آيات من القرآن الكريم

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

فتقول هذا حلال وهذا حرام. ولك أن تنصب الكذب بتصف، وتجعل «ما» مصدرية، وتعلق هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ بلا تقولوا، على: ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب، أى: لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم ويجول في أفواهكم، لا لأجل حجة وبينة، ولكن قول ساذج ودعوى فارغة. فإن قلت: ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت: هو من فصيح الكلام وبليغه، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه، فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصوّرته بصورته، كقولهم: ووجهها يصف الجمال. وعينها تصف السحر، وقرئ «الكذب» بالجرّ صفة لما المصدرية، كأنه قيل: لوصفها الكذب، بمعنى الكاذب، كقوله تعالى بِدَمٍ كَذِبٍ والمراد بالوصف: وصفها البهائم بالحل والحرمة. وقرئ «الكذب» جمع كذوب بالرفع، صفة للألسنة، وبالنصب على الشتم. أو بمعنى: الكلم الكواذب، أو هو جمع الكذاب من قولك: كذب كذابا، ذكره ابن جنى.
واللام في لِتَفْتَرُوا من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض مَتاعٌ قَلِيلٌ خبر مبتدأ محذوف، أى منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعقابها عظيم.
[سورة النحل (١٦) : آية ١١٨]
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨)
ما قَصَصْنا عَلَيْكَ يعنى في سورة الأنعام.
[سورة النحل (١٦) : آية ١١٩]
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩)
بِجَهالَةٍ في موضع الحال، أى: عملوا السوء جاهلين غير عارفين بالله وبعقابه، أو غير متدبرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم مِنْ بَعْدِها من بعد التوبة.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٢٠ الى ١٢٢]
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢)
كانَ أُمَّةً فيه وجهان، أحدهما: أنه كان وحده أمّة من الأمم «١» لكماله في جميع صفات

(١). قال محمود: «في قوله أمة وجهان، أحدهما: أنه كان وحده أمة من الأمم... الخ» قال أحمد: ويقوى هذا الثاني قوله تعالى ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً أى كان أمة تؤمه الناس ليقتبسوا منه الخيرات ويقتفوا بآثاره المباركات، حتى أنت على جلالة قدرك قد أوحينا إليك أن اتبع ملته ووافق سبرته، والله أعلم.

صفحة رقم 641

الخير، كقوله:

وَلَيْسَ عَلَى اللَّهِ بِمُسْتَنْكَرٍ أنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِى وَاحِدِ «١»
وعن مجاهد: كان مؤمناً وحده والناس كلهم كفار. والثاني: أن يكون أمّة بمعنى مأموم، أى: يؤمّه الناس ليأخذوا منه الخير، أو بمعنى مؤتم به كالرحلة «٢» والنخبة، وما أشبه ذلك مما جاء من فعلة بمعنى مفعول، فيكون مثل قوله قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً وروى الشعبي عن فروة بن نوفل الأشجعى عن ابن مسعود أنه قال: إنّ معاذاً كان أمّة قانتاً لله، فقلت: غلطت، إنما هو إبراهيم. فقال: الأمّة: الذي يعلم الخير. والقانت المطيع لله ورسوله «٣»، وكان معاذ كذلك. وعن عمر رضى الله عنه أنه قال- حين قيل له: ألا تستخلف؟ -: لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته، ولو كان معاذ حيا لاستخلفته. ولو كان سالم حيا لاستخلفته فإنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: «أبو عبيدة أمين هذه الأمّة، ومعاذ أمّة قانت لله، ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلا المرسلون، وسالم شديد الحب لله، لو كان لا يخاف الله لم يعصه «٤». وهو ذلك المعنى، أى: كان إماما في الدين، لأنّ الأئمة معلمو الخير.
(١).
قولا لهارون إمام الهدى عند احتفال المجلس الحاشد
أنت على ما بك من قدرة فلست مثل الفضل بالواحد
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
لأبى نواس يعطف هرون الرشيد على الفضل البرمكي حين توعده بالقتل، غيرة منه لما سمع من نهايته في الكرم، وخاطب الاثنين تأسيا بعادة العرب، والاحتفال: الاجتماع. والحاشد الجامع، وعلى بمعنى مع، أى: أنت مع كونك في غاية الاقتدار لست واجداً مثل الفضل في العالم كله، ودخلت الفاء في خبر المبتدأ لما فيه خبره من رائحة الشرط، أى: وإن كنت قادراً، ودخلت الباء في خبر ليس لتوكيد النفي، واستدل على ذلك بقوله: ليس مستنكراً على الله جمعه خصال العالم كلها في رجل واحد كالفضل، هذا ما يتبادر منه ظاهر النظم، لكنه خلاف مقتضى مقام الاستعطاف، فالمعنى ولا يكن منك غيرة من الفضل، فان كرمه بعض صفاتك، فان الله قادر على جمع صفات العالم كلها فيك، وقد فعل. ويروى: من الله بدل على الله. ويروى: بمستبدع، بدل بمستنكر.
(٢). قوله «كالرحلة» في الصحاح «الرحلة» بالضم: الوجه الذي تريده، وبالكسر: الارتحال. (ع)
(٣). أخرجه الطبراني والحاكم وأبو نعيم في الحلية. من رواية علية عن منصور عن عبد الرحمن عن الشعبي حدثني فروة بن نوفل الأشجعى قال قال ابن مسعود. فذكره. لكن ليس فيه: فقلت له «غلطت» بل فيه فقيل له: إن ابراهيم. وفيه «وكان معاذ بن جبل يعلم الناس الخير. وكان مطيعا لله ورسوله» ورواه الحاكم أيضاً من رواية شعبة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله قال «إن معاذا كان أمة قانتا لله» فقال رجل من أشجع يقال له: فروة ابن نوفل: إنما ذاك ابراهيم. فقال عبد الله: إنا كنا نشبهه بإبراهيم- الحديث» وأخرجه عبد الرزاق. ومن طريق الحاكم قال أخبرنا الثوري عن فراس نحوه.
(٤). لم أجده

صفحة رقم 642
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية