدميين وسجود انقياد وخضوع كسجود الضلال والدواب، وجاء بلفظ ما الموضوعة لما لا يعقل تغليبا لأنه أكثر مما يعقل كتغليب المذكر على المؤنث وجمعها جمع من يعقل، لأنه وصفها بصفته، لأن السجود من شأن من يعقل، وهذه السجدة من عزائم السجود وقد بينا ما يتعلق فيه في الآية ٣٧/ ٣٨ من سورة فصلت المارة فراجعه ترشد لما تريده فيه.
«وَقالَ اللَّهُ» تعالى يا ابن آدم إني نهيتكم كما نهيت

صفحة رقم 227

آباءكم من قبل على لسان رسلي أن «لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ» الإله الذي يعبد في السماء والأرض هو «إِلهٌ واحِدٌ» فرد صمد لا رب غيره ولا إله سواه ولا يستحق العبادة إلا إياه، وإنما قال واحد لأن الاسم الحامل معنى الإفراد، والتثنية دال على شيئين الجنسية والعدد المخصوص، فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به منها هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت إنما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن، وقيل لك إنك تثبت الإلهية لا الوحدانية، وإذا أريدت الدلالة على الجنسية فلا حاجة للتاكيد كما تقول واحد اثنين، ولهذا البحث صلة في الآية ٢٣ من سورة الأنبياء الآتية عند قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) الآية إن شاء الله، «فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» ٥١ لا ترهبوا غيري أبدا، وقد جاء بالالتفات من الغيبة إلى الحضور لأنه أبلغ من الترهيب، والرهب خوف مع حزن واضطراب، قال تعالى «وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً» ثابتا دائما واجبا لازما، قال أبو الأسود الدؤلي:

لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوما بذم الدهر أجمع واصبا
وقال أمية بن الصلت:
وله الدين واصبا وله الملا ك وحمد له على كل حال
ثم خاطب خلقه على طريق الاستفهام بقوله جل قوله «أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ» ٥٢ أيها الناس بعد أن عرفتم ما قصصناه عليكم من كمال عزّته وكبير قدرته وعظيم سلطانه وجليل عفوه «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ» لا من غيره فيجب عليكم شكر نعمه «ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ» ٥٣ تضجّون بالدعاء وتصيحون بالاستغاثة ليكشفه عنكم، والجوأر رفع الصوت بالاستغاثة قال الأعشى:
يداوم من صلوات المليك طورا سجودا وطورا جؤارا «ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ» ٥٤ لأنهم يضيفونه إلى أسباب أخر ولا يعلمون أنه هو مسبب الأسباب فإذا كان الضر

صفحة رقم 228

من القحط وأنعم الله عليهم بالغيث أضافوه إلى الكواكب وإذا كان مرضا أضافوا الشفاء إلى العقاقير، وإذا كان ريحا أو ولدا أضافوه إلى كسبهم، وما ذلك إلا «لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ» من تلك النعم بدل أن يشكروها ويحمدوا المنعم بها عليهم «فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» ٥٥ عاقبة كفركم وجحدكم، وفي العدول من الغيبة إلى الخطاب على قراءة الفعلين بالتاء زيادة في التهديد والوعيد وقرأهما بعض القراء بالياء. ثم شرع جل شأنه يعدّد مساوئهم فقال «وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ» لآلهتهم التي لا يعلمون أحوالها من أنها لا تضرّ ولا تنفع ولا تحمي ولا تشفع «نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ» من الأنعام راجع الآية ١٣٨ من سورة الأنعام المارة تجدها مفصلة هناك، ثم أقسم بذاته الكريمة فقال «تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ» أيها الكفرة «عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ» ٥٦ في الدنيا من هذه الأشياء القبيحة وغيرها، وهذا السؤال يكون حتما يوم القيامة عن عدها آلهة، وتخصيص بعض نعمه إليها وتخظيظها بنصيب منها تشبيها لها بالآلهة «وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ» وهم يكرهوهن لأنفسهم وذلك أن فرقا منهم كخزاعة وكناية يزعمون أن الملائكة بنات الله «سُبْحانَهُ» وتنزه وتعالى عن ذلك «وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ» ٥٧ من الذكور، أي كيف ينسبون النوع المحبوب إليهم والمكروه إلى ربهم «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا» من الكآبة والحياء من الناس كأنه جاء بشيء منكر فاحش «وَهُوَ كَظِيمٌ» ٥٨ ممتلىء غضبا وحنقا وحزنا على ما حل به من الغم وعلى زوجته أيضا كما أشرنا إليه في الآية ١٧ من لزخرف المارة «يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ» يتغيب عنهم ويستتر منهم «مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ» لئلا يرونه فيعيّرونه ثم يتفكر ماذا يصنع بها «أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ» بأن يتركه حيا فيربيه على هوان لنفسه ومذلة لها كأن ذلك المولود من زنى وقد ذكر الضمير باعتبار عوده إلى ما بشر به «أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ» فيدفئه حيا فيئده حتى يموت تحته ويتخلص من عاره وشناره. قال تعالى ذامّا صنيعهم هذا بقوله «أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ» ٥٩ في هذه القسمة وهذا الحياء وهذه السنة وهذا الإباء وهذا الوأد، راجع الآية ٨ من سورة التكوير في ج ١ فيما يتعلق بهذا.

صفحة رقم 229
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية