آيات من القرآن الكريم

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﱿ

هذه قضية معيّة الله لمن اتقاه، فمَنِ اتقى الله فهو في جواره ومعيته، وإذا كنت في معية ربك فمَنْ يجرؤ أن يكيدك، أو يمكرُ بك؟
وفي رحلة الهجرة تتجلى معية الله تعالى وتتجسد لنا في الغار، حينما أحاط به الكفار، والصِّدِّيق يقول للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لو نظر أحدهم تحت قدميه لَرَآنا، فيجيبه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو واثق بهذه المعية: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما».

صفحة رقم 8300

فما علاقة هذه الإجابة من رسول الله بما قال أبو بكر؟
المعنى: ما دام أن الله ثالثهما إذن فهما في معية الله، والله لا تدركه الأبصار، فمَنْ كان في معيته كذلك لا تدركه الأبصار.
وقوله: ﴿اتقوا..﴾ [النحل: ١٢٨].
التقوى في معناها العام: طاعة الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، ومن استعمالاتها نقول: اتقوا الله، واتقوا النار، والمتأمل يجد معناها يلتقي في نقطة واحدة.
فمعنى «اتق الله» : اجعل بينك وبين عذاب الله وقاية وحاجزاً يحميك، وذلك باتباع أمره واجتناب نهيه؛ لأن للحق سبحانه صفات رحمة، فهو: الرؤوف الرحيم الغفور، وله صفات جبروت فهو: المنتقم الجبار العزيز، فاجعل لنفسك وقاية من صفات الانتقام.
ونقول: اتقوا النار، أي: اجعلوا بينكم وبين النار وقاية، والوقاية من النار لا تكون إلا بطاعة الله باتباع أوامره، واجتناب نواهيه، إذن: المعنى واحد، ولكن جاء مرّة باللازم، ومرَّة بلازم اللازم.
وقوله: ﴿والذين هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨].
المحسن: هو الذي يُلزم نفسه في عبادة الله بأكثر مما ألزمه الله، ومن جنس ما ألزمه الله به، فإنْ كان الشرع فرض عليك خمس صلوات في اليوم والليلة، فالإحسان أن تزيدها ما تيسَّر لك من النوافل، وإنْ كان الصوم شهرَ رمضان، فالإحسان أنْ تصومَ من باقي الشهور كذا من الأيام، وكذلك في الزكاة، وغيرها مِمَّا فرض الله.

صفحة رقم 8301

لذلك نجد أن الإحسان أعلى مراتب الدين، وهذا واضح في حديث جبريل حينما سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكُنْ تراه فإنه يراك».
والآية الكريمة تُوحِي لنا بأن الذي اتقوا لهم جزاء ومعيّة، وأن الذين هم محسنون لهم جزاء ومعيّة، كُلٌّ على حسب درجته؛ لأن الحق سبحانه يعطي من صفات كمال لخَلْقه على مقدار معيتهم معه سبحانه، فالذي اكتفى بما فرض عليه، لا يستوي ومَنْ أحسن وزاد، لا بُدَّ أن يكون للثاني مزيَّة وخصوصية.
وفي سورة الذاريات يقول تعالى: ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ [الذاريات: ١٥ - ١٦].
لم يقل «مؤمنين» ؛ لأن المؤمن يأتي بما فُرِض عليه فحسب، لكن ما وجه الإحسان عندهم؟

صفحة رقم 8302

يقول تعالى: ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم﴾ [الذاريات: ١٧ - ١٩].
وكلها أمور نافلة تزيد عما فرض الله عليهم.
ويجب أن نتنبه هنا إلى أن المراد من قوله تعالى: ﴿وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم﴾ [الذاريات: ١٩].
ليست الزكاة، بل هي الصدقة، لأنه في الزكاة قال سبحانه: ﴿حَقٌّ مَّعْلُومٌ..﴾ [المعارج: ٢٤].

صفحة رقم 8303
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية