
لما عدد عليهم محرمات الله، نهاهم عن تحريمهم وتحليلهم بأهوائهم وجهالاتهم دون اتباع شرع الله فقال: ما معناه:
ولا تقولوا القول الكذب لما تصفه ألسنتكم بالحل والحرمة في قولكم ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا من غير استناد في ذلك الوصف إلى وحى من الله أو قياس أو سند شرعي لا تقولوا القول الكذب. هذا حلال وهذا حرام.
والمعنى لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم كذبا وزورا، ويجول في أفواهكم بلا حجة ولا بينة.
لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب وتختلقوه إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون أبدا.
وما تراهم فيه في الدنيا فعرض زائل وعارية مستردة، ومتاع قليل، ولهم في الآخرة عذاب أليم جدا يصغر بجانبه كل متاع قليل في الدنيا.
نقاش المشركين في معتقداتهم [سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٨ الى ١٢٤]
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩) إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢)
ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤)

المفردات:
أُمَّةً لها معان كثيرة والمراد بالأمة هنا الرجل الجامع للخير، والذي يعلم الناس الخير قانِتاً مطيعا اجْتَباهُ اختاره، واصطفاه حَسَنَةً المراد نعمة الولد أو الثناء أو الحسن أو النبوة حَنِيفاً مائلا عن الشرك والباطل.
المعنى:
ما لكم أيها العرب تحرمون وتحلون من عند أنفسكم؟ بدون الرجوع إلى دين حق أو شرع من الله، ولا يصح لكم أن تقلدوا اليهود فيما حرم عليهم فعلى الذين هادوا وحدهم حرمنا ما قصصنا عليك من قبل في سورة الأنعام وكان التحريم بسبب ظلم ارتكبوه، وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون..
ولا تيأسوا أيها المشركون من رحمة الله فإن تبتم قبل الله عملكم وأثابكم وغفر لكم:
ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة أى: جاهلين غير عارفين بالله- تعالى- وعقابه غير متدبرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا أنفسهم، وعملوا صالحا إن ربك من بعدها لغفور رحيم.
وأنتم أيها العرب تدعون أنكم على ملة أبيكم إبراهيم، ولكنكم كاذبون في دعواكم لأن إبراهيم كان أمة وحده جامعا لخصال الخير، عالما معلما، فيه من صفات الكمال والخلق ما يوازى ما عند أمة من الناس، وكان مطيعا لله مائلا عن الشرك وعبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعم الله عليه، اختاره واجتباه ربه، وهداه إلى صراط مستقيم معتدل لا عوج فيه.